أعلنت واحدة من الصحف السعودية عن أن أرباحها للعام المنصرم بلغت ما يقارب النصف بليون ريال سعودي، مما يشير إلى أن الصحافة في السعودية أصبحت صناعة تنافس في أرباحها الشركات والصناعات الأخرى، ورغم هذا فإننا لا نعرف كيف يستفيد الإعلام والعاملون فيه من هذه الأرباح الخيالية باستثناء توزيع راتب شهر تحرص الجريدة الرابحة على أن تمنحه في رمضان حتى تتضاعف بركته وكأنه صدقة. الصحافة المحلية بسبب محدودية المنافسين تنفرد بسوق إعلاني كبير، وهذا السبب الرئيسي لهذه الأرباح، مما يجعلها مشروعاً مغرياً للمستثمرين الذين يقبلون عليها من باب البحث عن الربح المادي، أكثر مما هو شغف بالمهنة أو اهتمام بتطوير هذه الصناعة، وستظل الصحافة الورقية على رغم كثرة التقنيات الإعلامية المنافسة هي الأولى شعبياً، فالإحصاءات تقول إن الصحافة الورقية ظلت في ازدهار رغم اختراع الراديو، والتلفزيون، والسينما، بل ظلت هي الرافد المساهم في ازدهار هذه التقنيات. صحيفة «الشرق» التي أعلن الزميل قينان الغامدي رئيس تحريرها القادم عن قرب انطلاقتها يشير إلى أن المنافسة الصحفية لا تزال تحمل في جعبتها الحماس والتغيير والمتقدمين للعمل طالبين قربها بلغوا 1500 شاب وشابة، فأي مستقبل مهني قادر على استثمار هؤلاء؟ اللقاء الذي نشر للزميل قينان الغامدي ينعش ذاكرة كل مشتغل بالإعلام، ويعيد استرجاع المبادئ التي تقوم عليها مهنة الصحافة ويترحم عليها أو يذكرها بالخير، مثل التأكيد على استقلاليتها التامة في التحرير والتوجهات واتخاذ القرارات، وعدم تدخل المساهمين في سياسة التحرير، والتأكيد على العنصر الشاب في الصحافة، وفتح أكاديمية لتدريب الصحافيين والصحافيات، كما يؤكد على الالتزام بأخلاقيات المهنة، كل هذا الكلام عظيم نظرياً، لكنه هذا الكلام بالذات يجعلنا نعيد النظر في معظم التصريحات التي تبدو مثالية وجميلة، لكنها متى تهبط الأرض حتى تتبخر. أما كلامي أنا فمبعثه رسالة طويلة وصلتني من إحدى الصحافيات السعوديات التي مضى على تجربتها في هذا المجال عشر سنين، تشتكي من سوء التنظيم في هذه المهنة وخاصة في التعامل مع المرأة الصحفية التي ليس لها مستقبل في الصحافة ثم مع الصحافيين المتعاونين والذين كما تقول يحصلون على مكافأة مادية أقل مما يحصل عليها العامل الآسيوي، كما أنها مهنة بلا عقود، ولو حدث مرة ووقعت عقداً - كما تقول - مع صحيفة أو مجلة فإن هذا العقد لا يلزم الصحيفة بشيء، فما أن تغير المدير حتى هبط المرتب من 5000 إلى 4000 ثم ثلاثة، مثل شخص يتزحلق على سلم نازل، الزميلة الصحفية تشتكي أيضاً من الاستغلال الذي تتعرض له النساء في مثل هذه المهنة، والمقايضات غير النزيهة لتحصل على علاوة أو عقد كريم أو فرصة عمل. هذه الممارسات تحدث في كل حيز إنساني إلا أن السؤال هو لماذا تظل هذه الممارسات في مجال الصحافة وغيرها «حالاً مايلاً» ولا تقوّم بالقوانين الصارمة التي تلجم كل مستغل ومستهتر. هذا السؤال أوجهه مع التحية لهيئة الصحافيين في السعودية والتي مضى على تأسيسها سبع سنوات، وكل ما يشغلها هو افتتاح مقهى صحفي وتأثيث المبنى الكبير، وأضمن لها أنها إذا عالجت هذا الأمر أن أشتري لهم أنا البخور من عندي، لاسيما أن البخور يطرد عين الحسود.