الدكتور عبدالعزيز السماري اختار المخ والأعصاب تخصصاً طبياً له وأبحر فيه كثيراً، وجذبه مرض الصرع ليمنحه خصوصية في التخصص أكثر. «البالطو» الأبيض والسماعة لم يجعلا السماري ينسى قلمه لذا ومنذ أكثر من عقد من الزمن وهو يكتب مقالات في صحيفة «الجزيرة» في الشأن المجتمعي تشخص حاله وأحواله، قلمه يثير حفيظة البعض ويسبب توترات عالية في أعصابهم فيخرجون بخطاب متشنج يحذّر فيه السماري من تداعياته في الساحة. يقول في حواره مع «الحياة»: «الحضارة والمدنية هي النهج الأمثل لعقل واعٍ وأعصاب هادئة، أما البيئة القاسية والتفكير الضال سيجعل من رأسنا مستودعاً لقنابل موقوتة لا ندري أين وفيمن ستنفجر». الحوار مع السماري رحلة هادئة للمخ والأعصاب مع تحولات ومتغيرات المشهد السعودي.. فإلى التفاصيل: حال من الشعور بالاغتراب النفسي والعبثي والاجتماعي تسيطر على الكثيرين الآن... إلى ماذا تعزو ذلك الأمر؟ - أعزوه إلى ثقافة الشك والمطاردة في المجتمع جعلت من الإنسان إما أن يكون انطوائياً يخاف من الدخول إلى وسط المدينة، أو متمرداً لا يحترم ثقافة القانون المغيبة. في الرياض حال من الصخب والازدحام الخانق، تجعل المرء في حال استعداد دائم لقضاء إجازته في الخارج. القسوة أحياناً تطرد الطمأنينة. العقل العربي ... الفعل العربي أين تعتقد الخلل: في العقل العربي أم الفعل العربي؟ وهل قلبت ثورات الشباب كل المعادلات؟ - جلد النقاد الواقع العربي طويلاً، ورددوا كثيراً أن مشاريع التنوير فشلت بين العرب، لكن ثورات الشباب أثبتت أن التغيير الحقيقي لا تتم مشاهدته على السطح، ولكنه يتطور عبر مراحل من الوعي التراكمي، ثم يظهر على السطح في قمة نضوجه، وهذا ما حدث. الأحداث الأخيرة في الدول العربية... هل أحدثت انتعاشاً لذاكرة التاريخ العربية؟ - بل هي أحداث جديدة في ذاكرة الأحداث العربية، وقد تكون الفصل الأخير في تاريخ الصراع المسلح على السلطة في تاريخ المسلمين والعرب، فقد كان الخروج المسلح الدموي طريقة التغيير التقليدية، لكن يبدو أن العرب دخلوا عصر السلام، ويحتاجون إلى وقت للوصول إلى الاستقرار مثل بقية دول العالم المتحضر. قضايا الشباب... هل تشغل حيزاً في الخطط التنموية؟ - ستدخل حتماً في تلك الخطط، فالجامعات المحلية ستقذف بالكرة في ملعب المسؤول، وسيصبح الحل قريباً يحتاج إلى مشرط الجراح، وسيكون مؤلماً في أول مواجهة، فأعداد الخريجين سيتجاوز المليون قريباً، وسنواجه إما الفوضى أو الحل النهائي لقضايا الشباب وبطالتهم. هل ثورات الشباب الأخيرة ستجعلنا أكثر تعاطفاً مع هذه الفئة لنسمح لهم بدخول المجمعات التجارية؟ - يجب التعامل مع الشباب على أنهم بالغون ويستحقون الثقة، ولا أرى أن تعاملنا مع الشباب يجب أن يكون من خلال مشاعر العطف، لأنهم مستقبل الوطن وأمله المقبل في تحقيق المستحيل على الأرض. شهدت الساحة الفكرية أخيراً تساقط العديد من المثقفين... هل كانت نظرتنا للمثقفين أنهم فوق كل الاعتبارات؟ - لا أعتقد بأن المثقفين لهم سمات محددة، ويجب ألا يُعامل المثقفون كعلماء الدين، والسبب أن الثقافة حق للجميع، وأن كل إنسان يمثل نفسه، وأي إنسان يملك القدرة على التعبير عن رأيه هو مثقف، وإذا تم احتكار أو تخصيص طبقة محددة للمثقفين عدنا إلى الوراء، وإلى العمل على احتكار الحقيقة، لذلك يسقط مثقف ويخرج آخر وهكذا، وتستمر الحياة. المكاسب والامتيازات... أما زالت هي المحرك الأول لمدعي الثقافة والفكر؟ - هذا يدخل ضمن إجابة السؤال السابق، وهي أن بعض المثقفين يستغل الأجواء الإعلامية، ويستثمر مشاركاته لكسب مزيد من الامتيازات، لكن في الوقت نفسه يصعب تعميم ذلك، ولكل قاعدة شواذ، لأن الساحة المحلية تمر في مخاض ثقافي متصاعد، والفضل يعود إلى اتساع دائرة حرية التعبير قليلاً، وظهور وسائل النشر الإليكتروني. المسؤولية والمواطنة لماذا يراودنا الشعور دائماً بأن هناك من هو مسؤول عن مشكلاتنا؟ ألا توجد مسؤولية فردية؟ - المجتمع السعودي يعيش في ظل رعاية أو سلطة الأب، والأب يمثل المسؤولية الأعلى، وقد يكون شخصاً أو جماعة، وبذلك يتهرب الفرد من حمل المسؤولية، ويتخلص من تحمل مشكلاته بصورة مباشرة. مفهوم المواطنة... هل وصل إلى المواطن؟ - لم يصل مفهوم المواطنة الحقيقي إلى المواطن ، ولم يدرك بعد أنها حقوق وواجبات، ولا تزال الانتماءات القبلية والطائفية تتقاطع مع موقف المواطنة المدني، وأجد في قصور آليات المجتمع المدني وغياب المشاركة في صنع القرار أحد الأسباب المهمة في تغييب مفهوم المواطنة. طبيب مخ وأعصاب، واهتماماتك الكتابية للشأن العام... ما الرابط بينهما؟ - لا رابط بينهما، أولاً لارتباطي القديم بالقضايا العامة والفكر، وثانياً لأنني أؤمن بأن الكتابة حق للجميع ولمختلف فئات المجتمع. هل تجد أن هناك توجهاً من الأطباء السعوديين لدراسة التخصصات الأكثر تعقيداً؟ - في البدء كان هناك توجه لدراسة كل التخصصات، لكنهم أخيراً بدؤوا يختارون بعناية حاجات السوق في الاختصاصات التي توفر دخلاً جيداً، وستواجه التخصصات الدقيقة غير المطلوبة في السوق أزمة الندرة إذا لم يتم دعمها علمياً ومالياً. هل يواجه المريض السعودي أن يكون ضمن برامج بحثية؟ - تخضع جميع الأبحاث العلمية والطبية لقانون أخلاقي صارم، ولا يمكن أن يشارك المريض في بحث علمي من دون موافقته، والبحوث العلمية مختلفة، فمنها ما هو علاجي، وذلك يحتاج إلى إجراءات معقدة، ويقل حدوثه محلياً، وتنحصر أكثر الأبحاث العلمية الحالية في أبحاث الجينات والدراسات الوصفية. يتغذى المخ على الدم والأوكسجين من الجسم... على ماذا يتغذى المجتمع؟ - في المجتمعات المتحضرة، يتغذى المجتمع على الحرية واحترام الحقوق والانتصار للذات، وتحقيق الأحلام وقصص النجاح والإبداع. ما الذي يشغل العقل السعودي أكثر؟ - في الأزمات أجد السعوديين يكثرون من تخزين الرز، ويخافون أكثر من انقطاع المياه، وهذا ليس من باب السخرية، فالعقل السعودي في حقيقة الأمر متوتر ومتخوف من أزمات الغذاء والمياه. وقد يحتاج الأمر إلى دراسات سيكيولوجية، فالتوتر بين السعوديين يرتفع كثيراً في الأزمات، ولعل التهديد البيئي يأتي على رأس قائمة أسباب التوتر. أعصاب السعوديين أعصاب السعوديين... ما الذي يثيرها ويؤثر فيها؟ - في الحياة اليوميه الهادئة، يثير أعصاب السعوديين الحوار حول مباراة كرة قدم أو عن إلغاء هدف لفريقه أو عن ضربة جزاء واضحة ولم تحتسب، وأيضاً يثير أعصاب معظم السعوديين نقد الفكر الديني في المجتمع، وكشف تناقضه، فالسعودي مَهْما ظهر عليه من علامات عدم الالتزام في أقواله وأفعاله، يخبئ داخله متديناً صغير يعود إليه كل ليلة، ليطمئن قليلاً قبل أن ينام. مراكز الإحساس لدى السعوديين... هل تعمل كما ينبغي؟ - تعمل، ولكن بصورة غير منتظمة، على سبيل المثال السعوديون يحبون الخير وتجدهم سباقون إليه ويلبون نداءه الرسمي باندفاع، لكنهم في أحيان أخرى، وبينما العالم غاضب بسبب انتهاكات حقوق الإنسان وقتل الناس، يصمتون وكأن شيئاً لم يحدث. بصفتك متخصصاً في «الصرع»... هل لك أن تلقي بعض الضوء عليه قليلاً؟ - يقوم المخ عن طريق المراكز المتخصصة في الفصين الأيمن والأيسر بالسيطرة على مراكز متفرقة للأحاسيس المختلفة (السمع - النظر - الشم - الألم) ومراكز أخرى تسيطر على (الحركة.. الفكر.. الذاكرة.. النطق). وهذه المراكز متصلة في ما بينها اتصالاً دقيقاً. وبسبب الطبيعة الكهربائية للخلايا العصبية فإنه قد يحدث أن تكون هناك خلايا عصبية متصلة في ما بينها تصدر إشارات كهربائية زائدة وغير منتظمة في أحد مراكز المخ، وهو ما ينتج منه نشاط غير طبيعي ينعكس كاضطراب موقت في وظيفة ذلك المركز من المخ، وهذا ما يسمى بالنوبة الصرعية. ويتوقف نوع النوبة على جزء الدماغ الذي حصل فيه التفريغ الكهربائي. فمثلا إذا حدثت نوبة صرعية في أحد مراكز الإحساس نتج منها إحساس غير حقيقي حيث يشعر المريض فيه بهلاوس غريبة كشم رائحة غريبة أو رؤية أضواء وألوان غير حقيقية أو الإحساس بالألم أو التنميل في جزء من الجسم كذلك لو حدثت نوبة صرعية في أحد مراكز الحركة نتج منها ما يسمى بالتشنج حيث تكون حركة الأطراف عنيفة وقد يصاحب ذلك فقدان الوعي والسقوط على الأرض. وإذا حدثت النوبة الصرعية في أحد مراكز السلوك فسوف ينتج منها هذا السلوك غير المبرر، كالضحك من غير سبب أو الشعور بالخوف أو القيام بالركض من غير هدف أو عمل حركات باليد مشابهة لحركات الكتابة أو فتح الأزرار. ولكن دائماً ما يتبادر إلى أذهاننا سؤال: ما الأسباب التي تؤدي إلى الصرع أو بمعنى آخر ما العوامل التي تؤدي إلى حالة الصرع؟ - قد تكون الإجابة صعبة حتى الآن لأنه 75 في المئة من حالات الصرع ليس لها سبب معروف ومحدد لصدور هذه الشحنات الكهربائية التي تشبه البرق حيث تأتي مفاجئة، وقليلاً ما تعلن قدومها، وهذا يحدث عند الطفل وعند البالغ، على السواء، لأن التشنجات الصرعية تصيب الطفل مثل ما تصيب الشخص البالغ ولو في سن متقدمة، أن الغالبية من المصابين بالصرع لا يوجد عندهم أي مرض بالجهاز العصبي، وتكون فيها الفحوص الجسدية والمختبرية سليمة ويسمى بالصرع الذاتي. هل الصرع له ارتباط وراثي؟ - بينت الدراسات أن التاريخ الطبي لعائلة المصابين بالصرع، حافل بنوبات الصرع، وهو ما يشير في طياته إلى دور الوراثة في هذا المرض. حيث يصنف الصرع الذي تبدأ نوباته في جانبي الدماغ في الوقت ذاته، بالصرع العام الرئيسي، وفيه تلعب الوراثة دوراً كبيراً فيه مقارنة بالصرع الجزئي الذي تنبثق نوباته عن منطقة محددة من الدماغ. وتتراوح نسبة إصابة أطفال آخرين من العائلة بين 4% و 10%، بحسب نوع الصرع وعدد أفراد الأسرة المصابين. وعلى أي حال يجب ألا يكون الخوف من احتمال إصابة الأطفال بالصرع رادعاً للإنجاب، لأن الاحتمالات إصابة الأطفال ضئيلة، فضلاً عن أن غالبية الأطفال يتعافون من المرض بعد النمو، ناهيك عن أن هناك العديد من الأدوية التي تحد من النوبات. ومع التقدم في طرق العلاج أصبح من الممكن التحكم بمعظم الحالات، فبعض النوبات يمكن الانتباه إليها بسهولة بينما قد لا يكون بالإمكان معرفة بعضها الآخر نهائياً. برأيك... هل يجب أن يرتبط تطوير التعليم بمسح الهوية الحضارية؟ - سأعود قليلاً لسؤال مضى عن تلك المادية التي تسكن فيها روح جاهلية، لأن ما يحدث من تغريب ومسخ للهوية له علاقة بتلك الروح، فهل يعقل أن يتم نحر هويتنا وفخرنا بهذه السهولة، لقد جعلنا من إجادة اللغة الإنكليزية رمزاً للتحضر والنجاح في العصر، وأدى ذلك إلى قتل صور الإبداع في المجتمع، ولقتل ملكة التفكير، ومهّد من حيث لا ندري إلى عبودية الآخر. لنعد إلى مختلف الحضارات التاريخية، ونتعلم منها كيف تحولت الشعوب من العبودية إلى الاستقلال، بدلاً من «فلبنة المجتمع»، ويعني ذلك أن يتخرج أبناءنا وهم يشعرون بالنقص دائماً أمام «الخواجة» مصدر اللغة الأجنبية وملهم الشعوب المتخلفة، وهل يعقل أن لا يجد معلمو اللغة العربية وظائف لهم في سلك التعليم، بينما نستورد الآلاف من معلمي اللغة الإنكليزية! أي مستقبل هذا الذي نرجوه من الجيل القادم!؟ أطفالنا في الثانية عشرة من العمر، ولا يجيدون القراءة... هل الإشكالية في النظام التعليمي؟ - تكمن الإشكالية في أساليب التعليم التي تعتمد فقط على التلقين، ولا تحرضه على اتباع أساليب البحث عن المعلومة خارج المنهج، فالتعليم الحديث لا يقتصر على مناهج محددة، ولكن يطلق العنان للقراءة خارج المنهج، ويدخله في ثقافة العمل مبكراً. الهوية والواقع الانفصال بين الهوية والواقع... ما الذي أسهم في تكوينه؟ - الإشكالية أننا نعيش وسط واقع منفصل، وهو ما يزيد من حال الانفصال، ولك أن تتأملي ذلك في مشهد متكرر: دخول رجال يمثلون الشرعية في الوطن إلى صيدلية، ليطمسوا الصور التي على مستحضرات التجميل، فيما تدخل إلى المكتبة المجاورة، وتجد مجلات على غلافها صور للفنانات والممثلات في كامل تعريهن وزينتهن، وفي مكان آخر تُقام حفلات غنائيه يحضرها الجمهور، وفي مدن أخرى تعتبر من الممنوعات. وفي مشهد آخر يغض رجل المرور النظر عن مخالفة سيارة فارهة، بينما يطبق القانون على سيارة مواطن لا تبدو على ملامحه تلك الأهمية، وفي مشهد يستطيع أحدهم تحرير أرض خدمات عامة، ويُخرج عليها صك ملكية، بينما لا يستطيع آخر امتلاك سكن لعائلته. الإشكال أننا نعتقد بأن تلك الصور المتباينة غير واضحة للمتابع. نواجه مشكلات اجتماعية خلفها الترف، وأخرى أوجدها الفقر، ألا نستطيع معادلة تلك الأمور؟ - الحل لا يخرج من توسيع دائرة الطبقة الوسطى، والتي تعتبر صمام الأمان في أي مجتمع، وكلما ازدادت الهوة بين الترف والفقر، تعقدت مشكلاتنا الاجتماعية وانتشرت الرذيلة والجريمة، ويصبح استعباد الناس أحد حلول مشكلة الفقر، وتلك إشكالية واجهتها كثير من البلاد الإسلامية، ليصبح الفساد أحد مقومات السياحة في تلك البلاد. كيف نتوجه إلى مشاريع إصلاحية وطنية، ونُقصي إصلاح الإنسان أولاً ؟ - يأتي إصلاح الإنسان من خلال إخراجه من ثقافة الانفصام التي يعيش فيها، وإصلاح الإنسان من خلال منحه الاستقلال وحرية الاختيار، والتوقف عن ملاحقته، لكنني أعتقد بأن مشاريع الإصلاح الوطني يجب ألاّ تنتظر قضية إصلاح الإنسان، ولأنني أؤمن بأن الحصان يجب أن يكون دائماً في مقدم العربة ليوصلها إلى المستقبل، فقد تعلمنا من التاريخ أن القادة العظام مثل نيلسون مانديلا والمهاتما غاندي قادوا مشروع إصلاح الإنسان في بلادهم. مصطلح الحرية والليبرالية والديموقراطية... لماذا تبدو هذه المفاهيم سيئة السمعة لدى الأنظمة العربية؟ - بعض الأنظمة العربية طبقت الحرية والليبرالية، لكن تم حصر تطبيقاتها في كانتونات اقتصادية ومجمعات سكنية، لا تدخل إليها إلا النخبة، ويمنع منعاً باتاً دخول غير الأعضاء إليها، فيما تعتبر الديموقراطية أحد ألد أعداء فكر الوصاية والنخبوية، فالديمقراطية شرط أساسي لنجاح الليبرالية بحسب مفاهيمها الحضارية في أي بلد، وإذا تم استثناء تطبيقها، يتحول المجتمع إلى إقطاعي وطبقة مترفة وأخرى معدمة. بينما الدين صالح لكل زمان ومكان، هناك التشدد والتضييق والخطاب الديني الذي يعتمد على التهديد والوعيد... ألا يحتاج الأمر إلى إعادة صياغة لهذا الخطاب؟ - بالتأكيد نحتاج إلى قراءة جديدة للخطاب الديني، فلغة التهديد والوعيد والتشدد أثبتت خطورتها على أمن الناس، وما حدث من تفجيرات للآمنين في المجتمع كان سببه لغة التهديد واللعن والتكفير. نحتاج إلى خطاب جديد مضمونه «كل نفس بما كسبت رهينة». حين نجد الفتوى تتصدر الصفحات الأولى للصحف، ونقحمها في كل صغيرة وكبيرة... هل يعني الأمر فقدان القدرة على اتخاذ وصنع القرار؟ - كثرة الفتاوى في كل صغيرة وكبيرة تحرج صاحب القرار، وقد كانت إلى وقت قريب المعارضة باسم الله عز وجل ضد كل جديد. ولو عدنا للوراء لوجدنا فتوى في كل شيء، من الراديو والميكروفون إلى تقديم الورد إلى المرضى، لكنني أرى تغييراً في منهجية الفتاوى بعد تعارض وصدام الفتاوى الأخير بين بعض كبار علماء الدين. وأعتقد بأن الإعلام بمختلف وسائله أسهم كثيراً في انتشار ثقافة الفتاوى، واستجاب الناس لتبدأ موجات من الأسئلة التي لا تنتهي، وقد سألوا عن كل شيء، عن حكم تركيب جرس على الباب وتشقير الحواجب وغيرها، وأدى ذلك إلى تعطيل قدرات العقل والتفكير ثم إصابته بالشلل الكامل، ونستثني مواقع الغرائز، والتي ازداد نشاطها بصوره غير مسبوقة، ويظهر ذلك في خروج موديلات حديثة من الزواج كل عام تلبية لذلك النشاط. الفكر الضال والفساد أيهما الأخطر على المدى البعيد الفكر الضال أو الفكر المُضلل؟ - لا يوجد فكر ضال أو مضلل، ومن الصعب جداً رسم خطوط تفصل بين الأفكار الحميدة والخبيثة، ولكن توجد جريمة أو تحريض عليها، ويجب أن ينال المحرض ومرتكبها العقاب، لذلك تجب محاكمة المذنبين في حق الوطن إذا ثبتت إدانتهم. إعلان الملك لهيئة متخصصة لمحاربة الفساد... هل هي نهاية «للخصوصية السعودية»؟ - لا أعتقد بأن للخصوصية السعودية نهاية، ويأتي إعلان الملك - حفظه الله - إلى أن القيادة تسعى من أجل الحفاظ على المكتسبات الوطنية، فالوطن يحتاج إلى مزيد من الضمانات لمستقبل أفضل، لكن بحسب وجهة نظري تحتاج الهيئة إلى استقلالية أكثر في الرقابة وإلى هيئة تشريعية أيضاً مستقلة تسندها في إقرار جرائم الفساد والعقوبات. لماذا دائماً تبدو تهمة العمالة والمؤامرة هي الحاضرة بيننا عند اختلاف الرأي؟ - يدخل ذلك في حال الصراع الحالي في المجتمع، الذي يقع بين التيار المحافظ الذي يخاف من التغيير، والتيار التحديثي الذي يبحث عن التجديد والانطلاق إلى الغد، ويأتي استخدام الطعن في وطنية المخالفين في الرأي من باب الإقصاء والعنف غير المباشر ضد الرأي المخالف. يعاني المجتمع من ظاهرة التصنيف، وإن لم تكن معي فأنت ضدي... هل فشلنا في إقامة حوار وطني؟ - تحول الحوار الوطني إلى مؤسسة بيروقراطية تتكون من كوادر وطنية وآليات وغيرها، وكنت أتمنى أن يتم إطلاقه من خلال قانون لحرية التعبير، على رغم أن بداياته كانت حافلة بإنجازات، لكنها سرعات ما تراجعت عند أول امتحان سياسي. هل يجب أن نعمم الرؤية الرياضية في التعامل مع اللاعبين ونسقطها على مسألة القبلية والطائفية في المجتمع؟ - أزمتنا الرياضية أنها تسممت بتلك الروح الجاهلية، فالمنطق الرياضي الحالي خالٍ تماماً من روح الرياضة، ويلوثه تداخُل النفوذ الاجتماعي فيه، وهو ما ينقل آفات المجتمع إلى الوسط الرياضي. والحل هو الخصخصة، ولا حل من دونها، ولن نتطور رياضياً إلا إذا تحولت بعض أوجه الرياضة إلى صناعة وتجارة، لا إلى نفوذ ووجاهة. لماذا لا يكون اهتمامنا بالمنجز الفردي بعيداً عن المناطقية والتعصب القبلي؟ - لأننا نعيش ضمن ثقافة تعزز المسؤولية الجماعية، فالفرد إذا نجح أرجع نجاحه إلى عائلته وقبيلته، والعكس صحيح، وهو ما يزيد من بيئة الانحياز في المجتمع، فالقبلي ينتصر إلى أفراد قبيلته، والطائفي والمناطقي يفعلان مثل ذلك وهكذا. لماذا التوجس من مشاركة المرأة في الترشيح والانتخاب في المجالس البلدية؟ - لا أعتقد بأن المجتمع يتوجس من ذلك، ولكن الأمر ينتظر قراراً رسمياً لتفعيل مشاركتها، ويوماً ستشارك، وهل يعقل أن يوجد في هذا العصر من يعتقد بأنها قاصرة عن الرجل في الإدلاء بصوتها أو أن تشارك مرشحةً. هل مناصرة المرأة السعودية يجب أن تكون بإبرازها عالمياً ونسيانها محلياً؟ - المرأة حاضرة في المجتمع السعودي وتقدم صورة ناجحة جداً، لكن أتمنى أن تتاح الفرصة أمامهن بالتساوي للتحليق عالياً في سماء الإبداع بغض النظر عن خلفيتهم الاجتماعية أو الإيديولوجية. سيرة ذاتية...