أطفأ مهرجان موازين المغربي الدولي شمعته العاشرة أول من أمس، في حين شنّ مناهضون له حملة واسعة لإلغائه. ومنذ ثلاثة شهور، رفع عشرات الآلاف من المتظاهرين خرجوا إلى شوارع المغرب شعارات تنادي بإصلاحات شاملة في البلاد في سياق ثورة الشعوب العربية، ومن جملتها إلغاء مهرجان «موازين» المقام سنوياً في العاصمة الرباط بميزانية ضخمة يعتبرها المحتجون تبذيراً وترفاً أمام أوليات مكافحة الفقر والبطالة وتأهيل بنى البلاد في قطاعات شتى، وعنواناً للاستبداد السياسي والثقافي والفساد المالي. ويقود الحملة شباب من «حركة 20 فبراير» الداعية إلى التغيير وإرساء سلطة الشعب انطلاقاً من موقع «فايسبوك» على صفحة تجاوز عدد أعضائها الآن 33 ألفاً. وهدفهم المباشر إلغاء مهرجان موازين الدولي، ليس لأنه الأضخم (نحو 8 ملايين دولار) «ولا حاجة إليه» فحسب، بل لأن المشرف عليه وهو أحد مستشاري العاهل المغربي، رُفعت صوره في التظاهرات باعتباره رمزاً من رموز تداخل نفوذ السلطة والمال. فطالب المتظاهرون بمحاسبته وتنحيته من الحياة العامة. ويعد موازين أهم المهرجانات الدولية في المغرب والأكبر على المستوى الوطني من الناحية التنظيمية والمالية والجماهيرية، ويحظى برعاية العاهل المغربي، على غرار العديد من التظاهرات الكبرى في البلد. ويستقبل موازين أكثر من 1500 نجم عالمي وفرقاً موسيقية من القارات الخمس، يقيمون نحو مئة حفلة يومياً خلال الأيام العشرة الأخيرة من أيار (مايو)، يتابعها نحو مليوني شخص وفق المنظمين، فضلاً عن مسابقات في المدن تجريها اللجنة المنظمة في نيسان (أبريل) لاختيار الفرق الشبابية للمشاركة في سهراتها. وبلغ التصعيد أوجه خلال الفترة القصيرة الماضية بين المناهضين والمنظمين والسلطات العمومية، بقيام المتظاهرين بوقفات سلمية أمام مقر البرلمان ومنصات المهرجان المقامة في عدد من أحياء العاصمة ومقر الجمعية (مغرب الثقافات)، عرفت بعضها تدخل الأمن بالقوة لتفريق المتظاهرين. كما حصلت عملية «تبرئة ذمة» واسعة من المهرجان، شملت تصريحات إعلامية لوزارة الثقافة ومجلس بلدية العاصمة. وسربت معلومات على صفحة الحملة وفي بعض وسائل الإعلام المكتوبة والإلكترونية، عن المبالغ الخيالية التي يتقاضاها الفنانون، وسط أرقام متناقضة يسوقها المنظمون والمناهضون عن الميزانية الحقيقية للمهرجان ومصادر التمويل وطرقها، فضلاً عن أخبار تفيد بأن التمويل يجري بطرق غير قانونية، سندها استخدام النفوذ الذي يحظى به رجل القصر ورئيس الجمعية المنظمة. وفيما انتشر في وقت سابق، أمل يرجّح إلغاء المهرجان، فقد افتتح بحفلة للفنانة السورية ميادة الحناوي. ولم يرافق الافتتاح أي اعتراض يذكر، كما لم يعتذر أي فنان مدعوّ إليه. بيد أن آخر مسمار دق في نعش أمل الإلغاء هو إعلان المنظمين قبل أيام عن تمديد عمر المهرجان (20 إلى 28 الجاري) يوماً واحداً لتنظيم مهرجان مصغر في مدينة مراكش في الساحة الرئيسة (جامع الفنا) التي شهدت أخيراً عملية تفجير إرهابية خلفت قتلى وجرحى، «لبعث رسالة سلام وتسامح ودعم عاصمة السياحة المغربية». ويرتقب تسجيل ملحمة غنائية من أجل السلام بمشاركة فنانين عرب، مثل كارول سماحة وجنات وأنغام وكاظم الساهر وعمرو دياب وحسين الجسمي وراشد الماجد. ورأى متتبعون أن المنظمين، بدل أن تدفعهم ظرفية الحراك السياسي الداخلي والإقليمي وهجوم مراكش الإرهابي إلى إرجاء نشاطهم حتى تهدأ الأمور أو إلغاء دورة السنة الجارية، على غرار ما أقدمت عليه بعض المهرجانات المحلية، أصروا على موعدهم، للرد على من يتهمهم بوجودهم خارج السياق الثقافي والسياسي للبلاد. ويعتبر رعاة موازين المهرجان بمثابة دعم لسياسة السلام والتسامح وموقف البلد من الإرهاب، بما فيه الإرهاب الفكري والثقافي الذي يعتقدون أن المهرجان ضحيته. وكان موازين في سنوات سابقة تعرض لحملة قوية ضده من قبل الإسلاميين بوصفه مدعاة للفاحشة والفتنة والتبذير، لكن الحملة أفلت، حتى إنها لم تجد لها موطئ قدم ثابتاً في الحملة القائمة الآن، لأن المنادين بإلغاء موازين لا يناهضون مبدأ النشاطات الفنية والثقافية، لكنهم يطالبون باحترام أولويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتشجيع الثقافة الهادفة غير الهجينة. وروج المنظمون معطيات اقتصادية عن أرقام الرواج السياحي لتبرير جدوى المهرجان ونجاحه في «خلق نموذج اقتصادي» قائم على توفير فضاءات للمتابعة المجانية ضمنها أخرى مقابل بدل مالي. وقالوا إن العاصمة غير المصنفة وجهة سياحية انتعشت سياحياً بزيادة نسبة 14 في المئة خلال السنتين الأخيرتين بفضل إقبال الجمهور على سهرات موازين. وعن جدواه الثقافية والفنية، قال المنظمون إن المهرجان كان وراء ولادة 12 إبداعاً موسيقياً جديداً على المنصة الغنائية العالمية، وأنه كان إيجابياً بالنسبة لتسويق الأغنية المغربية على المستوى العربي، وأن جمهوره العام بلغ خلال عقد واحد 70 مليون مشاهد تابعوا عروضه التي كتب عنها في الصحافة المحلية والأجنبية حوالى 6000 متابعة إعلامية. ولا يزال الجدل ساخناً والمراهنة قائمة على إلغاء المهرجان، أو على الأقل التشويش على فعالياته، وسط قلق المنظمين والسلطات من اندلاع مواجهات، أو تعكير أجواء الاحتفال بالدورة التي ستختتم بحفلة غنائية للكولومبية شاكيرا التي برزت أكثر من غيرها في حملة الرافضين، على خلفية تقاضيها أعلى مبلغ مالي عن المشاركة... ورقصتها المميزة بالطبع.