مللت حياتي كزبونة، الطبيب يعاينني كزبونة والبقال كزبونة والمعلم يدرسني كزبونة والكاتب يكتب لي كما الزبونة، وقليلاً ستنظر لي أمي وتقول في سرها: مشروع زبونة، فمن سينظر لي مرة كإنسانة؟ صدقاً يا جماعة، متى سأصبح في نظرهم مجرد إنسانة؟ شيئاً لله فقط، حباً في الله، عطاءً في الله. أبداً لا يوجد يا صديقي، وإن وجد فبعطاء مشروط، وكأنه أخذ منك وما أعطاك. إذا كان الطبيب يركب لك الوسواس بفحوصات لا تنتهي حتى أنك تتمنى أن تقول له خذ ما شئت، لكن اتركني في حالي يا دكتور، ولن يتركك حتى آخر حبة من الدواء، ومحاسب المدرسة خبير مطلع في خبايا قلوب الأمهات وجيوب الآباء، حتى الكوافيرة لا تعفيني، أدخل عندها لأقص شعري فلا تخرجني إلا وقد سرحته لي ولونته وقلمت أظافري وحواجبي وقليلاً وتصبح دكتورة، فهي تصر على إعطائي حقنة الحيوية والشباب. أما الهدمة فقد تحولت إلى بهرجة متواصلة على مدار السنة، وهم يغروني لأشتري المزيد. أينما وليت وجهي صرت زبونة، وبعض الوقت، صديقتي سترى لها طريقة ظريفة لكيفية الاستفادة مني، وإلا ما فائدتي لتصادقني؟ وقريباً قد أزور أقربائي لأطمئن عليهم، وقد أجد أنهم أخرجوا لي قائمة المشروبات والأطعمة، مع إضافة عشرة بالمائة خدمة، وسأدفع جزية جرّاء تفكيري بالاطمئنان عليهم. إيييييه دنياً تغيرت وسنمشي يوما ما ونقول: شيء لله يا محسنين، كلمة حلوة لله ولو جبر خاطر، ولا تلو شفتيك استهجاناً مني وتقول عني في سرك امرأة شكاكة... لا يا عزيزي، كل ما في الأمر أن هذا ما يحصل معي، وقد تغيرت أنا التي كانت بريئة إلى إنسانة خائفة ومرتبكة من كل شيء، ولا تصدق أي شيء مما يجري في كل الساحات. خذ الساحة الأدبية ستجدها من دون أدب وهي تنتظر الزبائن لا العقول، والساحة الفكرية كذلك من دون فكر، والساحة السياسية من دون أخلاق، وعلى أي صعيد ستجد تنظيرات وتفجيرات ومحاضرات وخلافات وتصفيات وعناق وقُبل وزيارات، وكله على حسابي أنا الزبونة. يا أخي شوف لك زبائن غيري، أنا أحلم بالحب والنزهات وأعطش شوقاً إلى الغيوم وزخات المطر، وأن أمشي وأنا أغني. أتصدق هذه الأمنيات صرت أخاف منها كذلك؟ أخاف المطر حتى لا يتسبب بكارثة، وأخاف أن أغني أيضاً لئلا اتهم بالأغاني، ولئلا أختار أغنية من هذا الزمن الرديء، فكلما حن قلبي إلى أغنية عدت بألبومي إلى الماضي حينما لم يكن ينظر الشاعر إلى المطرب كزبون، والمطرب إلى الملحن كزبون، وفي المحصلة النهائية كانوا يقدمون فناً للبشرية، لا طعمية للزبائن، وفي كل مرة يشكرونني ويطلبون مني أن أصفق وأن ابتسم. سهل التصفيق، أصفق لكن ابتسم! لا صعبة. ابتسموا أنتم أولاً، ثم أطلبوا مني أن ابتسم. هيا أروني ابتسامتكم، وزعوها بالمجان! يا أيها الممرضة العابسة، ويا أيتها المعلمة العصبية ويا أيها البائع القالب خلقته، ويا أيها الكاتب ثقيل الدم ويا أيها النادل الكسول، ويا أيها الزوج العبوس ويا أيها السائق المجنون، ابتسموا قبلي. ألست أنا الزبونة؟! هيا ابتسموا لي، لأني أنا بصراحة لم أعد أعرف كيف أبتسم وأنا مقابلتكم، علموني كيف يبتسم المرء في هذا العصر وأنتم تعصرونه عصراً! أيبتسم من البطن أم من الخاصرة؟ يا سلام، لما كانوا يقولوا طقطقت خواصره من الضحك! هلق بتطق طق زلاعيمه من البكاء وما حد يسأل عليه. نسأل على الزبائن فقط وخاطرنا عندهم، ومن يجبر خاطرك؟ ومن يضمك غير مخدتك؟ شو بقى من الناس، ومن بقى لم أتذكره؟ لربما شي مقاول أو متعهد، ولا تذكرني بمقاولي هذا الزمن وتجار أراضيه، نحن نتكلم عن تطوير البلد، وهم يفكرون بتوريطه ونحن نحلم بالنهضة العمرانية وهم بنهضة الجيوب. سلامة جيوبهم وجباههم. شويتين ويبنوا عمارة على رؤوسهم، وسدوداً على أنوفهم ويبيعوك. وتشتري وينسوك ويا عيني عليك لما يخرب شيء في بيتك وتحتاج إلى سباك أو نجار أو كهربائي، تعمل إيه؟ تحلفه بأغلى ما عنده أن يشتغل لك بالحق. ما في غير إنك تحلفه قبل ما يأكلك لحم، ويرجعك أنت وبيتك على العظم. وسأفتكر مين ولا مين؟ على قول المثل: شو بتذكر منك يا سفرجل: كل عضة بغصة. خلف الزاوية أهواك تنكر أشواقي ومعترفا أهواك منفتحاً نحوي ومعتكفا حاولت بثك في ألحان أغنيتي لكن عودك ما لبى ولا عزفا [email protected]