يتزايد القلق في الأوساط التربوية وعلماء النفس والأطباء والعائلات من تأثير الإنترنت في النمو الاجتماعي والفكري والجسدي للأطفال. وتشير دراسة حديثة إلى أن المراهقين يستخدمون الإنترنت أكثر من أولياء أمورهم، وأن كثراً من القاصرين يقتصر استخدامهم الإنترنت على الألعاب الإلكترونية والتعرف إلى أشخاص جدد. وكشف استطلاع للرأي أجري في دول عدة أن واحداً من بين خمسة أطفال في المدارس الابتدائية التقى بأشخاص بعد التعارف على الإنترنت من دون معرفة أحدهما بالآخر مسبقاً. وأشار نصفهم إلى أنه ذهب وحده لمقابلة هؤلاء في الحدائق العامة، ودور السينما أو المراكز التجارية ومطاعم الوجبات السريعة. وشملت الدراسة 1162 تلميذاً في 15 مدرسة ابتدائية تتراوح أعمارهم بين 9 و11 سنة، وذكروا بغالبيتهم أنهم يستيقظون صباحاً للجلوس أمام الكمبيوتر في غرفهم من دون أي رقابة عليهم من أهلهم. ويتضح من المسح أن 18 في المئة ممن شاركوا فيه لا يسمح لهم بالدخول إلى شبكات التواصل الاجتماعي إلا بحضور الوالدين، وقال 67 في المئة منهم أن آباءهم يراقبون ما يفعلونه في الإنترنت بصورة منتظمة، فيما أقر 15 في المئة أن حياتهم على الإنترنت لا تخضع لأي نوع من الرقابة. وقال 7 في المئة من المشاركين فيه أنهم استخدموا أجهزتهم الإلكترونية حتى أوقات متأخرة من الليل في أيام المدارس، في حين تأخر 12 في المئة منهم عن الحضور إلى المدرسة في الأيام التالية، في مقابل 3 في المئة تغيبوا عن المدرسة. وأفادت دراسة بريطانية بأن ثلث الأطفال في المملكة المتحدة يعاني من الحرمان من النوم بسبب إرسال الرسائل النصية القصيرة. وأشارت دراسة أميركية إلى أن عدد مشتركي «فايسبوك» في الولاياتالمتحدة ممن تقل أعمارهم عن 13 سنة، وصل إلى 7.5 مليون مشترك، خمسة ملايين منهم تقل أعمارهم عن 10 سنوات وفقاً لما أورده موقع «كومبيوتر وورلد» المختص بشؤون التكنولوجيا. الإنترنت بدلاً من الألعاب التقليدية أصبحت التقنيات المتقدمة الآن أقرب إلى الأطفال والمراهقين، وباتت الأجهزة الذكية والهواتف المحمولة بكل تطبيقاتها المتطورة في متناولهم، بدلاً من الألعاب التقليدية. وتتفاخر عائلات هؤلاء الأطفال بأنهم يتقنون استخدامها اعتقاداً منها أنها ستساعدهم في توسيع إدراكهم، وتحولهم إلى أشخاص قادرين على مواكبة العصر الرقمي، متجاهلين ما تتركه من آثار سلبية على صحتهم وتفاعلهم الاجتماعي، فضلاً عن تعرضهم لضغوط نفسية واجتماعية واحتمالات وقوعهم ضحايا لعصابات إجرامية من خلال تصفحهم مواقع مضرة أو شبكات التواصل الاجتماعي. ولعل أحد أكثر الأخبار إثارة للاهتمام في المجتمع البلغاري قبل أشهر، ارتبط بقيام مراهق لا يتجاوز عمره 14 سنة بقتل طفلة عمرها 11 سنة، في لقائهما الأول بعد تعارفهما على الإنترنت. ولفتت السلطات الأمنية إلى وجود أكثر من 3 آلاف صديق للطفلة على صفحتها في مواقع التواصل الاجتماعي، وأنها تعيش حياة نفسية مضطربة. وأثار وجود هذا العدد من الأصدقاء على صفحة الفتاة تساؤلات عدة في الأوساط الاجتماعية والمؤسسات التربوية، خصوصاً أن المعدل الوسطي لعدد أصدقاء مستخدم «فايسبوك» هو 155 صديقاً، في حين يزيد العدد إلى ما بين 400 و500 صديق لمن لديه عمل في وسائل التواصل، وقد يصل العدد إلى ألف صديق. ويقتصر من لديه 5 آلاف صديق على المشاهير والشخصيات الاجتماعية المؤثرة في المجتمع. وتشير دراسة أجراها «المركز الوطني لأمن الإنترنت» في صوفيا، إلى أن الأطفال يستخدمون الإنترنت الآن في أعمار مبكرة، وأن أعداد الذين لديهم حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي يتزايد باضطراد. وكشفت