حسم آلاف الشباب المغاربة أخيراً موقفهم من مسألة الترفيه الفني، وقالوا إن أولوياتهم الآن هي» محاربة الفساد وتبذير المال العام وصرفه في البنية التحتية للبلد وتعزيز الخدمات الأساسية للتخفيف من نسب البطالة بالمغرب وتوظيف حَمَلة الشهادات العاطلين من العمل، وأعدادهم بالآلاف». ويقود هؤلاء الشباب حملتهم عبر موقع «فايسبوك»، وهدفهم المباشر إلغاء مهرجان «موازين» الدولي الذي ينظم في العاصمة الرباط في أيار (مايو) المقبل، على أن تواصل الحملة قضيتها لإلغاء جل المهرجانات في البلد، وعددها بالمئات موزعة على المناطق كافة. واستقطبت صفحة «الحملة الوطنية للمطالبة بإلغاء مهرجان موازين» ما يزيد عن 15 ألف عضو حتى الآن. وكان مطلب وقف تبذير المال العام في النشاطات والمشاريع الشكلية والثانوية ومحاسبة المسؤولين عنها رُفع خلال مسيرات 20 شباط (فبراير) ومسيرات 20 آذار (مارس) الماضيين التي شهدها المغرب، إثر انطلاقها من المواقع الاجتماعية، بعشرات الآلاف في أكثر من 50 مدينة، للمطالبة بالتغيير وإعطاء الكلمة للشعب في الإصلاحات الديموقراطية. ويطالب أصحاب الحملة بتحويل موازنة مهرجان موازين، وقيمتها تجاوزت 3 ملايين دولار هذه الدورة، وموازنات جل المهرجانات المبرمجة خلال السنة الجارية، لإنجاز مشاريع استثمارية تنموية، ذات أثر مباشر وملموس على حياة المواطنين. وتشرف جمعية «مغرب الثقافات» الثقافية على مهرجان موازين السنوي الذي انطلق عام 2001، ويرأسها أحد مستشاري العاهل المغربي. وكانت صور هذا المستشار وصور مستشارين آخرين، رفعت خلال المسيرات التي طالبت برحيلهم، ووقف تدخلهم في تدبير الشأن العام، «لأنهم يمثلون مظهراً من المظاهر المرفوضة لتداخل السلطة والمال في الحياة العامة». ويعد «موازين» أهم المهرجانات الدولية في المغرب والأكبر على المستوى الوطني من الناحية التنظيمية والمالية والجماهيرية. ويستقبل نجوماً عالميين وفرقاً موسيقية يصل عددها إلى 1500 من عشرات البلدان، يقيمون حفلات يومية تقارب المئة خلال الأيام العشرة الأخيرة من شهر أيار، فضلاً عن مسابقات في المدن تجريها اللجنة المنظمة لاختيار الفرق الشبابية للمشاركة في سهراتها، ويتابعه نحو مليوني شخص وفق المنظمين. ويقول إدريس عمراني، وهو عضو في الحملة: «يقال إن المغرب دولة فقيرة، وإذا نظرنا إلى طريقة عيش مسؤوليه وإلى ما ينظمونه من مهرجانات نجد أنه يقارن بأغنى الدول، بل إن مسؤوليه يعيشون أفضل من مسؤولي بقية الدول. فإذا كان المغرب دولة فقيرة دعونا من «موازين» ومن التهافت على تنظيم كأس العالم وغيره. وإذا كان دولة غنية، فينبغي أن يظهر أثر ذلك على كل فئات الشعب». ويؤكد مناهضو مهرجان موازين في صفحتهم أن «الترفيه، وإن كان في شكله الإيجابي، ليس أولوية، فكيف إذا كان هذا الترفيه لا يجر إلا الكوارث والمآسي على الوطن والمواطنين»، في إشارة إلى مقتل 11 متفرجاً وإصابة عشرات الجرحى في نسخة 2009 إثر تدافع وقع بعد انتهاء حفل فني، لكن أيضاً لتزامنه مع فترة الامتحانات وتنظيمه في مواقع آهلة بالسكان في العاصمة، من دون الأخذ في الاعتبار أن جمهوراً عريضاً لحفلاته يتشكل من التلاميذ والطلاب. وتقول وفاء سوير على صفحة الحملة في انتقاد استنكاري لم تحتج فيه إلى عبارات طويلة ولا هجومية: «سألتهم متى يبدأ مهرجان موازين؟ فقالوا يوم يبدأ الاستعداد لامتحانات البكلوريا». ورُفع مطلب إلغاء مهرجان موازين بالذات قبل انطلاق ثورة شباب «فايسبوك» العربية والمغربية بكثير، على أساس أخلاقي وديني أيضاً. وكان أكبر منتقديه حزب إسلامي في المعارضة الحالية، في ما اعتبر حينذاك صراعاً أيديولوجياً بين اليساريين والإسلاميين. لكن انتقادات هذا الحزب، وقاعدته الشعبية واسعة، خفتت بمرور الوقت، أمام الإقبال الجماهيري على المهرجان، إلى أن بلغ مجرد المطالبة بإلغاء مشاركة بعض الأسماء العالمية، من قبيل المغني البريطاني ألتون جون في النسخة الأخيرة. وأودع الحزب طلباً لدى البرلمان لم يُستجب له، يدعو فيه إلى منع مشاركة هذا المغني، على أساس «واجب مراعاة صورته السلبية لدى المجتمع المغربي». ومثل هذه الانتقادات ذات السند الأخلاقي والديني التي تعتبر المهرجان «مدعاة للفاحشة والانحلال» ليست غائبة في منشورات أعضاء الصفحة. ويقول آخر تعليق لإبراهيم أوباكا: «لسنا ضد المهرجانات، لكن الهادف منها، وليس التي تشجع على التفسخ الأخلاقي». ويطلق شباب «الحملة الوطنية للمطالبة بإلغاء مهرجان موازين» ثورتهم من قطاع الثقافة والفن «كجزء من المساعي الشعبية لإسقاط الفساد بكل تجلياته، على أمل أن تلقى صدى لدى صناع القرار في المغرب». ويُتداول على نطاق واسع في الوقت الحالي نبأ إلغاء المهرجان هذه السنة، في حين يواصل المنظمون نشاطاتهم التحضيرية، وآخرها الإعلان يوم 30 آذار (مارس) عن اختيار 15 مجموعة موسيقية شبابية شاركت أخيراً في أغادير في نهائيات «جيل موازين»، وتحديد 9 نيسان (أبريل) موعداً لإعلان نتائج مجموع النهائيات الجهوية في مراكش.