تتزايد الضغوط الداخلية والخارجية على الرئيس اليمني علي عبد الله صالح لإقناعه بالتخلي عن السلطة وتجنيب اليمن مخاطر الانزلاق الى الحرب الأهلية والفوضى في ضوء استمرار الاشتباكات في العاصمة صنعاء بين قوات الأمن ومسلحين قبليين من أنصار المعارضة وارتفاع حصيلتها أمس الى 44 قتيلاً على الأقل وأكثر من مئة جريح. لكن صالح الذي يحكم اليمن منذ نحو 33 عاماً بدا أكثر تشدداً أمس، وقال في مقابلة مع وكالة «رويترز» إن اتفاق المبادرة الخليجية ما زال مطروحاً وإنه مستعد لتوقيعه في إطار حوار وطني وآلية واضحة وصحيحة. وأوضح أنه لن يقدم المزيد من التنازلات بعد اليوم، وإنه سيواجه بالقوة أي تهديد للاستقرار والأمن. وأكد أن اليمن لن يستدرج الى حرب أهلية على رغم الاشتباكات ولن يصبح دولة فاشلة أو صومالاً آخر، موضحاً أن الشعب اليمني لا يزال حريصاً على انتقال سلمي للسلطة. وعن الاشتباكات مع مسلحي الشيخ صادق الأحمر وقبائل حاشد، قال صالح إن ما حدث تصرف استفزازي لاستدراج البلاد الى حرب أهلية ولكن الأمر يقتصر على أبناء الأحمر الذين حملهم مسؤولية إراقة دماء مدنيين أبرياء. وكانت الاشتباكات تواصلت أمس بين الطرفين بعدما أدى قصف عنيف استهدف منزل الأحمر في حي الحصبة بصنعاء أول من أمس الى مقتل وجرح عدد من أعضاء لجنة الوساطة التي أصدرت بياناً حملت فيه الرئيس مسؤولية التصعيد العسكري وأعلنت «وقوفها الى جانب الشيخ الأحمر انطلاقاً من قناعة أعضائها بأن صالح هو من يحاول جر البلاد الى حرب أهلية للتملص من التزاماته التي تعهد بها للأطراف الإقليميين والدوليين بالتنحي عن السلطة بصورة سلمية من خلال المبادرة الخليجية التي رفض التوقيع عليها عدة مرات بحجج واهية». وفي السياق نفسه، دعت هيئة علماء اليمن في بيان على خلفية الاشتباكات أبناء الشعب اليمني الى «النزول في تظاهرات سلمية احتجاجية للتعبير عن رفض الحرب الأهلية» التي قال البيان إن «نظام صالح يسعى لإشعالها في البلاد»، معتبرة الدعوة والاستجابة لها «واجباً شرعياً». وخرجت أمس في صنعاء وعدد من المدن الأخرى مسيرات حاشدة نظمها «شباب ثورة التغيير» وأنصار المعارضة تأكيداً على سلمية الثورة ومشروعية مطالبتهم برحيل صالح فوراً، وردد المشاركون شعارات تعبر عن رفضهم الحرب الأهلية وتضامنهم مع الشيخ الأحمر. الى ذلك ارتفع عدد القتلى من أنصار الأحمر خلال ثلاثة أيام من المواجهات إلى 44 شخصاً وفقاً لإحصائية أولية، كما أصيب ما يقارب من 100 آخرين. وقالت مصادر طبية ل «الحياة» إن 14 جندياً على الأقل قتلوا في الاشتباكات وجرح 17 آخرون بالإضافة إلى عدد من المفقودين. وقتل أمس العميد الركن عبدالله مصلح من الفرقة الأولى المدرعة التابعة للواء المنشق علي محسن الأحمر. وقالت مصادر إنه قتل مع اثنين من مرافقيه في أحد شوارع صنعاء عندما اعترض مسلحون موكبه وأمطروه بالرصاص. وكان المسلحون القبليون استولوا خلال الليل على مبنى وكالة الأنباء اليمنية «سبأ» القريب، فيما هزت انفجارات قوية شارع مأرب وحي الحصبة طوال أمس، وسمع إطلاق نار كثيف استمر لساعات في مختلف الاتجاهات المجاورة لمواقع الاشتباكات. واستمر انقطاع التيار الكهربائي عن أجزاء كبيرة من العاصمة وشهدت شبكة الاتصالات تقطعاً في تغطيتها. وفرضت قوات تابعة للحرس الجمهوري طوقاً أمنياً حول العاصمة ونصبت، مدعومة بالعربات المدرعة، نقاط تفتيش على جميع مداخل العاصمة ومنافذ الطرق الرئيسة التي تربطها ببقية المناطق والمحافظات تحسباً لوصول مجموعات قبلية مسلحة الى العاصمة لمناصرة شيخ مشايخ قبائل حاشد. وكان الطرفان تبادلا الاتهامات، وحمّلت وزارة الداخلية في بيان «أولاد الأحمر والعصابات المسلحة التابعة لهم» المسؤولية الكاملة عمّا حصل، وفي المقابل أكد الشيخ صادق الأحمر في بيان أن نظام صالح يحاول «تفجير الأوضاع الداخلية وإشعال الفتنة والحرب الأهلية بين أبناء اليمن، للتملص من الاستحقاقات الوطنية التي فرضتها الثورة الشعبية السلمية، بعدما قضت إلى الأبد على الاستبداد ومصادره وعلى ملف التوريث».