لماذا يجب أن أبقى تابعة إما لزوجي أو لوالدي على بطاقة العائلة، لماذا لا تكون بطاقتي الشخصية كافية وأكون مسؤولة عن نفسي؟... أسئلة بسيطة طرحتها سيدة سعودية في العقد الثالث من عمرها، ملحةً على ضرورة طرح قضيتها وقضية نساء مجتمعها. فهي مطلقة لأكثر من ثلاث سنوات، ولا تزال مقيدة على بطاقة العائلة الخاصة بطليقها كبناتها القصر التابعات له، لأن والدها دائم السفر ولم يهتم بنقلها على بطاقته العائلية. تعيش تحت سلطتين لذكرين، أمورها القانونية والرسمية يخلصها لها زوجها السابق تفضلاً منه، لكنها تخضع فعلياً لسلطة والدها. هذه السيدة نموذج بسيط للنساء اللواتي مهما بلغن من العمر فلابد أن يكن تابعات لولي الأمر حتى وهن يحملن بطاقة هوية شخصية! هذه السيدة لا تعاني من أي من المشكلات الحقيقية التي تصل لحد المأسوية مع الكثيرات لعدم وجود أهلية قانونية مستقلة، ولكن بعيداً من أي أسباب، ومن منطلق إنساني وحقوقي يأتي سؤال هذه السيدة وغيرها: لماذا تحتاج إمرأة بالغة وعاقلة ومستقلة أن تبقى تابعة لأي «ذكر» مهما كانت درجة قرابته من الميلاد حتى الممات؟ لماذا لا تحصل على هويتها المستقلة تماماً، وتعامل على أساسها، كما يحصل عليها الشاب حين يبلغ السن القانونية؟! قضية الأهلية المستقلة للمرأة بعيداً من سلطة ولي الأمر من القضايا الجوهرية والأساسية التي تعاني منها المرأة في مجتمعنا، وقد تكون المشكلة الأكبر التي تتسبب في مشكلات اجتماعية أكثر تعقيداً. وهي مطلب رئيس من الناحية الحقوقية والإنسانية والاجتماعية تعبر عنه مؤسسات حقوق الإنسان، والناشطات الحقوقيات، والمثقفات، والأصوات النسائية بشكل كبير، ولقد أصبح مطلباً ملحاً للكثير من الحملات والأصوات الشبابية النسائية التي تعج بها وسائل الإعلام المختلفة. فعدم تمتع المرأة بالأهلية القانونية الكاملة يفرض سلطة مطلقة لولي الأمر، ويؤدي إلى الحرمان من كثير من الحقوق، ويتسبب في الكثير من المشكلات التي تتغلغل في المجتمع، ولعب الإعلام دوراً كبيراً في كشفها في السنوات القليلة الماضية. ويعتبر العضل، والعنف بأنواعه، والإجبار على أو المنع من الزواج، وتزويج الصغيرات، والطلاق لعدم تكافؤ النسب، والحرمان من التعليم، والعمل، والسفر، والعلاج، والتسلط على الراتب الشهري والميراث الشرعي، والحرمان من حق الولاية على الأبناء، كتسجيل المواليد والالتحاق بالمدارس أو فتح حساب بنكي خاص بهن وغيره من تبعات عدم استقلال المرأة بهويتها وبقائها تحت السلطة الذكرية غير المشروطة التي تتدخل في كل شؤون حياة هذه المرأة بشكل مطلق، وعلى المتضررة اللجوء للقضاء! لقد كان لتوقيع السعودية على اتفاق الأممالمتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في عام 2001 صدى إيجابياً كبيراً في الوسط النسائي بشكل خاص، وبنيت عليها آمال أكبر، لكن بعد عشرة أعوام من توقيع الاتفاق، تظل كثير من الأمور المتعلقة بالمرأة وحقوقها معلقة، وتبقى الكثير من الممارسات التي تفرض على المرأة مخالفة لبنود الاتفاق. فعلى سبيل المثال المادة «15» تطالب الدول الموقعة بمنح المرأة أهلية قانونية مساوية لأهلية الرجل، والفرص نفسها لممارسة هذه الأهلية، وهذا لا يمكن تحقيقه في ظل عدم الاعتراف بالبطاقة الشخصية للمرأة بشكل حقيقي في جميع الإدارات الحكومية ومؤسسات المجتمع، وبقائها تحت الوصاية المطلقة لولي الأمر، بحيث لا يمكنها حتى استخراج هويتها، أو جواز سفرها، أو حتى تجديده من دون تدخله بأي شكل كان، إضافة إلى بقائها تابعة على بطاقة العائلة. وفي ظل غياب قوانين وقرارات واضحة تُلزم بالاتفاقات الدولية وتعترف بالمرأة كإنسان كامل الأهلية، تظل الثقافة الدينية للمجتمع تسهم بطريقة مباشرة وبشكل مستمر في عدم الاعتراف بالمرأة كإنسانة مستقلة في شؤونها الحياتية، فارضة فكر الوصاية عليها، إما من خلال مفهوم المحرم أو ولي الأمر، وفي الوقت ذاته تطبق عليها كل العقوبات والجزاءات القانونية عند وقوعها أو ارتكابها لأي مخالفات شرعية. هذه الثقافة تطبق أضيق التفسيرات للشريعة الإسلامية المتأثرة بأعراف قديمة لا تتناسب مع الحياة المعاصرة، وتبتعد في كثير من الأحيان عن الحرية والعدالة الاجتماعية التي كفلها الدين للإنسان، ذكراً كان أو أنثى. الأهلية القانونية والاعتراف بالبطاقة الشخصية بشكل حقيقي من أهم المطالب التي تسعى المرأة لإنجازها لأنها ستحلحل لها الكثير من قضاياها الشائكة. فلابد أن تتمكن المرأة من الخروج نهائياً من بطاقة العائلة كالرجل، وتكون إنسانة ببطاقة مستقلة تمارس كل صلاحياتها عند بلوغها السن القانونية. [email protected]