هل كان الكاتب الروسي الكبير نيقولاي غوغول يتصوّر أن النظام الأوكراني سيعيده إلى إحدى ضواحي مدينة بولتافا التي ولد فيها نازعاً عنه الهوية الروسية، هو الذي خرج الأدب الروسي الجديد من «معطفه»، كما يقال في إشارة إلى ريادته؟ بل هل كان يُخيّل أيضاً للكاتب الروسي الكبير ميخائيل بولغاكوف صاحب رواية «المعلم ومارغريتا» التي كان لها أثرها الكبير في الأدب العالمي، أن تسقط عنه هويته الروسية ويُمسي أوكرانياً لأنه ولد في كييف؟ هذان السؤالان اللذان طُرحا سابقاً، يُطرحان اليوم في صيغة أشد «تعصباً» بعد الأزمة الكبيرة التي نشبت بين روسياوأوكرانيا، وانتهت إلى معارك وحروب وخطوط تماس لا تزال مفتوحة: هل يخضع الأدب للمعايير السياسية المتقلبة أم أنّ عليه أن يخترق خطوطها الحمر محافظاً على الذاكرة الجماعية؟ لعل القرار الذي أصدرته أوكرانيا قبل أيام، ويقضي بمنع كتب روسية وأخرى عنها من دخول السوق المحلية أو توزيعها داخل البلاد، يُعبر فعلاً عن جسامة حال التوتر بين البلدين «الشقيقين» سابقاً اللذين يملكان تراثاً واحداً، على رغم الاختلاف اللغوي البسيط بينهما. وحظرت اللجنة الحكومية المكلفة قضايا الإعلام السياسي، ومنها الإذاعة والقنوات التلفزيونية، لائحة من 25 كتاباً من روسيا. والمستغرب أن بينها مؤلفات تاريخية من تأليف بوريس أكونين الذي يملك شريحة كبيرة من القراء في أوكرانيا، وكذلك كتاب «ستالينغراد» لأنطوني بيفور، فضلاً عن موسوعات ومؤلفات تنتمي إلى أدب الشباب، وحتى مذكرات الأميرة الروسية كاترين داشكوف (1743– 1810). هذه الكتب الخمسة والعشرون، التي نشرت اللجنة أسماءها عبر الإنترنت أيضاً، تحيل إلى قرار رسمي صدر سابقاً يقضي بمنع «استيراد أي كتب من أراضي دولة مهاجمة»، في عبارة تدل صراحةً على روسيا. ومعروف أن الصراع ما زال قائماً منذ سنوات بين روسياوأوكرانيا، ففي عام 2014، وبعد استقالة الرئيس فيكتور يانوكوفيتش المؤيّد حصول تقارب مع موسكو، اجتاحت الأخيرة جزيرة القرم بهدف نشر الخوف في صلب الحكومة الجديدة التي لم تكن، في نظر روسيا، قانونيةً. وكان بيترو بوروشينكو، رئيس البلاد منذ السابع من حزيران (يونيو) 2014، قرر في سياق الأعمال الانتقامية الموجهة ضد الجارة الروسية، منع توزيع الكتب المستورَدة. وهذه خطوة سلبية جداً، تخفي نيّات مبيّتة وحقداً دفيناً. أما لائحة الكتب المحظورة، فجاءت لتضاف إلى الحظر العام، وكان من المنتظر أن تشمل مؤلّفات وضعها أدباء روس معروفون ومقرؤون في أوكرانيا بصفتهم ينتمون إلى راهن الثقافة المشتركة بين البلدين، بدءاً بالمؤرخ بوريس أكونين، ومروراً بالأميرة كاترين داشكوف، وبالأمير إستر إسبروفيتش أوختومسكي (1861– 1921). ويشمل الحظر كل المؤلفات ذات المضمون «المناهض للأوكرانيين»، وهذا مفهوم واسع النطاق، ويجعل الحظر يشمل أيضاً عدداً من الموسوعات التاريخية والجغرافية والمؤلفات التي يصدرها الكتاب الشباب الذين ينتمون إلى أجيال يشاركهم فيها كتاب أوكرانيون شباب يعبرون بالروسية أو بالأوكرانية. والمفاجئ أن اللائحة تضم كتاب «ستالينغراد» للمؤرخ البريطاني أنطوني بيفر، وفيه يروي المعركة الشهيرة على المدينة خلال الحرب العالميّة الثانية. ولفت سيرهي أوليينيك، رئيس اللجنة التي وضعت اللائحة، أنّ هذا الكتاب منع بسبب مقطع يروي خبر إعدام 90 طفلاً يهودياً على يد ميليشيات أوكرانية. وأوضح: «عندما تمحّصنا في المصادر التي استعملها المؤلف، اكتشفنا أنّه لجأ إلى تقارير المفوّضية الشعبية للشؤون الداخلية إن كي في دي التي كانت بمثابة وزارة للداخلية في الاتحاد السوفياتي»، مشيراً الى أنّ هذا المصدر «مناهض للأوكرانيين». وكان على خطوة المنع هذه أن تثير ردود فعل سلبية، فاستنكرت مثلاً هاليا كويناش، من «مجموعة خاركوف للدفاع عن حقوق الإنسان»، هذا الإجراء الحكومي، وأكدت أنه يتعارض مع الرغبة «في إثبات أننا في الشمال أكثر ديموقراطية بكثير من روسيا».