تحول التوتر الناجم عن رفض الرئيس اليمني علي عبدالله صالح توقيع اتفاق المبادرة الخليجية الى اشتباكات عنيفة بمختلف انواع الأسلحة في قلب صنعاء أمس، بين قوات الأمن ومسلحين قبليين يحرسون منزل الشيخ صادق عبدالله الاحمر، شيخ مشايخ قبيلة حاشد المؤيد للمعارضة، في الحصبة القريب من وسط العاصمة صنعاء، سرعان ما امتدت لتشمل الاحياء المجاورة مثيرة الذعر بين السكان. وافادت انباء ليلاً بأن ستة اشخاص على الاقل قتلوا ونحو 40 جرحوا في هذه الاشتباكات، بحسب حصيلة اولية. وقال شهود من سكان الاحياء التي شهدت المواجهات، ان اشتباكاً وقع أولاً بين شرطة النجدة وحراس منزل الاحمر، وان المسلحين القبليين تمكنوا لاحقاً من صد محاولة لاقتحام المنزل قامت بها تعزيزات من قوات الأمن أرسلت الى المكان. وامتد القتال الى المباني الحكومية المجاورة حيث دارت اشتباكات عنيفة مع عناصر الأمن التي تتولى حراستها أسفرت عن سيطرة قبائل حاشد على مبنى وزارة التموين ومحاصرة مبنى حزب «المؤتمر الشعبي العام» الحاكم، فيما تعرض مبنى وكالة الإنباء اليمنية الرسمية (سبأ) لقصف عنيف تسبب في جرح احد الصحافيين. كذلك طاولت الاشتباكات مبنى شركة الخطوط الجوية اليمنية وشركة طيران «السعيدة» الخاصة الذي شب فيه حريق ولم تتمكن سيارات الإطفاء من الوصول اليه بسبب عنف المواجهات. وفي حين اتهم مكتب الشيخ الأحمر قوات الأمن بالبدء في إطلاق النار باتجاه حراس منزله، قالت وزارة الداخلية ان مسلحين تابعين للأحمر فتحوا النار على رجال الشرطة. ولم تتوافر حصيلة رسمية للضحايا، على رغم تأكيد مصادر متطابقة في مكان الحادث ل «الحياة» سقوط عدد من القتلى والجرحى من الطرفين. وذكرت وكالة «فرانس برس» ان شخصين قتلا وجرح 25 آخرون. وأثارت الانتكاسة الامنية مخاوف من أن تكون مؤشراً الى بداية الحرب الاهلية والفوضى بعد يوم على الانتكاسة السياسية التي تمثلت في عدم توقيع الرئيس إتفاق المبادرة الخليجية وإعلان وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي تعليق المبادرة في اليمن بعد ساعات على مغادرة الأمين العام للمجلس عبد اللطيف الزياني صنعاء. لكن، وعلى رغم قرار التعليق، أعرب مجلس الوزراء السعودي أمس عن «أمله في ان يتم توقيع المبادرة من الأطراف جميعها في أقرب وقت ممكن، لضمان تنفيذ الاتفاق وتجاوز الأزمة التي يشهدها اليمن، والوصول إلى توافق شامل يحفظ له أمنه واستقراره ووحدته». وعلمت «الحياة» ان الشيخ ناجي بن عبدالعزيز الشايف، شيخ مشايخ قبيلة بكيل، كبرى القبائل اليمنية، اتصل هاتفياً قبل مغادرة الزياني باللواء علي محسن الأحمر قائد الفرقة الأولى المدرعة المنشق عن الجيش والمؤيد لثورة «شباب التغيير»، وطالبه التدخل لدى الوسطاء الخليجيين للتريث في اتخاذ أي موقف يؤدي الى انسحابهم من جهود الوساطة بين الفرقاء في اليمن بحيث تتاح فرصة جديدة لإنهاء عراقيل التوقيع من جانب الرئيس. وأكدت مصادر قريبة من الشيخ الشايف ل «الحياة» أنه دعا اللواء الأحمر إلى بذل محاولة مع قيادات المعارضة لإقناعهم بالحضور إلى القصر الجمهوري في مراسيم توقيع الرئيس على المبادرة لنزع فتيل الأزمة وإبعاد اليمن وشعبه عن مخاطر تداعياتها، وتكريماً للجهود الأخوية الخيرة والصادقة التي يبذلها الأشقاء في دول الخليج. وأشارت المصادر نفسها إلى أن الشايف أكد للواء الأحمر انه «في حال أظهر أي طرف حججاً جديدة بعد هذا فسنكون ضده ولن نبقى في موقع الحياد لان مصلحة اليمن فوق كل اعتبار». الى ذلك، قدمت الرئاسة اليمنية اعتذاراً رسمياً أمس لدولة الإمارات العربية المتحدة بسبب قيام مئات المتظاهرين المسلحين من مؤيدي الرئيس بمحاصرة مبنى السفارة الأحد اثناء تواجد الزياني وعدد من سفراء دول الخليج وسفراء غربيين فيه، وعبر مصدر مسؤول في مكتب رئاسة الجمهورية عن أسفه الشديد للتصرف غير المسؤول وغير المقبول. ولقي رفض الرئيس صالح توقيع المبادرة الخليجية تنديد الولاياتالمتحدةوفرنسا، وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الاميركية مارك تونر «نعتقد ان الفرصة لا تزال سانحة امام الرئيس صالح للتوقيع على هذه المبادرة». وأضاف «نحضه على التحرك وحل هذا الوضع» و «الخروج من المأزق». وكانت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون قالت في بيان مساء الاحد «ان الولاياتالمتحدة تشعر بخيبة امل شديدة ازاء رفض الرئيس صالح المستمر للتوقيع على مبادرة مجلس التعاون الخليجي». وأضافت: «انه يتنصل من التزاماته ويزدري بالتطلعات المشروعة للشعب اليمني». ولفتت الى ان صالح اصبح الآن الطرف الوحيد الذي يرفض قبول المبادرة، وقالت «نحضه على تنفيذ فوراً التزاماته المتكررة بنقل سلمي ومنظم للسلطة وضمان تلبية الرغبة المشروعة للشعب اليمني»، مضيفة: «لقد آن الاوان للتحرك». وفي باريس، قال الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية برنار فاليرو ان «هذا التحول الاخير غير مسؤول وعير مقبول». وأضاف: «الرئيس اليمني يتحمل بتراجعه عن التزامه مسؤولية هذا الفشل وتبعاته ازاء الشعب اليمني والاسرة الدولية». وأوضح فاليرو انه «في حال واصل الرئيس صالح عدم الوفاء بالتزاماته فإن فرنسا مستعدة لاستخلاص العبر، بالتنسيق مع الاتحاد الاوروبي وشركائها الاوروبيين»، من دون ان يحدد ماهية الاجراءات التي يمكن ان تتخذ.