برهنت الأحداث الأخيرة على أن كثيراً من المهن لا توازي همَّ أصحابها، أو كما يقول المثل المصري «مش جايبة همّهما» نظراً لأنها مصدر صداع وأذى نفسي وربما جسدي، هذه المهن لا تقتصر على عامل الزبالة أو ماسح الأحذية فقائمة الوظائف غير المجدية باتت تضم مهناً محترمة على نحو رئيس جمهورية ووزير ورئيس برلمان، خصوصاً بعدما أصبح بعض الرؤساء العرب سجيناً أو محاصراً أو هارباً، حتى إن سمعة هذه الوظائف السياسية باتت في القاع، ما جعل بعض الشبان يفاضل في نومه بين التدريس ومنصب رئيس جمهورية!! ومن ضمن المهن التي «مش جايبة همهما» مهنة الصحافي الرياضي، على اعتبار أن صاحب هذه المهنة معرض بصفة دائمة للأذى النفسي والجسدي بدرجة لا توازي المردود المالي والمعنوي الذي يحصل عليه، ويكفي أنه يعمل ما بين مطرقة المهنة وأخلاقياتها وسندان الوسط الرياضي و«شطحات» منتسبيه، وكثيراً ما يتعرض الصحافيون لظروف عمل غير صحية، فعندما يزور الصحافي «المحايد» أحد الأندية يبقى عرضة لما ينتظره من عبارات السب والقذف من المشجعين، وعندما يحاول اللجوء إلى مسؤولي النادي للتظلم غالباً يصطدم بعبارة: «وش جابك؟»، وبالطبع رئيس النادي بدوره لا يمكن أن يرد على اتصال هذا الصحافي حتى لا يخسر الرأي العام!!، وتستمر معاناة الصحافي الرياضي بل وتبلغ ذروة الخطر عندما يواجه لاعباً لم يقرأ في حياته صحيفة، والاحتمالات هنا كثيرة من بينها أن يكون السؤال في وادٍ والإجابة في وادٍ آخر، وإما أن يفهم اللاعب «البلطجي» السؤال على أنه فخ وحينها سيوجه سيلاً من الشتائم، ومن بين الاحتمالات أن يأتي أحد الإداريين للاعب ويحذره من الحديث لصحافي بعينه، قبل أن يأتي هذا الصحافي «مطفي النور» إلى اللاعب نفسه ويوجه سؤاله الجريء فتكون الإجابة واحدة من ثلاثة خيارات إما الضرب وإما الركل وإما الرفس!! وربما يعود صاحبنا إلى بيته فاقداً أسنانه ومطروداً من النادي ومطلوباً للتحقيق في إدارة الإعلام والنشر، وللمعاناة بقية حين يدخل بيته ويجد عائلته تتجمهر أمام جهاز الكومبيوتر لمتابعة ما يكتبه جمهور النادي عن الحادثة، والوثائق الويكيليكسية «المفبركة» المنشورة من أحد أعضاء المنتدى والتي تظهر تورط الصحافي «الغلبان» في الرشوة ومعاقرة الخمر والرقص مع النساء في الشاليهات، وربما لا تنتهي معاناة صاحبنا عند هذا الحد فهو غالباً صحافي متعاون ويعمل مدرساً في الصباح، ما يجعل حياة الجحيم تنتقل معه أينما حلَّ، الطلبة ربما يعتدون عليه أو يحطمون سيارته، ومدير المدرسة ربما يوصي بنقله إلى صامطة حتى يمارس الصحافة على راحته!! صحافيو الشأن السياسي والاجتماعي والاقتصادي يغبطون نظراءهم في الرياضة على هامش الحرية المتاح أمامهم، بينما الصحافيون الرياضيون يغبطون هؤلاء على نعمة الأمن والأمان، ونعمة مخالطة العقلاء والتعامل معهم.. ومهما يكن وعلى رغم كل هذه المصاعب يبقَ لمهنة الصحافة الرياضية في نظر البعض بريقٌ خاص يوازي وهج تولي منصب رئيس جمهورية حتى وإن كان لكليهما بريق «مش جايب همّه»!! [email protected]