الدراسة أن نسبة الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و14 سنة ويستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي، وصلت إلى 87 في المئة عام 2017، في مقابل 54 في المئة عام 2010، وأن نسبة مستخدمي هذه الوسائل من الأطفال ما بين 9 و11 سنة، ارتفعت بمعدل الضعفين. ممارسات إلكترونية تلحق الأذى النفسي قدرت دراسات عدة أجرتها مجلة «علم النفس التطوري» المختصّة الصادرة عن «جمعية علم النفس الأميركية» (APA) أن ما بين 75 و90 في المئة من المراهقين في الولاياتالمتحدة يستخدمون الإنترنت لأغراض مختلفة مثل اكتشاف المواقع وتصفحها أو إرسال بريد إلكتروني وقراءته أو تبادل الرسائل النصية أو زيارة غرف الدردشة الإلكترونية. وأضافت أن التأثيرات تتفاوت بين ممارسات تلحق الأذى الذاتي عند بعض المراهقين والتحسن في الأداء الدراسي والوعي الصحي عند البعض الآخر. وفي 6 دراسات أجراها باحثون ونشرتها المجلة ذاتها سلطت الضوء على السلوك الاعتيادي في غرف الدردشة واستخدام لوحات الرسائل (message boards) من المراهقين، فضلاً عن استخدامات الإنترنت لتحسين الأداء التعليمي ولتقديم معلومات طبية في البلدان النامية. وتركز اهتمام الدكتور زينغ يان الباحث في جامعة نيويورك على أهمية المرحلة العمرية في فهم الجوانب الاجتماعية والتقنية للشبكة، فيما حاول زميله الباحث سابر أمنيام تفسير توجه المراهقين إلى الإفصاح عن هوياتهم وتوجهاتهم الجنسية في شكل يختلف في البيئات المراقبة عنه في البيئات غير المراقبة، في وقت حاول الدكتور كاسل إيجاد علاقة بين استخدام اللغة والأنماط اللغوية على الإنترنت والشخصيات القيادية بين المراهقين. وخلصت الدراسات التي شملت 140 طفلاً أميركياً واستمرت لسنتين أن المراهقين الذين استخدموا الإنترنت حققوا درجات أعلى في القراءة ومجموع درجات أقل مقارنة بالأقل استخداماً للإنترنت. أما الدراسة التي أعدها فريق من الباحثين من جامعة كورنيل بقيادة الدكتورة جانيس هويتلوك، فتركزت على الدور الذي تلعبه الإنترنت في الربط بين المراهقين المهمشين ونشر السلوكات الضارة، والدور الذي تلعبه ألواح الرسائل في تشكيل جماعات متمركزة حول ممارسات مؤذية للذات. وتوصلت الدراسة التي راقب خلالها الباحثون 406 من ألواح الرسائل لاستجلاء كيفية حصول المراهقين على معلومات متصلة بالسلوك المؤذي الذات وتبادلها بينهم، إلى أن المراهقات بين سن 14 و20 سنة أكثر استخداماً وزيارة لمصادرها. كما أظهرت أن التفاعل عبر الإنترنت تؤمن دعماً اجتماعياً مهماً للمراهقين المنعزلين، لكنها تؤدي إلى تشجيع السلوك المؤذي النفس. وتوصلت إلى استنتاج بأنها يمكن أن تضيف سلوكات مهلكة إلى شريحة موجودة من المراهقين الذين يوقعون الأذى بأنفسهم، وآخرين باحثين عن خيارات هوية، أما ألواح الرسائل ففي بعض الحالات، تعد وسيلة قوية للتعارف بين المراهقين الذين يؤذون أنفسهم. اكتئاب نفسي وانتحار يولي علماء الاجتماع والنفس والمختصّون بالعلوم التربوية خلال السنوات الأخيرة، الأخطار الناجمة عن الاكتئاب النفسي وارتفاع عمليات الانتحار بين المراهقين والأطفال القاصرين، اهتماماً استثنائياً. ورصد «مركز الرقابة والوقاية من الأمراض» في الولاياتالمتحدة، نمواً في نسب الحالتين في الفترة 2010 - 2015 وفي شكل خاص بين المراهقات والقاصرات، إذ ارتفعت النسبة بينهن بمعدل 65 في المئة في السنوات الخمس الأخيرة. وظهر أن عدد المراهقات المصابات بالاكتئاب الانفعالي ارتفع إلى 58 في المئة. وسعى معدو دراسة خاصة إلى الكشف عن الأسباب والعوامل التي تقف وراء هذه الظاهرة