دعت القمة التشاورية لمجلس التعاون الخليجي، في خطوة مفاجئة، المغرب إلى الانضمام إلى المجلس، ووافقت على طلب عضوية الأردن، ويجب في هذا الإطار، أن نتذكّر المعطيات التالية: أولاً، أن مجلس التعاون تأسّس في بداية ثمانينات القرن الماضي من أجل تحقيق اندماج اقتصادي وأمني لدول الخليج الست استناداً إلى مرتكزات تاريخية وجغرافية وثقافية. ومرّ المجلس بمراحل التدرج الطبيعي لأي اندماج إقليمي، فانتقل من منطقة للتجارة الحرة عام 1983 إلى اتحاد جمركي عام 2003، ثم إلى سوق مشتركة عام 2008. وانطلقت المشاورات داخل المجلس قبل سنوات بهدف إقامة وحدة نقدية مشتركة على غرار منطقة اليورو في أوروبا. فكيف يمكن إذاً منح صفة العضوية في شكل مباشر إلى المغرب والأردن؟ صحيح أن المفاوضات قائمة، لكن ثمة أيضاً وعداً واضحاً بالحصول على العضوية. ثانياً، لطالما كان مجلس التعاون حذراً ومتحفّظاً في تعامله مع أي طلبات لتعميق اندماجه مع دول أخرى في المنطقة، إذ رفض طلب عضوية اليمن الذي يُشكّل الامتداد الطبيعي والعمق الاستراتيجي لدول الخليج. كذلك اكتفى بإطار مرن في تجربة التعاون الاقتصادي والأمني مع سورية ومصر بعد حرب الخليج عام 1991، في ما كان يُعرَف بدول 6 + 2. ويبذل الأردن، الذي يرحب المجلس بانضمامه اليوم، جهوداً كبيرة منذ نحو عقد من أجل إبرام اتفاق للتبادل الحر مع مجلس التعاون، لكن الخطوة واجهت عراقيل ولم تصل إلى نتيجة. ثالثاً، ما هي تبعات هذه العضوية بين دول نفطية يتراوح دخلها الفردي السنوي ما بين 17 ألف دولار (السعودية) وأكثر من 70 ألفاً (قطر)، وبين دولتين لا يتجاوز دخل الفرد فيهما أربعة آلاف دولار؟ صحيح أن فائض الحسابات الجارية الخارجية لدول مجلس التعاون يُتوقّع أن يتضاعف خلال هذه السنة، مقارنةً به العام الماضي، ليتجاوز عتبة 300 بليون دولار، إلا أن الوضعية المالية المريحة قد تتغيّر في ظل تقلبات أسعار النفط، واستمرار ارتفاع أسعار السلع الغذائية، وتزايد المطالب الاجتماعية، وضعف التنوّع الاقتصادي. قد يكون ممكناً إيجاد بعض المنطق الاقتصادي لعضوية الأردن في مجلس التعاون لاعتبارات أهمها، أولاً، القرب الجغرافي، على اعتبار أن للأردن حدوداً مشتركةً مع السعودية، أكبر دول المجلس وأهمها، وثانياً، مستوى الاندماج الاقتصادي، ذلك أن الاقتصاد الأردني مرتبط في شكل وثيق بدول الخليج من حيث التعاملات التجارية والمالية، وحركة اليد العاملة، وثالثاً، حجم السكان، إذ يسهل نسبياً استيعاب عضوية الأردن الذي لا يتجاوز عدد سكانه ستة ملايين شخص، داخل مجلس التعاون الذي يبلغ عدد سكان دوله نحو 40 مليون شخص. بيد أن المغرب يشكّل حالة مختلفة تماماً. فهو يقع، جغرافياً، في أقصى غرب العالم العربي، وعلاقاته الاقتصادية ضعيفة بدول الخليج إذا استثنينا الاستثمار في بعض المجالات، إذ أن 60 في المئة من صادراته، و80 في المئة من إيرادات قطاعه السياحي، و90 في المئة من تحويلات مهاجريه، تتمُّ مع الاتحاد الأوروبي. وخلافاً للأردن، يتجاوز عدد سكان المغرب 32 مليون شخص، ما يؤهلّه، في حال انضمامه، لأن يصبح أكبر بلدان المجلس من حيث عدد السكان. ويختلف العقد الاجتماعي في المغرب تماماً عما هو عليه في دول الخليج. ولعل أبرز مجال لهذا الاختلاف يكمن في أن الإيرادات الحكومية في المغرب مصدرها الضرائب التي تمثّل ما يقارب ربع الناتج الإجمالي للبلد، في حين تشكّل إيرادات النفط أهم مصدر لتمويل النفقات الحكومية في دول الخليج، فيما لا تمثّل الاقتطاعات الضريبية المباشرة وغير المباشرة إلا جزءاً ضئيلاً. معروف أن المغرب يرتبط بعدد من اتفاقات التبادل الحرّ مع الاتحاد الأوروبي ومع الولاياتالمتحدة، وقد يشكّل موقعه الجغرافي وإمكاناته في المجال الزراعي والبشري عوامل محفّزة لاندماج اقتصادي متقدّم مع دول الخليج، إلا أن الاستفادة من هذا كله لا تتطلب بالضرورة عضوية مجلس التعاون. وربما تعمدت وزارة الخارجية المغربية، في ردها على دعوة الانضمام، التشديد على تشبّث المغرب ببناء اتحاد المغرب العربي، وعلى استعداده للقيام بمشاورات من أجل وضع إطار التعاون الأمثل مع مجلس التعاون من دون الإشارة إلى الانضمام. ومن نافل القول إن إمكانات دول المجلس تسمح لها بأن تساهم في شكل كبير في عملية الانتقال الاقتصادي والتنموي في مصر وتونس واليمن وباقي الدول العربية. * باحث مقيم في «مركز كارنيغي» - بيروت