مع افتتاح مهرجان «كان» السينمائي سيتردد كثيراً في وسائل الإعلام وأثناء تغطيتها المكثفة لأيامه تعبير «السجادة الحمراء». وكأنهم بتركيزهم على الكلمتين السحريتين يعيدون الى متلقيهم ذلك الإحساس الملوكي والتاريخي يوم كانت تفرش للملوك والنبلاء فقط، أما اليوم فهي لمشاهير سينما يشعر عامة الناس بوجود علاقة تجمعهم مباشرة بهم. على هذا التقارب النفسي تشتغل شركات تجارية عملاقة وتجني بفضله أرباحاً هائلة، من بينها شركات إنتاج الموضة العالمية، التي تدير الكثير من خيوط اللعبة من خلف الكواليس، وساحة عملها الرئيسة في مثل هذه المهرجانات الكبيرة «السجادة الحمراء»، كما يظهر في البرنامج التلفزيوني الفرنسي «عروض الموضة فوق السجادة الحمراء» الذي أعده أوليفر نيكولاس. في هذا الوثائقي حشد نيكولاس كثيرين من مصممي الأزياء وصاغة المجوهرات والصحافيين المختصين بالإعلانات التلفزيونية ومحرري مجلات الموضة الى جانب ممثلين سينمائيين تحدثوا عن تجربتهم في هذا الحقل. ولهذا جاء الوثائقي مشبعاً بالبحث ولم يجانب التلفزيون السويدي الحقيقة عندما قدمه كبرنامج يسعى الى تحليل ظاهرة «السجادة الحمراء» كعينة مصغرة تعكس واقع مجتمعاتنا المعاصرة، مجتمعات الاستهلاك والدعاية التجارية. نشاط دعائي سعى الوثائقي الى ربط علاقة عروض الموضة بالمشاهير، وبالتحديد نجوم السينما تاريخياً، وكيف انتقل الاهتمام من الطائرة الى السجادة الحمراء. فالطائرة وخلال ستينات القرن العشرين كانت بؤرة جذب إعلامي، لما فيها من غموض وإحساس بالمغامرة، بخاصة حين يهبط النجوم منها فيبدون وكأنهم آتون من المجهول مما يزيد من اهتمام الجمهور بهم وبما يرتدونه من ملابس وحلي خلال رحلتهم على متنها. وصور الممثلة مارلين مونرو وهي تهبط سلالم الطائرة فيها الكثير من جاذبية هذا العنصر، إلا أنه ومع الوقت فقدت الطائرة سحرها وحلت محلها السجادة الحمراء لاقترانها بتقاليد ملكية، ولكن وبعدما أصبح الممثلون وفي تسعينات القرن المنصرم هم أنفسهم من الملوك صار ظهورهم عليها مناسباً لهم تماماً، بخاصة أن وجودهم كما هم في الواقع صار أكثر أهمية بالنسبة لمحبيهم. ولعب التلفزيون دوراً مهماً في هذا النشاط الدعائي كما تقول عنه خبيرة السجادة الحمراء فالاريا ستيل: «كان اهتمام الجمهور منصباً على الممثل وما يرتديه من ملابس خلال الفيلم، ولكن بعد عروض السجادة الحمراء صار الاهتمام مركزاً على صورة الممثل في الواقع وكيف سيظهر أمامهم. ومن الناحية النفسية تقول باتي فوكس من شركة «برادا» للأزياء: «على السجادة الحمراء يتوزع اهتمام الجمهور على قسمين: الأول بالفيلم الذي سيدخلون لمشاهدته، والثاني بصورة نجوم الفيلم الذين يظهرون أمامهم وهم يسيرون على السجادة الحمراء. هنا يجري العمل لنشر منتجاتنا تجارياً، في تلك اللحظة التي تتحول فيها السجادة الى أكبر مكان عرض للموضة في العالم مع أنه ومن الناحية الخارجية عرضاً مكرساً لنشاط سينمائي بحت». من أجلها تجري الصفقات بين الممثلين وشركات الأزياء العالمية. فمن جهة تعرض الشركة المعلنة مبالغ كبيرة على الممثل مقابل قبوله بارتداء منتجاتها أثناء سيره عليها وفق قواعد صارمة يتفقون عليها مسبقاً. وقد يكون هذا الجانب الأكثر إثارة في الوثائقي كونه يكشف كيف أن الحركات التي ينفذها النجوم أمام