المقلقة، وتوصلوا إلى وجود رابط قوي بين الصحة النفسية والزيادة الكبيرة في النشاطات التي تؤمنها وسائل الإنترنت المعاصرة. واتضح أن نحو 48 في المئة من الذين يمضون ما بين ساعة وخمس ساعات في اليوم في استخدام هواتفهم الذكية، فكروا في الانتحار أو خططوا للقيام به، فيما راودت الفكرة نحو 28 في المئة ممن يمضون ساعة واحدة في استخدام هواتفهم الذكية. ووفقاً لما ذكرته جان توينغ وهي من المشاركين في إعداد الدراسة ومؤلفة كتاب ( Why Todays Super- Connected Kids Are Growing Up Less Rebellious,Mor Tolerant,Less Happy-and Compeletely Unperpared for Adulthood- and What That Means for of US)، فإن على رغم نمو استخدام الهواتف الذكية، إلا أن الجزم في شكل قاطع بأنها تقف وراء تزايد المشكلات العقلية لدى المراهقين غير ممكن»، وأضافت أن «المشكلة تتمثل في أن وقت المكالمات الهاتفية انخفض عند المراهقين مقارنة بقبل عشر سنوات، في وقت ارتفع وقت استعمال إنستغرام وسناب تشات»، معتبرة ذلك «طريقة خطرة لتمضية الوقت، لأن الحياة الإلكترونية خادعة وتنتج ضغوطاً نفسية في شكل خاص على المراهقين، وبالتالي فهم يعانون من مشكلات نفسية مقلقة». إلا أن باحثين من جامعة «ميشيغن» درسوا التأثيرات الإيجابية لدخول الإنترنت في المنازل على التلاميذ الفقراء، خصوصاً الأطفال والمراهقين الأميركيين من أصول أفريقية. وتابع الباحثون لسنتين متتاليتين عينة من 140 طفلاً أعمارهم بين 10 و18 سنة، أهلهم من ذوي الدخل المحدود ويستخدمون الإنترنت بمتوسط 30 دقيقة يومياً، للبحث في تأثير الإنترنت في أدائهم في المدرسة. وتبين أن الأطفال الذين استخدموا الإنترنت حققوا درجات أعلى في القراءة ومجموع درجات أعلى بعد 16 شهراً من بدء المشروع، مقارنة بالأقل استخداماً للإنترنت، لكن من دون تأثير في أداء الأطفال في مادة الرياضيات. حظر الهواتف الذكية في المدارس قررت الحكومة الفرنسية حظر استخدام الهواتف الذكية في المدارس الابتدائية والإعدادية، وتفكر السلطات الفرنسية المعنية في اشتراط موافقة الأهل على استخدام الصبية دون سن السادسة عشرة مواقع التواصل الاجتماعي أو حتى فتح حساب للرسائل (ماسنجر). ويرى المحلل ليونيد بيرشيدسكي في مقال نشره في «بلومبيرغ» أن «هذا الحظر لن تكون له نتيجة، فالمراهقون سيكرهون ذلك». وتشير مؤسسة «ومون سيس ميديا» البحثية غير الربحية إلى أن الأطفال دون سن الثامنة يمضون نصف وقتهم أمام الشاشة، وأكثر من ساعة أمام تطبيقات الهواتف المختلفة»، موضحة أن «كلما كانت عائلاتهم أكثر فقراً زاد الوقت الذي يمضونه في الألعاب الإلكترونية ومشاهدة مقاطع يوتيوب في كومبيوتر لوحي». ووفقاً لتقرير أعده موقع «كوم سكور 2017 لتطبيقات الهواتف الذكية» فإن «المراهقين يمضون أكثر من نصف أوقاتهم أمام شاشة الهاتف في تصفح التطبيقات الخمسة الأكثر استخداماً، بيد أنهم يُجمعون على أن موقع «فايسبوك» يعتبر المادة الأكثر إدماناً في عالم التطبيقات الإلكترونية». ويقول الطبيب النفسي والكاتب الأميركي شون غروفر في صحيفة «Psychology Today»، أن «وسائل التكنولوجيا الحديثة أحدثت فرقاً كبيراً في سلوكات الأمس واليوم»، وأكد الطبيب النفسي دانيال غولدمان في كتابه (Emotional Intellgence) أن مع زيادة الاعتماد على التكنولوجيا يعيش الأطفال في حال من الاغتراب الذاتي، بعيدين من ذواتهم العاطفية». ورأى تقرير بريطاني حديث أن «محاولة حماية الأطفال من جميع أخطار شبكة الإنترنت قد لا يكون بلا جدوى، فهذه الفئات العمرية الصغيرة تدير سراً وفي شكل متزايد حياتها الخاصة في مواقع الإنترنت».