ترجم المشهد السياسي في قداس عيد مار مارون (مؤسس الطائفة المارونية)، الذي أقيم أمس في بيروت، التوافق السياسي الذي حصل قبل أيام بين رئيسي الجمهورية ميشال عون والمجلس النيابي نبيه بري، واللذين جلسا جنباً الى جنب في الاحتفال الديني. واعتذر رئيس الحكومة سعد الحريري عن عدم الحضور، فغاب عن المشهد بسبب سفره الى باريس. وكان الرئيس بري لدى وصوله الى كنيسة مار مارون صافح في مقدمة الحضور رئيسي الجمهورية السابقين أمين الجميل وميشال سليمان ورئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة ووزراء، وجلس الى جانب الرئيس عون وزوجته وتبادل الحديث معه. وغصت الكنيسة بحشد من الشخصيات السياسية والديبلوماسية والأمنية والقضائية. وحين سئل وزير الخارجية جبران باسيل لدى مغادرته الكنيسة بعد مشاركته بالقداس ما إذا صافح الرئيس بري ، قال: «اليوم عيد ولن نتحدث في السياسة «. وترأس القداس البطريرك الماروني بشارة الراعي وحضره بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي أغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك الأرمن الكاثوليك غريغوريوس بيدروس العشرون، مطران بيروت للروم الأرثوذكس إلياس عودة، رئيس الطائفة اللاتينية في لبنان المطران سيزار اسايان، وعدد من المطارنة والأساقفة من الكنائس الكاثوليكية والأرثودكسية والأرمنية والروم الكاثوليك والقبطية. وقبل بدء القداس الاحتفالي، ألقى راعي أبرشية بيروت للموارنة المطران بولس مطر كلمة رحب فيها بالرئيس عون واللبنانية الأولى وشكر الرئيس بري على «تلبيته الدعوة، وحضوره المحبب معنا ومشاركته إيانا فرحة العيد». وذكر بوصف البابا يوحنا بولس الثاني للبنان «بأنه رسالة للشرق والغرب معاً، لأن ما يقدمه هذا الوطن إلى أهل الشرق هو أنموذج الدولة المدنية التي تهتدي بالقيم الدينية لمواطنيها، وما تقدمه لأهل الغرب هو احترام خصوصيات الأديان وشعائرها وتأمين الحقوق المتساوية لها ضمن الحفاظ على الحرية الدينية والإنسانية للمواطنين بكل أبعادها». وقال: «ما يرمز إليه هذا القداس هو إرادتنا الوطنية بالعيش معاً كأخوة متحابين ومتعاونين. فنحن لسنا ملتقى لجماعات تسعى إلى توازنات في ما بينها وتحاول كل منها أن توازي حصتها بحصة الآخرين. بل نحن على تنوعنا شعب موحد في وطن واحد هو مرجعنا جميعاً. والعلاقة في ما بيننا علاقة مودة ورضا بالآخر واغتناء بتراثه. وإذا ما وقع بيننا خلاف من أي نوع كان، فيجب أن يبقى على رغم كل شيء خلافاً بين أخوة، يحكمه سقف هذه الأخوة فلا يطاول هذا السقف ولا يتعدى، لأنه يحمي الجميع ويبقى ضمانة لبيتنا الواحد ولساكنيه على السواء». وتوجه الى الرؤساء الثلاثة قائلاً: «نتطلع مع جميع أبناء الوطن الى السعي الذي تقومون به معاً لتثبيت الوفاق الوطني الشامل في البلاد وإحياء كل مؤسسات الدولة وتفعيلها على غير صعيد، فتصبح هذه المرحلة من حياتنا الوطنية مرحلة تأسيسية جديدة، صانعة للفرق ومحققة للمعجزات ومتوجة لتضحيات الآباء والأجداد، ليبقى لنا وللشرق والعالم، لبنان الرسالة، المحبة والحضارة». ورأى الراعي في كلمته أن «التضحيات كفيلة بمواجهة التحديات. وأولها تعزيز العيش المشترك كتجربة لبنانية نموذجية مميزة بنمط الحياة الذي يؤمن فرص التفاعل والاغتناء المتبادل، ويحترم الآخر في تمايزه وفرادته وثقافته، ويتشارك معه في حكم الشأن الوطني وإدارته. وثاني التحديات بناء دولة ديموقراطية حديثة تحمي صيغة العيش المشترك، وتوفق بين المواطنة للأفراد والتعددية للجماعة». وذكر بالمقومات التي تؤمن بها الكنيسة المارونية للدولة وهي: «التمييز الصريح، حتى حدود الفصل بين الدين والدولة، بدلاً من اختزال الدين في السياسة، أو تأسيس السياسة على منطلقات دينية لها صفة المطلق، والانسجام بين الحرية، التي هي في أساس فكرة لبنان، والعدالة القائمة على المساواة في الحقوق والواجبات، التي من دونها لا يقوم عيش مشترك، والانسجام بين حق المواطن الفرد في تقرير مصيره وإدارة شؤونه ورسم مستقبله، وبين حق الجماعات في الحضور والحياة على أساس خياراتها، والانسجام بين استقلال لبنان ونهائية كيانه، وبين انتمائه العربي وانفتاحه على العالم». وبعد القداس والصلوات التي رفعت على نية لبنان والسلام، تقبل عون والراعي ومطر التهاني بالعيد. وقال الوزير رائد خوري الذي شارك في القداس إن «الأوضاع جيدة وهناك تهدئة في البلاد ولا مشكلة بين الرئيسين عون وبري». أما الوزير ميشال فرعون فقال: «التجاذبات السياسية موجودة في البلد لأننا بلد ديموقراطي، لكن الأهم الحفاظ على الاستقرار الداخلي الأمني والاقتصادي». وقال الوزير بيار أبي عاصي: «المهم أن يكون هناك ضبط لأي مناكفات سياسية لحماية الشارع والأمن والمؤسسات».