يبدو أن الرقاة المستعينين ب«قرين» بين منزلتين، فهم في أعين الناس ليسوا سحرة ولا مشعوذين وليسوا أيضاً رقاة شرعيين في أعين العلماء. يمارسون الدجل كما يرى بعض المراقبين بغطاء شرعي. ويجدون قبولاً وترحيباً من بعض أبناء المجتمع، خصوصاً المصابين بمشكلات اجتماعية كفقد ابن أو اضطراب نفسي. تطيش بوصلة بعض أبناء المجتمع حين يصاب أحد أقاربهم بعاهة لا يُعلم لها حل، فحين تتصدع البيوت بأي مصيبة لا يجد المرء غضاضة في الاستعانة بأي كائن يسهم في الوصول إلى حل أو يعطي خيطاً يكشف تلك الغمة العابرة. هذا ما توحي به قصص بعض المرضى وما تحكيه المجالس من مغامرات لتلك العوالم العجيبة. بمجرد أن ترد سيرة العين والمس والسحر تشرئب لها الرقاب وتصغي لها الآذان لغرابتها وكثرة المسلّمين بها. تبدأ المسألة من ضيقة نفسية أو تراكم هموم اجتماعية، فلا يجد الواقع الاجتماعي مبرراً أصدق ولا أيسر من عزو تلك الحالة إلى العين وربما السحر والمس. «الرقاة الشرعيون» لا يقل واقعهم استعجالاً في تشخيص المرض وعزوه إلى عوالم غيبية لا يمكن التيقن منها. الجديد في الأمر هو انتشار ما يسمى بظاهرة «القرين الجني» واستعانة بعض الرقاة بهم. كانت العائلات تتحرج من طرق أبواب المشعوذين والسحرة، إلا أن الرقاة المستعينين ب «قرين» لا يجدون غضاضة في اللجوء إليهم، وربما كان للشكل والهندام الخارجي دور في تجاوز الحرج النفسي والشرعي. أبوفهد يروي ل «الحياة» عدداً من القصص التي سمعها ورآها في عائلته. يقول: «حين فُقد أحد أقاربي وكان مصاباً بحال نفسية غريبة، أخبرنا أحد الأقارب وهو إمام مسجد بأن هناك زميلاً له في إحدى محافظات القصيم يستطيع أن يأتي بالعلم، وحين اتصل هذا القريب بالرجل الذي يدعي الرقية ويستعين بالقرين الجني أخبره بعد وقت قليل بأن القريب مفقود في سوق كذا وكذا وهو جالس يبكي وحده، وبالفعل وجدناه في السوق نفسها». ويذكر أبوفهد أن تلك الحادثة أعطت لهذا الراقي قبولاً عند إمام المسجد على رغم ما يجده من حرج داخلي، فهو بين الخوف من خدش إيمانه، وبين الانبهار بتلك القدرة السريعة في معرفة الخفايا، إلى أن تعب ابنه فحاول أن يقرأ عليه القرآن لكنه كان يشعر بتردد وخوف من القراءة، فاتصل على صاحبه الراقي المستعين بقرين، فطلب منه أن يحادث ابنه، وحين تواصل الراقي مع الابن، أخبر إمام المسجد بأن ابنه يعاني من تحرش جنسي من بعض طلاب فصله. بدأ صيت الراقي ينتشر في تلك العائلة على رغم أنه لا يحبذ الظهور أو أن تنتشر سمعته، فهو يميل إلى التواري عن أنظار الناس، وفي إحدى المناسبات حضر الراقي ليظهر بعض قدراته، وفي الوقت ذاته حضر أيضاً أحد المثقفين في العائلة إلى مجلسه، وقبل أن يدخل إلى المجلس قرأ المعوذات (سورة الصمد، الفلق، الناس) وآية الكرسي وآخر آيتين من سورة البقرة، وعدداً من الأدعية، لكن تلك الطريقة أزعجت الراقي وبدأ يمعن النظر في المثقف ويسأله بين الفينة والأخرى وفي الوقت ذاته كان المثقف يردد آيات من القرآن بينه وبين نفسه إلى أن تضايق الراقي وخرج من دون أن يتم عشاءه. الاستعانة بالقرين الجني ليست وليدة اللحظة أو المرحلة الحالية، إلا أنها بدأت بالانتشار والقبول بشكل ملحوظ لدى أفراد الناس، وهو ما أكده بعض الرقاة الشرعيين (كما يقول أبوفهد)، لذا حذّرت اللجنة الدائمة للإفتاء في وقت الشيخ الراحل عبدالعزيز بن باز من تلك الظاهرة، حين سئلوا عن شخص ظاهره الاستقامة، ويدعي أنه يعالج الناس عن طريق القرين الجني ولا يسأل المريض عن اسم أمه، فكان ردهم أن «المخالفات الشرعية التي يقع فيها بعض الرقاة كثيرة، ولو كانوا من أهل الاستقامة، فإن الشيطان وجد طريقه في النيل منهم، وإيقاعهم في ما يحرم من أفعال، وأقوال. ومن تلك المخالفات الاستعانة بالجن، سواء كانت تلك الاستعانة بالقرين أم بغيره، فكل ذلك من كيد الشيطان وتلبيسه على أولئك الرقاة».