بعد أسابيع على توتر وتهديدات متبادلة، شكّل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في مدينة بيونغتشانغ حدثاً تاريخياً أمس، إذ حضرته كيم يو جونغ، شقيقة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، وصافحت الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي إن. لكن مايك بنس، نائب الرئيس الأميركي، تغيّب عن عشاء جمع مون والرئيس الفخري للدولة الستالينية كيم يونغ نام، بعد ساعات على إعلانه أن الرئيس الكوري الجنوبي يدعم تشديد عقوبات على بيونغيانغ، نتيجة برنامجَيها النووي والصاروخي. وباتت كيم يو جونغ أول فرد في السلالة الحاكمة في كوريا الشمالية يزور الجنوب، منذ انتهاء الحرب الكورية (1950-1953)، إذ جدها كيم إيل سونغ، مؤسس الدولة الستالينية، كان آخر شخص من تلك العائلة يصل إلى سيول، بعدما أسقطتها قواته عام 1950. كما أن كيم يونغ نام هو أبرز مسؤول كوري شمالي يعبر الحدود بين الشطرين. والتقت كيم يو جونغ مون، لدى وصوله إلى افتتاح الدورة، وتصافحا وتبادلا ابتسامات. وينصّ البروتوكول على أن يرأس كيم يونغ نام الوفد الكوري الشمالي، لكن شقيقة كيم الثالث تُعتبر فعلياً رئيسة للوفد. وسار رياضيو الكوريتين معاً وراء علم الوحدة الأزرق والأبيض، وسط حماسة كبرى، علماً أن التوتر بين الشطرين بلغ مرحلة خطرة العام الماضي، إذ تبادل كيم جونغ أون والرئيس الأميركي دونالد ترامب اتهامات وشتائم، اثر تنفيذ بيونغيانغ تجربة نووية سادسة، وإطلاقها صواريخ باليستية عابرة للقارات، بعضها يطاول الولاياتالمتحدة. لكن كيم الثالث فاجأ العالم، في خطاب رأس السنة، بإعلانه أنه سيرسل رياضيين ووفداً بارزاً إلى الأولمبياد الشتوي في بيونغتشانغ. ورأى محللون في ذلك محاولة لنزع التوتر، لكن كوريين جنوبيين اتهموا سيول بتقديم تنازلات كثيرة إلى الشمال، معتبرين أن بيونغيانغ «خطفت» الدورة. وكان لافتاً أمس تغيّب بنس عن عشاء جمع رئيسَي الكوريتين. لكن ناطقاً باسم الرئاسة الكورية الجنوبية ذكر أن نائب الرئيس الأميركي وصل متأخراً «وتبادل التحية مع الجالسين على الطاولة الرئيسة وغادر من دون أن يجلس إلى الطاولة». وأضاف أن بنس أبلغ سيول مسبقاً أنه سيتناول العشاء مع الرياضيين الأميركيين المشاركين في الدورة بعد ذلك، و «لذلك لم يكن مقعده معداً». وتابع أن بنس «كان سيغادر مباشرة بعد التقاط الصورة الجماعية، لكن الرئيس مون دعاه إلى رؤية أصدقاء، لذلك مرّ سريعاً على حفلة الاستقبال». وكان مخطط المقاعد الذي عرضه التلفزيون الكوري الجنوبي ظهر أن مقعد بنس يقع إلى يسار مقعد مون ومباشرة في مقابل مقعد كيم يو جونغ. أما مقعد الرئيس الكوري الشمالي فكان بين مقعدَي رئيس اللجنة الأولمبية الدولية توماس باخ والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. وكان بنس قال قبل ساعات إن مون أبلغه «دعمه القوي لاستمرار حملتنا المتمثلة في ممارسة أقصى درجات الضغط، لمواصلة فرض عقوبات إضافية على كوريا الشمالية». أتى ذلك بعد زيارته نصباً يحيي ذكرى 46 بحاراً كورياً جنوبياً قُتلوا في غرق سفينة حربية عام 2010، بعد إصابته بطوربيد تتهم سيول بيونغيانغ بإطلاقه. أما رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي فشدد على أن التعاون بين طوكيووسيول وواشنطن في ما يتعلّق بالتهديد الكوري الشمالي «لن يهتزّ». لكن آبي كرّر معارضة اليابان مراجعة اتفاق أُبرِم عام 2015 في شأن «نساء المتعة» الكوريات الجنوبيات. وقال خلال لقائه مون إنهما اتفقا على ضرورة أن يؤسس البلدان علاقات «تستلهم المستقبل». وأضاف: «الاتفاق بين اليابانوكوريا الجنوبية يسوّي (الملف) نهائياً وفي شكل لا رجعة فيه. إنه تعهّد بين البلدين وأساس علاقاتنا الثنائية (ولن يتغيّر) ملليمتراً واحداً». وأفادت وكالة «كيودو» اليابانية للأنباء بأن آبي طالب سيول أيضاً بإزالة تماثيل لنساء المتعة منصوبة في دول، بينها الولاياتالمتحدة وأستراليا وألمانيا، إضافة إلى كوريا الجنوبية. لكن ناطقاً باسم الرئاسة الكورية الجنوبية ذكر أن مون أبلغ آبي أنه علاج الضرر النفسي الذي عانته الضحايا ليس ممكناً بواسطة مقايضات بسيطة بين الحكومتين، معتبراً أن على سيولوطوكيو متابعة الجهود لعلاج جروحهنّ. ونصّ اتفاق 2015 على اعتذار اليابان لنساء المتعة وتقديمها بليون ين (9 ملايين دولار) لمساعدتهنّ. لكن كوريا الجنوبية اعتبرت هذا العام أن الاتفاق لم يلبِ حاجات الضحايا وطالبت بمزيد من الخطوات. إلى ذلك، عبرت غواصة كندية المحيط الهادئ لتنفيذ دوريات على الساحل الآسيوي، للمرة الأولى منذ نحو 50 عاماً. ويأتي ذلك بعدما اتفقت الولاياتالمتحدة وحلفاؤها في فانكوفر الشهر الماضي على اتخاذ إجراءات أكثر صرامة لمنع أي انتهاك للعقوبات المفروضة على كوريا الشمالية، بما في ذلك عمليات أمنية بحرية لمنع التهريب الملاحي.