تزايدت أمس الضغوط الدولية على الخرطوم لسحب قواتها من منطقة ابيي المتنازع عليها بين شمال السودان وجنوبه، بعد يومين من بسط سيطرتها على المنطقة، سعياً إلى تقوية موقفها التفاوضي في ترتيبات أمنية جديدة لإدارة المنطقة وأي تسوية في شأن مستقبلها. وعُلم أن الخرطوم تلقت تحذيرات أميركية وأوروبية من أن التراخي في الانسحاب من أبيي سيضر بعلاقاتها مع الغرب ويهدد بوقف خطوات التطبيع والتعاون وقطف ثمار السلام. ودعت واشنطن أمس إلى انسحاب فوري. وقال المبعوث الرئاسي الأميركي إلى السودان برينستون ليمان إن بلاده ستجد من الصعب رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب إذا واصل الشمال «احتلال» أبيي بدل التفاوض مع الجنوب في شأن مستقبلها. ويرى مراقبون أن تصاعد المواجهات العسكرية ومحاولة أي طرف سوداني فرض موقف منفرد في ابيي سيدفع المجتمع الدولي إلى فرض وصاية دولية على المنطقة وميلاد «كشمير افريقية». وقالت مصادر مطلعة ل «الحياة» إن «القيادة السودانية أبلغت مسؤولين غربيين عبر اتصالات غير مباشرة أنها لا ترغب في استمرار قواتها في ابيي، لكنها تسعى الى ترتيبات أمنية جديدة لإدارة المنطقة بطريقة متكافئة بين الشمال والجنوب إلى حين التوصل إلى تسوية في شأن مستقبلها بعدما تعذر إجراء الاستفتاء على مصيرها». ولامت الخرطوم البعثة الدولية لحفظ السلام ووصفتها بأنها «سلبية ومنحازة، وتدرك أن الجيش الجنوبي في زي شرطة ظل يسيطر على ابيي منذ كانون الأول (ديسمبر) الماضي ولم تمارس ضغوطاً على الجنوب». وأفادت معلومات أن طرفي السلام «حزب المؤتمر الوطني» الحاكم في الشمال و «الحركة الشعبية لتحرير السودان» الحاكمة في الجنوب اتخذا منذ كانون الثاني (يناير) الماضي ترتيبات أمنية وعسكرية تحسباً لأي خطوة في أبيي بعد إرجاء الاستفتاء على مستقبل المنطقة، كما واجه الطرفان ضغوطاً من القبيلتين الأساسيتين في المنطقة، وهما المسيرية العربية ودينكا نقوك الأفريقية، لمنع تقديم تنازلات وفرض أمر واقع على الأرض لمصلحة كل منهما. ويخشى أبناء دينكا نقوك في «الحركة الشعبية»، وبينهم قيادات متنفذة في الحكومة والجيش الجنوبي، من أن يدير الجنوب ظهره لهم ويتجاهل قضية منطقتهم عقب استقلال الإقليم في تموز (يوليو) المقبل، وأن يظل مستقبلهم عالقاً ويفقدون مناصب قيادية يحظون بها في الجنوب ويتحول النزاع على ابيي إلى صراع بين دولتين ويطول أمده. في المقابل، ترى قبيلة المسيرية أن «حزب المؤتمر الوطني» الحاكم قدم تنازلات في اتفاق السلام في شأن أبيي باعتبارها شمالية ويحظون فيها بحقوق تاريخية يخشون ضياعها، ما يهدد ماشيتهم ومراعيهم، كما منعهم من القتال بصورة منفردة. وزاد موقف القبيلة في انتخابات حاكم ولاية جنوب كردفان الضغط على الحزب الحاكم، إذ صوت عدد محدود من المسيرية لمرشح الحزب أحمد هارون الذي فاز بفارق ضئيل عن مرشح «الحركة الشعبية» عبدالعزيز الحلو، ما اعتبرته الخرطوم إنذاراً بخسارة تأييد القبيلة التي قاتلت إلى جانب الجيش الشمالي في الحرب الأهلية. ولا يتوقع أن تؤثر الأوضاع في ابيي على خطوات فك الارتباط بين الشمال والجنوب وترتيبات انفصال الجنوب، إذ انتهت محادثات جرت في أديس أبابا بين طرفي السلام بالاتفاق على ملكية حقول النفط وأنابيب نقله، على أن تكون الأولى ملكاً حراً للدولة الجديدة في الجنوب، والثانية للشمال، كما اتفقا مبدئياً على ان يعمل البنك المركزي في الشمال والجنوب معاً على تقديم عملة جديدة لشعب الجنوب. وكانت «الحياة» علمت أن وفد مجلس الأمن الموجود في السودان ألغى رحلة كانت مقررة لأعضائه الى أبيي بعد تعرض مقر بعثة الأممالمتحدة لحفظ السلام إلى قصف خلال اليومين الماضيين. وقال ديبلوماسي مطلع إن المجلس قرر التوجه الى مدينة واو الجنوبية شمال غرب جوبا بدلاً من أبيي. ودانت الأممالمتحدة تجدد العمليات العسكرية في المنطقة، محذرة من أنها «تهدد بالعودة إلى الحرب».