قلّما شاهد اللبنانيون على شاشات التلفزيون في بلدهم مسلسلاً تدور أحداثه كلها في قاعة محكمة، كمسلسل «خيوط في الهواء» الذي تعرضه المؤسسة اللبنانية للإرسال (أل بي سي). فهذا الأمر الذي أقدم عليه ايلي معلوف انتاجاً وإخراجاً، وطوني شمعون تأليفاً، ويؤدي بطولته فادي ابراهيم ونهلا داوود ومجدي مشموشي وبيتر سمعان والممثلة السوريَّة جيني إسبر، إضافة إلى نقيب الممثلين السابق ميشال تابت، نادراً ما مرّ في مسلسل لبناني وإن اتخذ طابعاً بوليسياً، فكان معظم المسلسل يكتفي بتمثيل أدوار رجال الشرطة والمحققين في شكل عرضي من دون أن تدخل الكاميرا إلى قاعة محكمة لتتمركز داخلها، وتخرج القصص من تحت قوسها. لذا يبدو المسلسل في قالبه وربما مضمونه جديداً على المشاهدين اللبنانيين، إذ ينطلق سرد قصص المسلسل وأحداثه من قاعة المحكمة على خلفية قصة بوليسية يؤدي فيها بعض المحامين أدواراً استقصائية تمزج ببعض الغرام الذي يبدو أنه سيكون في ختام المسلسل هو الدافع والسبب لارتكاب جريمة قتل. فمن هنا من قاعة المحكمة يبدأ سرد القصص والحوارات انطلاقاً من قصة يدور موضوعها الأساسي حول جريمة تتركز اهتمامات الجميع على مرتكبها المجهول والمعلوم في آن، بين ساعِ إلى كشفه وساع إلى التستر عليه، بينما تتوزع الشكوك في كل الاتجاهات، وتطاول – على الأقل في نظر المشاهدين – الظنون كل الذين عرفوا الضحية. على رغم أن ثمة موقوفاً أقرّ بارتكاب الجريمة من لحظة المسلسل الأولى، لكن الشكوك تحوم بعدم ارتكابه لها لأنه ضرير. وإذا كان جميع النجوم المشاركين في المسلسل يؤدون أدوارهم في شكل جيد، فإن هذه التجربة تتفاوت آراء الناس حولها، بين متعلق بسياق القصص ومفاجآتها، وبين من بدأ يتسلل الملل إليه من شدة تعقيدها وتشعبها. وأيضاً بمقدار ما كان اختيار القائمين على المسلسل للممثل ميشال تابت ليؤدي دور رئيس المحكمة موفقاً لما يتمتع به من هيبة ورصانة وكاريزما، كان السيناريو الذي اختير له سطحياً جداً ولا يليق به كممثل قدير له تاريخ طويل في المهنة، ولا أيضاً بمنصب رئيس المحكمة، علماً أنها محكمة جنايات ولا يتبوأ في الواقع رئاستها إلا من أمضى في السلك القضائي زمناً، وهو الذي يسيّر مجرى المحاكمة ويقاطع كل من في داخل غرفته سائلاً ومحللاً ومستنبطاً، ولم يكن لائقاً أبداً أن يقتصر دوره على عدد قليل من المفردات، مثل «جاوب» و «رد» و «سامعينك»، وما إلى ذلك من مفردات يرددها في أعقاب كل سؤال، وكأن معدّي المسلسل أرادوا أن يراعوا مقامه في أمر لم يكن موفقاً أبداً... على أي حال هي تجربة لا بد أن يخوض أحد غمارها لعلها تتطور وتنجح لأن في محاكم لبنان وسجونه حكايات لا آخر لها.