قرب الكورنيش الجنوبي ل«العروس»، تقع الخمرة التي أصبحت تحظى بشهرة واسعة ليس لكونها تحوي أكبر تجمع اصطناعي أو مستودعات تضم في داخلها بضائع متنوعة تقدر بملايين الريالات، بل لأنها أصبحت وكراً للمخالفات بأنواعها كافة، بدءاً من إيواء مخالفي أنظمة الإقامة والعمل وليس انتهاء بجرائم وقضايا جنائية وحوادث حرائق تشهدها بين الحين والآخر، أضحت تشكل مصدر قلق أمني استدعى تحركاً رسمياً لتطهيرها. وفي المنطقة الواقعة أقصى جنوبجدة، استنزفت الحرائق المستمرة طاقات وإمكانات الدفاع المدني المادية والبشرية، أبطالها في غالبيتها عمالة مخالفة تنفذها إما لأسباب انتقامية أو لأغراض تجارية من خلال حرق النفايات والإطارات لاستخراج بعض المواد التي يعاد بيعها مثل النحاس، في الوقت الذي لا تسلم من خطر هذه الحرائق بعض المستودعات المجاورة والقريبة التي تتكبد نتيجتها خسائر تقدر بملايين الريالات. وفي الجانب المقابل، اُستغلت عدد من الأحواش المقامة بطرق غير نظامية في تجميع وبيع وشراء المسروقات، كشفتها عدد من الحملات الأمنية التي نفذتها شرطة المحافظة الساحلية وأطاحت بمتورطين في قضايا جنائية. ويتواصل مد الفواجع المخبأة في المنطقة النائية عن أعين المراقبة، إذ رصدت عدسة «الحياة» خلال جولتها في منطقة المستودعات وباء غريباً بدأ ظاهراً على عدد من الكلاب الضالة التي بدأت أجسامها أشبه بالمحروقة أو المصابة ب«الجرب» ما يؤكد حملها أمراضاً خطرة تنتقل إلى الإنسان. وفي الطريق إلى المنطقة المعنية (الخمرة)، تطل الأنظار على العيان سوقاً سوداء، أبطالها مجموعات من جنسيات أفريقية وبنغالية بدءاً من بعد صلاة الفجر يومي الخميس والجمعة حتى وقت الظهيرة على امتداد الأرصفة وسط «حراج الصواريخ»، تعرض خلالها أنواع الملابس المستعملة كافة والمواد الغذائية من الأرز وحليب الأطفال والحلويات ومستحضرات التجميل من المواد المقلدة والمنتهية الصلاحية التي تهدد حياة مستهلكيها ممن يبحثون عن منتجات بأسعار رخيصة تفتقر لأبسط قواعد الصحة والسلامة، يمارس البيع فيها أفريقيات وعمالة بنغالية مخالفين لنظام الإقامة والعمل في البلاد. وكشف مدير شرطة محافظة جدة اللواء علي بن محمد السعدي الغامدي درس إدارته إنشاء مخفر شرطة جديد في الخمرة عقب زيادة الحالات الجنائية التي تم ضبطها خلال الفترة الماضية، وقال ل«الحياة»: «إننا نبذل قصارى جهدنا في تعقب مخالفي أنظمة الإقامة في تلك المنطقة من الباعة الجائلين والعاملين في بعض المستودعات والأحواش ومن يعكفون على جمع المخلفات وحرقها، من خلال حملات ميدانية مكثفة تنفذ وفق خطة للخمرة خصوصاً الأحواش والساحات التي تجمع وتباع فيها المخلفات و«السكراب» وتستغل من بعض ضعاف النفوس في تجميع المسروقات، غير تلك التي تعمل عليها الدوريات الأمنية الموجودة في المنطقة التي تضطلع بعملها على مدار الساعة». ولفت إلى توقف موقت أحياناً في ضبط المخالفين نتيجة عدم توافر أماكن للأعداد المضبوطة في إدارة الترحيل نتيجة وجود أعداد كبيرة فيها «إلا أن هذه الفترة قصيرة ويستأنف ضبط المخالفين فور توافر إماكن لتسلمهم» . وأضاف اللواء الغامدي أن الحملات تتم بالتنسيق مع عدد من الجهات ذات العلاقة وفي أوقات مختلفة (مثل منتصف الليل وفي ساعات الصباح الأولى) في شكل مفاجئ إذ تتولى كل جهة مشاركة تسلم ما يخصها من قضايا ومخالفات، فيما يتم إحالة المتورطين في قضايا جنائية لأقسام الشرط للتحقيق معهم. بدوره، أبدى مدير إدارة الدفاع المدني في محافظة جدة العميد عبدالله بن حسن جداوي في حديثه إلى «الحياة» مخاوفه مما تشكله منطقة الخمرة من قلق للدفاع المدني، مفيداً بأنها تستنزف جهود رجال الدفاع المدني وآلياته خلاف النقطة المهمة وهي التأثير البيئي نتيجة الحرائق الدائمة خصوصاً النفايات التي تظهر تأثيراتها على المدى البعيد نتيجة تشبع أراضي تلك المناطق بالمياه، ملمحاً إلى أن العمالة المخالفة في المنطقة تعد مشكلة للجهات الأمنية كافة ومنها الدفاع المدني، ممثلاً بحريق مصنع الزيوت قبل نحو شهر وواجه فيه رجال الدفاع المدني عوائق للوصول للموقع نتيجة الوضع العشوائي والطرق المغلقة التي توصل له، كما أن هناك منطقة تسمى «القرينية» جنوب الخمرة تكثر فيها الأحواش العشوائية، تُنتج فيها «الطبليات» الخشبية وتأجير الآليات وتعد أحواشاً سائبة غير معروف ملاكها تشهد الكثير من الحرائق بعضها مفتعلة نتيجة خلافات بين العمالة.