تمكّنت الكاتبة اللبنانية ياسمين خلاط (مولودة في مصر) بفضل رواياتها الثلاث التي صدرت لدى دار Seuil الباريسية خلال العقد الأخير، من احتلال موقعٍ فريد في الساحة الأدبية الفرنكوفونية. ولا عجب في ذلك، فهذه الروائية أثبتت في نصوصها مهاراتٍ كتابية وتقنياتٍ سردية مبتكَرة لفتت الكثيرين من النقاد في فرنسا والعالم العربي، وهو ما دفع لجنة «جائزة القارات الخمس» الفرنسية إلى تتويج مسارها منذ بدايته. وها هي اليوم تطل بروايةٍ جديدة صدرت لدى دار «المجلة الفينيقية» البيروتية تحت عنوان «ستقول لي عند المغيب» وتتحلى بجميع مواصفات رواياتها السابقة وإن لم تبلغ فيها المستوى الكتابي الذي عوّدتنا عليه. القصة التي تسردها خلاط في هذه الرواية يمكن تلخيصها على النحو الآتي: شابة فرنسية تدعى كلير تقرر السفر إلى شرقنا لوضع نفسها في خدمة عالمة اجتماع تدعى أورتانس زيمينا وتعيش في دير للعمل على موضوع الانتحار وكشف أسباب تواتره أحياناً داخل عائلةٍ واحدة. وبسرعة، تهتم كلير بهذا الموضوع إلى حد تقوم فيه بحضّ أورتانس على الإسراع في معالجته من منطلق الخطر الذي يتهدّد أحد أفراد هذه العائلة، إن صحّت النظرية المطروحة. وبعد محاولاتٍ دؤوبة في هذا الاتجاه، تلاحظ كلير تهرّب أورتانس من إنجاز مهمتها، قبل أن ينكشف لها انتماء هذه الأخيرة إلى العائلة المهدَّدة ورغبتها في توكيل هذه المهمة إليها... قبل انتحارها. وكما في رواياتها السابقة، تركّز خلاط في هذا النص على شخصيتين رئيستين تتفاعلان بحساسيةٍ مرهفة داخل مكانٍ يطغى عليه صمتٌ كبير يتخلله بعض الحوارات القصيرة بينهما وكثيرٌ من الاستنباط والتأمل. ونتعرّف إلى هاتين الشخصيتين من خلال وصفٍ دقيق لكل واحدة من قبل الأخرى، كما من خلال سلوكهما المعبّر. وكما في نصوصها السابقة، تتعمّد الروائية إضفاء غموضٍٍ على نصها من خلال عدم تحديد المكان الذي تدور فيه أحداث الرواية. والخيبة تنتظر القارئ المتعوّد على روايات تعجّ بالأحداث وترتكز إلى عنصر الإثارة. فنص خلاط شعري بالدرجة الأولى ومكتوب بأسلوبٍ إيحائي صوري. وقد يخيب أمل القارئ الذي ينتظر معالجة مباشرة لموضوع الانتحار وتفاصيل مثيرة حوله. فعلى هذا المستوى أيضاً تعمد الروائية إلى مقاربة مينيمالية تتجنب فيه التحليل السيكولوجي لمصلحة تشييد بارع للمناخ الذي يقود إلى الانتحار بواسطة جُملٍٍ شعرية قوية. لكن الرواية تبقى ضعيفة مقارنةً بروايات خلاط السابقة، إن على مستوى الحوارات الباهتة أحياناً بين كلير وأورتانس، أو على مستوى الحبكة التي تحوّل النص بأكمله إلى مدخلٍ لا يفضي إلى أي مكان أو عبرة. ولعل ما يفسّر هذا الضعف هو معاناة خلاط الشخصية من موضوعها على أثر فقدانها فردين من عائلتها بواسطة الانتحار، الأمر الذي لم يسمح لها بالتمتع بتلك المسافة الضرورية لمعالجة هذا الموضوع ببرودةٍ وعمق.