توقفت أم أيهم هذا العام عن مطالبة زوجها بتخصيص مبلغ من المال للدروس الخصوصية. فبعد سنوات من الإنفاق على هذا النوع من الدروس أتضح لها «أن الأثر الذي تتركه دروس التقوية في الصغار لا يصنع تفوقاً أصيلاً بل هو أشبه بالعقاقير المنشطة التي يتعاطاها الرياضيون خلال المباريات». ووفق أم أيهم، وهي معلمة للغة الانكليزية في إحدى مدارس مدينة عدن، فإن تعريف التفوق في حال اليمن يبدو شائكاً، خصوصاً في ظل الخلل في جهاز التعليم، وافتقار بيئة المدرسة والأسرة الى مقاييس واضحة تمكّن من وضع تحديد واقعي لمعنى التفوق. وتؤكد أن تجربة السنوات الماضية بيّنت لها بما لا يدع مجالاً للشك أن تفوّق ولديها في المدرسة لا يعكس تطوراً حقيقياً في قدراتهما العقلية، بل هو نتاج لطبيعة النظام التعليمي السائد. ويعاني نظام التعليم في اليمن مشاكل بنيوية مزمنة أبرزها شيوع التلقين، واعتماد تقنية الحفظ وتفشي الغشّ وبيع الشهادات واعتماد معايير غير علمية وغير موضوعية في الاختبارات وتقدير الدرجات. وكانت مشاركة تلاميذ يمنيين في مسابقات خارجية مثل المسابقة الدولية في مادتي العلوم والرياضيات كشفت عن ضعف كبير في مستوى المشاركين اليمنيين. وعلى رغم تنبّه الجهات المسؤولة لهذا الأمر، ما استدعى منها لاحقاً وضع تهيئة خاصة للتلاميذ المشاركين، إلاّ أن مثل هذا الإعداد لا يسري على جميع المدارس والتلاميذ، وما زالت مؤسسات التعليم تعمل في شكل لا يتوافق مع المعايير الدولية. وإذا ما اعتُبر البحث عن التفوق جزءاً من الطبيعة البشرية، إذ يندر أن توجد أسرة لا ترغب في أن يكون أبناؤها من المتفوقين، بيد أن العيب يأتي من الطريقة المتبعة في الحصول أو الوصول إلى هذا «التفوق»، فمن المشاكل التي تلازم نظام التعليم العام والجامعي على حد سواء هو أن كثيراً من التفوق لا يُبنى على أسس موضوعية. ومع شيوع الثقافة الاستهلاكية وانتشار مؤسسات التعليم الخاص تفاقم الوضع التعليمي في اليمن وازداد سوءاً. وبات التفوق مبنياً على أسس «واهية» لا صلة لها بقدرات الطالب. وأصبح المال وسيلة يسيرة للنجاح والتفوق. ومن اللافت أن الكثير من الأسر اليمنية لا تجد غضاضة في أن يحصل ابناؤها على درجات عالية حتى وإن علمت أن ذلك جاء من طريق غير مشروعة، كالمجاملة أو الرشى والهدايا. وتخشى أم أيهم أن يؤدي نمط التعليم الحالي إلى كبح الذكاء الطبيعي لدى الأطفال والناشئة. وبات شائعاً في الأوساط التربوية منح أبناء بعض الشخصيات النافذة ورجال المال المتبرعين لهذه المدرسة أو تلك، أو الذين يقدمون عطايا للإدارة والمدرسين درجات لا يستحقونها. وتفيد معلومات لم يتسنَ التأكد من صحتها من مصادر رسمية، أن زعيماً قبلياً طرد مدير المدرسة في منطقته على خلفية رسوب نجله في الاختبار. وتدفع ظروف الفقر ببعض الأسر، للسماح لأبنائها باتباع طرق غير مشروعة للحصول على الشهادة وتجنب الرسوب أو الحصول على معدل جيد. ويقول عثمان (55 عاماً) إنه سمح لنجله بترك المدينة والالتحاق بمدرسة القرية ليتمكن هناك من اختبار الثانوية العامة لأن اللجان الامتحانية في بعض القرى تسمح بالغش، الأمر الذي سيوفر لابنه معدلاً مناسباً يخوّله الالتحاق بالجامعة. ويحدث أحياناً أن تتسبب عاطفة المعلم ومزاجه في تحديد مصير التلاميذ سلباً أو إيجاباً. وتقول نادية، وهي مدربة في برنامج تأهيل المعلمين أثناء الخدمة، إن بعض التلامذة تتم معاقبتهم بسبب مشاغبتهم من قبل اساتذتهم، موضحة أن مثل هذا السلوك شائع بين المعلمين والمعلمات، و «يحدث لأسباب ذاتية تتعلق بالمزاج الشخصي كأن يمنح المعلم أو المعلمة تلميذاً أو أكثر درجة مبالغاً فيها أو يقوم بخفض درجته المستحقة بسبب أن هذا التلميذ أو التلميذة لا يروقه أو سبق وأحدث شغباً أو مشاكسة». وتمثّل أم أيهم نموذجاً نادراً لآباء وأمهات، يبحثون عن تفوق حقيقي لأبنائهم. التفوق بما هو متعة عقلية، لا يخضع لأهداف نفعية، وتؤكد انها اتفقت مع زميلاتها على تشكيل جماعة تطوعية تتولى إعطاء دروس للأبناء والبنات وفقاً لمعايير تنمّي قدراتهم على التفكير والابتكار وتؤهلهم لتفوق حقيقي مغاير «للنمط الشائع في مؤسساتنا التعليمية». وتوضح ان النموذج المتبع هو ان تعد المدارس طلاباً يعتمدون اساساً على معرفة التقنيات التي تجرى بها الاختبارات. وفي حال وضع معلم ما طريقة للاختبار مبتكرة ومختلفة عن السائد، فإن عورة النظام التعليمي سرعان ما تنكشف ويتهاوى الراسبون بالآلاف.