لم يكد حبر الاتفاق حول تشكيل حكومة في ألمانيا يجفّ، حتى بادر بعض الاشتراكيين الديموقراطيين إلى التشكيك فيه، قبل أسبوع من انعقاد مؤتمر حاسم لحزبهم حول هذه التسوية لإخراج البلاد من الأزمة. ووجّه مسؤولون في الحزب الاشتراكي الديموقراطي اليوم (الأحد) انتقادات لمشروع الاتفاق الحكومي الذي تم التوصل إليه مع المحافظين في حزب المستشارة الألمانية أنغيلا مركل. وانتقد رئيس بلدية برلين مايكل مولر المؤيد للحزب الاشتراكي الديموقراطي بشدة فكرة عقد ائتلاف جديد بين حزبه واليمين الوسطي الذي تنتمي إليه المستشارة. وقال في مقابلة مع صحيفة «تاغشبيغل» إنه في الانتخابات الاشتراعية التي جرت في أيلول (سبتمبر) «كان تصويت الناخبين واضحاً ضد الشريكين في الائتلاف، ما يعني أن تشكيل الائتلاف نفسه بالسياسة نفسها لا يشكل الردّ المناسب». وتعرض الحزب الاشتراكي الديموقراطي والمحافظون، الشريكان أصلاً في حكومة التحالف السابقة (2013-2017)، إلى خسائر فادحة في الانتخابات، وذلك على رغم أن حزب مركل حصد نسبة الأصوات الأعلى. ودانت رئيسة مقاطعة رينانيا بالاتينات المسؤولة الكبيرة في الحزب الاشتراكي الديموقراطي مالو دراير سياسة الهجرة المعتمدة في الاتفاق والتي تشكل القسم الأهمّ بالنسبة للمحافظين عبر تحديد عدد طالبي اللجوء المسموح به سنوياً في البلاد بمئتي ألف. وقالت لمجموعة «فانكي» الاعلامية الاقليمية إن هذه النقطة «صعبة جداً» بالنسبة للاشتراكي الديموقراطي. وحذر قيادي آخر في الحزب هو رالف شتيغنر، الذي كان من بين المفاوضين، من أن حزبه لن يحكم مع المحافظين من دون إلغاء احتمال توظيف أشخاص وفق عقود محددة الأمد من دون مبرر. وقال شتيغنر لصحيفة «دي فيلت» إن «الحزب الاشتراكي الديموقراطي يجب ألا يدخل في ائتلاف إلا إذا ألغي تحديد مدة العقود من دون مبرر». وبعد التفاوض، توصل قادة الحزب الاشتراكي الديموقراطي والاتحاد المسيحي الديموقراطي والاتحاد المسيحي الاجتماعي إلى مشروع اتفاق يتيح لألمانيا الخروج من مأزق سياسي استمر أشهراً عدة بعد الانتخابات التشريعية. لكن لا شيء مؤكداً حتى الآن. إذ إن الحزب الاشتراكي الديموقراطي يعقد مؤتمراً في 21 كانون الثاني (يناير) يؤدي إما إلى الموافقة على مبدأ الائتلاف، ما سيفتح باب التفاوض حول إبرام اتفاق مفصل، وإما إلى إبطاله الأمر الذي قد يسرّع الدعوة لاجراء انتخابات جديدة. ولا تزال نتائج هذا المؤتمر غير مؤكدة، إذ صوتت احدى هيئات الاشتراكي الديموقراطي الاقليمية خلال عطلة الأسبوع ضد فكرة تشكيل «ائتلاف كبير» بأكثرية تُعتبر نسبتها ضعيفة. وعلى رغم أن حجم هذه الهيئة محدود،إلا أن نتائج هذا التصويت شكلت صدمة بالنسبة لقيادة الحزب، غداة الاتفاق الذي وصفه رئيس الحزب مارتن شولتز بأنه «رائع». ويترتب على الأخير بذل جهود كبيرة طوال الأسبوع المقبل لمحاولة اقناع قاعدته، التي تتحفظ عن أداء خدمة جديدة للمحافظين. وعبّرت هيئات إقليمية أخرى تتمتع بقوة أكبر في الحزب عن تحفظاتها، وخصوصاً في مقاطعتي هيسن ورينانيا شمال وستفاليا التي تعتبر الأكبر. وما قام به الاشتراكيون الديموقراطيون والمحافظون تصح فيه تسمية «ائتلاف الضرورة»، إذ ليس لديهما خيارات كثيرة أخرى ويسعيان خصوصاً لتجنب إجراء انتخابات جديدة سيستفيد منها اليمين المتطرف، بحسب استطلاعات الرأي. ووضع الحزب الاشتراكي الديموقراطي لمساته على الاتفاق الذي تم التوصل اليه الجمعة عبر اعتبار أوروبا أولوية. ويدعم نص الاتفاق في شكل مدروس اقتراحات فرنسا في شأن إصلاح منطقة اليورو، وصولاً إلى رسم الخطوط العريضة لموازنة منطقة اليورو على المدى البعيد، وهي فكرة طرحها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وكان محافظو مركل يرفضونها حتى الآن. في المقابل، لم يحصل الحزب الاشتراكي الديموقراطي إلا على تنازلات قليلة في المجال الاجتماعي والمالي، الأمر الذي يزعج قاعدته. في الوقت نفسه، لا يعتزم المحافظون إعادة التفاوض في شأن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بصعوبة. واعتبر ألكسندر دوبرينت، أحد قادة الاتحاد المسيحي الاجتماعي البافاري حليف الاتحاد المسيحي الديموقراطي الذي تتزعمه مركل، أن «مارتن شولتز يجب أن يبرهن أنه شريك جدير بالثقة وأن يضع حداً لبداية التمرد» في حزبه.