يستحوذ اليوان الصيني على حيز مهم في المحافل الدولية المهتمة بالعلاقات التجارية الدولية وبالتوازن الاقتصادي العالمي عموماً، والعلاقات الاقتصادية الصينية - الأميركية خصوصاً. فالصين احتلت المرتبة الثانية عام 2010 بعد الولاياتالمتحدة، متفوقة على اليابان، وفقاً لحجم الناتج المحلي الإجمالي الذي يمثل مجموع قيم السلع والخدمات النهائية المنتجة داخل البلد المعني، وهذا ما يُسمى الدخل الوطني. بلغ الدخل الوطني للولايات المتحدة نحو 14.7 تريليون دولار، وللصين نحو 5.9 تريليون دولار ولليابان 5.5 تريليون دولار عام 2010. ويمثل الدخل الوطني لهذه الدول الثلاث نحو 41 في المئة من الدخل العالمي الذي بلغ نحو 63 تريليون دولار عام 2010. وبلغت قيمة الصادرات السلعية العالمية نحو 15 تريليون دولار عام 2010 منها نحو 10.5 في المئة صادرات من الصين أو ما يعادل 27 في المئة من الدخل الوطني الصيني، و12.2 في المئة صادرات من الولاياتالمتحدة أو ما يعادل 12 في المئة من الدخل الوطني الأميركي، و5.1 في المئة صادرات من اليابان أو ما يعادل 14 في المئة من الدخل الوطني الياباني. وأصبحت الصين عضواً في منظمة التجارة العالمية عام 2001، وكان دخلها الوطني 1.33 تريليون دولار بينما كان الدخل الوطني الأميركي نحو 10.3 تريليون دولار. وكان سعر صرف الدولار يساوي 8.28 يوان مقارنة ب 1.5 يوان عام 1980 و4.78 يوان عام 1990. وبين عامي 2001 و2010 حققت الصين فائضاً في حسابها الجاري مع العالم بلغ نحو 1.99 تريليون دولار، وفي المقابل حققت الولاياتالمتحدة خلال الفترة ذاتها عجزاً في حسابها الجاري مع العالم بلغ نحو 5.8 تريليون دولار، وعجزاً في الميزان التجاري مع الصين بلغ نحو 1.93 تريليون دولار. هذا الفائض الصيني مع العالم والعجز الأميركي مع الصين أوجدا اختلالاً في العلاقات التجارية الدولية وأصبحا موضوع مناقشات واختلاف في معالجة الخلل الاقتصادي العالمي. والدول المتقدمة وعلى رأسها الولاياتالمتحدة تضغط في اتجاه رفع سعر اليوان في مقابل الدولار على أمل أن مثل هذا الإجراء يقلص فائض الصين مع العالم وفائض الصين مع الولاياتالمتحدة. ونذكر في هذا السياق أن سعر صرف اليوان في مقابل الدولار مر في مراحل خفض واستقرار ورفع في مقابل الدولار وفي كل هذه المراحل كانت الصين تحقق فائضاً في حسابها الجاري مع العالم ومع الولاياتالمتحدة. ويبدو أن مشكلة سعر صرف اليوان في مقابل الدولار قد تكون في طريقها إلى الحل من خلال القبول بتدويل اليوان الصيني. فسنغافورة تخطط لأن تصبح مركز تجارة اليوان الأول خارج الصين كما أوردت صحيفة «فاينانشيال تايمز» في 20 نيسان (أبريل) 2011. ويبدو أن سنغافورة أخذت الضوء الأخضر من بكين التي ستعين مصرفاً صينياً لإجراء مقاصة للمعاملات التجارية المقيمة باليوان. ومثل هذا الترتيب يتيح للمصارف في سنغافورة العملة الصينية مباشرة بدلاً من اللجوء إلى المصارف في هونغ كونغ أو في الصين. وستلقى خطوة سنغافورة ترحيباً من البنك المركزي الصيني الذي يدعم دوراً أكبر لليوان في التجارة الدولية وفي الاستثمارات الدوليين كي يقلص اعتماد الصين الكبير على الدولار. إن تدويل العملة الصينية سيلعب دوراً إيجابياً في احتواء الاتهامات المستترة والمعلنة بين الدول المتقدمة والدول الناشئة حول استخدام سعر صرف اليوان المنخفض لتحقيق مكاسب أكبر على حساب الشركاء التجاريين. ونظراً الى أن الصين شريك تجاري مهم لكثير من البلدان، فإن تدويل العملة الصينية يعني إيجاد طلب على اليوان لتسوية الالتزامات الناشئة من استيراد السلع والخدمات وتدفق الاستثمارات إلى الصين. ولا بد للمصارف المركزية في الدول التي تكون تجارتها مع الصين مهمة، أن تعيد النظر في مكونات احتياطاتها وأن تحتفظ بنسبة تتناسب مع علاقاتها التجارية والاستثمارية مع الصين. فالصين التي كان دخلها الوطني أقل من 13 في المئة من الدخل الوطني عام 2001، عند انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية، حققت إنجازات مذهلة خلال عقد من الزمن إذ أصبح دخلها الوطني أكثر قليلاً من 40 في المئة من الناتج الوطني الأميركي عام 2010. * كاتب متخصص في الشؤون الاقتصادية