المصورين هي في حقيقتها عروض أزياء كاملة، لا يمكنهم تجاوز تفاصيلها التي تبدأ من طريقة المشي أو رفع البدلات قليلاً عن الأرض، لا خوفاً من العثرات أو تجنب السقوط، كما يظن الناس، بل الغاية منه إظهار الممثلة متعمدة ماركة الحذاء الذي ترتديه، مروراً بقصة شعرها التي ترتب بالاتفاق مع حلاقين محترفين يحرصون على كشف نوع المجوهرات التي تضعها على عنقها، وصولاً الى بدلات الممثلين التي عليهم كشف ماركاتها التجارية أمام عدسات مئات من الصحافيين بوضوح، منفذين بذلك شعار الشركات الدافعة «أمشي واعلن». كل شيء قابل للبيع والمثير ليس حصول النجوم على مبالغ تصل أحياناً الى ملايين الدولارات لمجرد ارتدائهم بدلة من إنتاج شركة أزياء عالمية ما بل، كما يقول الوثائقي، إن أعضاء لجنة تحكيم إحدى دورات مهرجان «كان» حصل كل منهم على 90 ألف دولار مقابل ارتدائه بدلة من «أرماني». وحول الإجابة عن سؤال منطقي يتعلق بمردود هذه الإعلانات المكلفة تقول اليسا هيزمان من شركة «شانيل» أن الممثلة نيكول كيدمان استلمت خمسة ملايين دولار مقابل توقيعها عقداً معنا لمدة عام التزمت وفقه باستخدامها عطراً من إنتاجنا. ونتيجة الاتفاق كانت مذهلة كما تؤكد هيزمان: «لقد زادت مبيعاتنا آلاف المرات بخاصة إن الإعلان تزامن نشره مع عرض فيلمها «الطاحونة الحمراء». وعن هذا الجانب تقول آنا سلوي من مجلة «أيل»: «مردود إعلانات الممثلين كبير جداً، لأن محبيهم يهتمون في أدق تفاصيل حياتهم: ماذا يأكلون ويشربون لذلك هم يعرفون الماركات التجارية التي يلبسونها ويحرصون على تقليدهم فيها». لكن هل العلاقة دائماً في صالح المنتج التجاري على حساب السينما والتمثيل، مثلما يؤكد بعض نقاد الأزياء؟ عن هذا السؤال حاول نيكولاس الجواب وتوصل الى أن العلاقة بينهما تبادلية وفيها تداخل شديد. فمن جهة يسرق الإعلان من الممثل الكثير من وقته وموهبته لكنه في الوقت ذاته يوفر له مصدراً اقتصادياً ثابتاً يساعده في التحرر من ضغوط الشركات المنتجة التي قد تفرض عليه أحياناً أدواراً غير مقتنع بها. وهذا ما أكده مصمم الأزياء كارل لاغرفيلد: «نحن نشجع الممثلين على اختيارهم أدواراً جيدة وبطريقة حرة». ومعه تتفق الممثلة مونيكا بيلوتشي معلنة: «أن تعمل إعلاناً جيداً خير لك من فيلم سيئ». وبعضهم قد يغالي في هذا التوجه مثل الممثلة سكارليت جوهانسون التي تخصص حوالى 60 في المئة من وقتها للإعلانات والظهور على السجادة الحمراء. أما منتقدو هذا السلوك فيرون فيه إهمالاً لمهنتهم في التمثيل ويقدمون شارون ستون مثالاً؛ فهي تحرص على المشاركة في معظم عروض السجادة الحمراء وتحصل على الكثير من المال من ورائه مع أنها لم تقف أمام الكاميرا منذ سنوات. لكن نظرية كل شيء قابل للبيع ستستمر للأسف كما تقول الصحافية دافين مركين من «نيويورك تايمز»: «السجادة الحمراء انتشرت في كل مكان مثل محلات «ماكدونالد». وصار الابتعاد عنها ضرورة مع ما فيها من جوانب ممتعة. علينا اليوم التفكير بطريقة مختلفة وابتكار طرق جديدة تبعد تأثير الإعلانات على الشباب، خصوصاً، وابنتي المراهقة نموذجاً، فهي خاملة تنام معظم الوقت وتؤمن أن الحياة لا تستحق العيش إذا لم يكن المرء فيها مشهوراً وغنياً وهذا أمر مؤسف». ويشاطرها الصحافي من خلف كاميراته الرأي ويقول: «أنه أمر مؤسف».