الرياضة أصبحت حاضراً صناعة، لذا لم تعد متابعتها مقتصرة فقط على الرياضيين، هناك آخرون ليسوا في الوسط الرياضي وأصحاب مسؤوليات كبيرة ومهام بعيدة عن الرياضة، لكنهم يعشقونها، إما حديثاً وإما منذ فترة طويلة. الوجه الآخر الرياضي لغير الرياضيين تقدمه (دنيا الرياضة) عبر هذه الزاوية التي تبحث عن المختصر الرياضي المفيد في حياتهم وضيفنا اليوم هو الاديب حسن السبع. اللون الأزرق يغزو منزلي.. ولا مقارنة بين شعبية الروائي واللاعب * في الأدب تترجم روايات الكتاب السعوديين للغات أخرى عالمية بينما في الرياضة يستجلب اللاعبون والمدربون الأجانب، ومع هذا وذاك فإن شهرة الروائي السعودي لا توازي 10 بالمائة من شهرة نجم كرة القدم، ألا يشكل ذلك إحباطا للروائيين؟ أم هو قدرهم؟. - نعم لا وجه للمقارنة بين شهرة الروائي، أو الأديب بصفة عامة، وشهرة نجم كرة القدم. لكن هذا شيء متوقع، فقد يخاطب الكاتب، أحيانا، جمهورا محدودا بلغة لا يفهمها إلا ذلك الجمهور، أما أداء نجم كرة القدم فهو (نصٌّ) واضحٌ يفهمه الجميع، ولا يحتاج إلى مترجم، ولا إلى مستوى أو أفقٍ خاصٍ من (التلقي)، ولم تكن شكوى المثقفين من انصراف الجمهور عنهم إلى الكرة ونجومها وليدة اليوم، فهي شكوى قديمة، كان الرجل اليوناني العادي مولعا بنجوم الرياضة أكثر من اهتمامه بأفلاطون وسقراط وبقية رجال الفلسفة والفكر والأدب، لكن بعض الكتاب والأدباء يتمنون شيئا من التوازن بين رياضة الروح ورياضة الجسد، وهذه مسؤولية صنّاع القرار والمسؤولين عن خطط التنمية، ولعلَّ عزاء الكاتب أو الأديب الذي أصابته حرفة الأدب أنه سيترك للعالم بعد رحيله، آثاراً إبداعيةً وفكريةً تقاوم النسيان، بعد أن يخبو بريق الكؤوس والميداليات الذهبية والفضية والبرونزية. * إذا كان الروائي المميز والخلاق يبحث عن إجابات لأسئلته، لماذا أكتب ولمن أكتب؟ وما جدوى الكتابة؟ قبل الشروع في كتابة روايته فهل تعتقد بأن اللاعب السعودي يعي جيدا لماذا يلعب؟ ولمن يلعب؟ وما الجدوى من لعبه؟ ولماذا؟ - ربما لكن ذلك الوعي مرهون بثقافة اللاعب ودرجة وعيه، لذلك يصعب التعميم، يفترض أن يكون وراء كل عمل نمارسه فلسفة ما، وفي غياب تلك الفلسفة ربما تبدو الأمور عبثية وبلا معنى. نعم.. ينبغي أن نسأل دائما: لماذا وكيف وما الجدوى لنعثر على معنى لكل قضية نتبناها، أو جهد نبذله، أو عمل ننجزه. أتذكر كلمة لرئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) بلاتر في افتتاح إحدى دورات كأس العالم السابقة يشرح فيها أهداف التنافس الرياضي فيقول: «الهدف من ذلك التنافس هو تنمية بذور القيم الإنسانية الجميلة، وترويض النفس وتكريس الانضباط والإحساس بالمجموعة». هذا هو الأساس (القيمي) أو الفلسفي للرياضة بشكل عام، لكن هنالك أسئلة آنية أخرى ينبغي على اللاعب أن يسألها لتأكيد حضوره، وإرضاء جمهوره، وتحقيق طموح الفريق الذي يمثله والبلد الذي ينتمي إليه. * انشغل البشر بتغريدة على تويتر جملة عنونت بها إحدى مقالاتك، برأيك ما مدى تأثير تويتر في الوسط الرياضي؟ لماذا أصبح شغل الرياضيين الشاغل؟ مواقع التواصل الاجتماعي أسقطت رؤساء دول فهل سيقدر تويتر على أن يسقط أحدا من الرياضيين؟ - قديما كان تواصل اللاعب مع جمهوره، أو تفاعل الجمهور معه ينتهي بمغادرة الميدان أو المدرجات، وقديما أيضا كان تواصل الكاتب مع قرائه ينتهي بنشر كتابه أو مقالته، اليوم وبفضل التقنية الحديثة، أصبح ذلك التواصل التفاعلي دائما، ليس في مجال الرياضة فحسب، بل امتد ليشمل مجالات كثيرة. وفي المجال الرياضي فإن الجمهور يود أن يرى نجمه الرياضي نجما في سلوكه، ونجما في أخلاقه، ونجما في انضباطه وفي قدرته على التواصل. لذلك فإن تويتر أو غيره من مواقع التواصل الاجتماعي لا تسقط رياضيا ولا رئيسا إذا لم يكن «قابلا» للسقوط.. أي إذا لم يكن لديه قابلية «التدمير الذاتي».. تلك مسؤولية الشخص نفسه. * قلت ذات مرة ربما يكون المثقف ذا مزاج تهكمي أو مرتاب، فلا يعجبه العجب، ذلك استعداد نفسي لا نازعه عليه أحد. فلو «تدجّن» أو تصالح أو انسجم مع السائد لحسر العالم شيئا كان يريد أن يقوله هل تتفق معي بأن لاعبينا منهم من هو مزاجي داخل الملعب وخارجه؟ ما مدى تأثير ذلك في مستواه الفني؟ مزاجيته هل ستؤثر في شعبيته؟ - هنالك فرق، كما تعلم، بين المزاج التهكمي أو المرتاب للأديب، ومزاجية اللاعبن وفي حين يحرضّ ذلك المزاج التهكمي والمرتاب الأديبَ على الإبداع، وعلى ترتيب البيت البشري وفقا لرؤيته الخاصة، فإن مزاجية اللاعب وعدم الانضباط والجدية والمثابرة تؤثر سلبا في أدائه، وليس غريبا أن يؤدي تدني الأداء إلى تدني الشعبية، لكن ما يقال عن مثابرة وانضباط لاعب كرة القدم يمكن قوله عن الكتاب والأدباء كذلك، على الكاتب أن يجلس إلى طاولة الكتابة بشكل يومي لا أن ينتظر هبوط الإلهام، لأن السماء لا تمطر أفكارا. * الموضوعية لا تتحقق إلا بعرض الأحداث كما جرت، وبإعطائها الصفة التي تستحق من دون ميل أو تحيز، وتأكيدالحقيقة ووصفها وصفا غير نابع من الخبرة الذاتية، والتمييز بين الرأي والمعلومة، وبين الانطباع والخبر وتقديم المعلومة كما هي ليكون الحكم على تلك المعطيات منوطا بالمتلقي سواء كان قارئا أم مستمعا أم مشاهدا». هكذا تحدثت عن الموضوعية في إحدى كتاباتك، إلى أي مدى ترى إعلامنا الرياضي موضوعيا، هل تراه مسيرا؟ هل ميول الإعلامي تؤثر في موضوعيته. - لست متابعا جيدا للإعلام الرياضي، ولذلك لا أستطيع حقيقة أن أحكم عليه، لكني أسمع من يقول إن التعصب الرياضي لم يعد حكرا على الجمهور بل تسلل إلى بعض المنابر الإعلامية الرياضية لأسباب مختلفة، وضع تحت الأسباب المختلفة خطوط كثيرة، أتفهم جيدا مشاعر عشاق الكرة، وكيف يتعاطفون مع فرقهم. لكن وظيفة الإعلامي تفرض عليه أن يكون موضوعيا، فما دخل الميل والهوى على شيء إلا أفسده. وبالتأكيد فإن ميول الإعلامي توثر في موضوعيته، سواء كان الإعلام رياضيا أم سياسيا. * عندما سئلت عن المرأة العربية أجبت: «المرأة العربية قادرة على أن تؤدي دورا اجتماعيا وثقافيا مهما إذا ما أتيح لها المناخ الملائم لتمارس إنسانيتها بشكل صحي، والتاريخ مملوء بالأسماء، وبالأمثلة على تفوق وإبداع المرأة العربية في مختلف النشاطات السياسية والاجتماعية والثقافية» أراك قد استثنيت النشاط الرياضي هل تفسر ذلك بأنك لست مقتنعا بالرياضة النسائية؟ وإن كان تفسيرنا خاطئا حدثنا عن الرياضة النسائية. - أنا شخصيا مقتنع بكل ما تراه المرأة الواعية مناسبا لها، وتستطيع أن تتفوق فيه. والمرأة العربية لا تقل عن نظيراتها في العالم إذا أعطيت المجال لتؤدي دورها «الحضاري» ومفردة «حضاري» تشمل المجالات التي تساهم فيها المرأة في كل أنحاء العالم. مع ذلك فإن نسبة المشاركة الرياضية بين الجنسين غير متساوية في جميع أنحاء العالم، وتتحكم في هذه النسبة ظروف اجتماعية وثقافية مختلفة. لكن جميع المعنيين بالشأن الرياضي يتفقون على «أهمية توفير بيئة آمنة وصحية تحظر فيها كل أنواع المضايقات والعنف». * هل ترى ثمة تشابه بين مدرب الفريق وكاتب القصة؟ - ربما يوجد شيء من ذلك غير أني أَميل إلى تشبيه مدرب الفريق بالمخرج، ولكي نخرج عملا فنيا ناجحا نحتاج إلى مخرج له كفاءة عالية. كاتب القصة يعوّل على خياله كثيرا، وربما يتيح له الخيال كتابة عمل سريالي، أو (فواقعي) حسب ترجمة بعضهم لهذا المصطلح، أي أنه يحلّق فوق الواقع أحيانا. لكن المدرب الرياضي الناجح واقعي من رأسه إلى أخمص قدميه، وعليه أن يتعرف إلى قدرات اللاعبين واستعداداتهم، وقدرات الفريق الخصم واستعداداته، إنه أشبه بقائد عسكري يدرس بدقة احتمالات الفوز والهزيمة. * بمعيار النسبة المئوية ما نصيب الرياضة من اهتماماتك؟ - ربما لا أكون من المتابعين لأخبار كرة القدم أو غيرها من المناشط الرياضية الأخرى، ولا من المتعصبين لفريق دون آخر، أما معرفتي بكرة القدم وقوانينها فمتواضعة، وقد أكدتُ مرارا أنه لا ناقة لي في عالم الكرة.. ولا دجاجة. ولا تتوقف، عندي، دورة الحياة أثناء دوري أبطال آسيا أو أوروبا، ولا أعلن حالة الطوارئ في البيت أثناء المونديال، مع ذلك فإني لا أقف موقفا حادا من كرة القدم، وليس بيني وبين عشاقها أي خلاف على الإطلاق. وإذا أتيحت لي فرصة مشاهدة حفل الافتتاح، أو المباراة النهائية في المونديال فإني لا أفوّتَ تلك الفرصة، معنى ذلك أني لا أستطيع، ولو حرصت، أن أنأى بنفسي عن الأحداث الرياضية الكبيرة، ويمكنك أن تضع نسبة اثنين بالمائة لهذه المناسبات، للرياضة بشكل عام منتج ثانوي حافل بالطرافة والدلالات. وقد أجد نفسي أحيانا مدفوعا بالفضول إلى متابعة ذلك المنتج الثانوي الاقتصادي والاجتماعي والفني، وما يفرزه من طرائف وقصص لها دلالاتها. كتبت مرة عن علاقة الأدباء بالرياضة فقلت: إن الأدباء يبحثون عما يكمن وراء المظهر من جوهر، فإذا استطاعت الرياضة الجمع بين النشاط الرياضي والثقافي أمكن أن تجذب إليها الأدباء، هم يبحثون عما يمكث في الأرض، أي: أنهم يبحثون عن الجوهري في هذه اللقاءات الرياضية. لكن أبنائي يشكّون في ثقافتي الرياضية، ولا أسلم من الغمز واللمز عندما أشاهد مباراة في كرة القدم بحضورهم، مع أني أستطيع أن أميز بين اللاعب الأرجنتيني مارادونا، ونظيره الفرنسي زيدان، من دون مساعدة أحد، كما أستطيع أن أميز بين ركلات الجزاء وركلات الترجيح. كان طموحي، ذات يوم، أن أجعل منهم أدباء، فقلبوا المعادلة، وجعلوني أتابع نهائيات كأس العالم على الأقل! * لمن توجه الدعوة من الرياضيين لزيارتك؟ - كتبت مرة مقالا هو عبارة عن رسالة مفتوحة إلى اللاعب البرازيلي رونالدو أذكره فيها بفلسفة وأهداف الرياضة، ولكني على يقين من أنه لم يقرأ تلك الرسالة لسببين: الأول أنها مكتوبة باللغة العربية، أما السبب الثاني فهو ضعف توزيع الجريدة في البرازيل)! طبعا دعوة رونالدو لزيارتي مكلفة ماليا لشخص مثلي أصابته حرفة الأدب، والأنسب هو أن يوجه رونالدو دعوة لي لأطلعه على فحوى تلك الرسالة. * متى كانت آخر زيارة لك للملاعب الرياضية؟ - كان ذلك في بداية الستينيات من القرن الماضي، كنت آنذاك صبيا ألاحق نادي الخليج (النسر سابقا) أينما اتجه. وحين تقام مباراة بين نادي الخليج وفريق آخر، أستقل أوتوبيس المشجعين الذاهب إلى الظهران، لكن الكتب أفسدت العلاقة بيني وبين الكرة، فانحزت إلى ما أسميه بالمنتج الثانوي للكرة، وهو الجانب الثقافي في النادي: كالمكتبة، والمسرح، والصحف الحائطية، وأبليت في هذا الجانب بلاء حسنا. * لو قيض لك أن تعمل في حقل الرياضة من أي أبوابها ستدخل؟ - كل الأبواب موصدة أمامي إلا باب الأنشطة الثقافية إن وجدت. * بصراحة أي ألوان الأندية تراه سائدا في منزلك؟ - الأزرق فأكبر أبنائي هلالي. أما الابن الأوسط فقد كان محررا رياضيا، ويفترض أن يكون محايدا، لكنه يميل إلى (ريال مدريد) فهو بالتالي ميال إلى تشجيع الهلال وقد تأثرتْ ابنتي بذلك الجو فأصبحت من مشجعي الهلال. أما أنا فمع الأداء الجيد من أي فريق جاء. * البطاقة الحمراء في وجه من تشهرها؟ - أشهر البطاقة الحمراء في وجه من يريد أن يفكر نيابة عنا، فذلك ضد حرية الاختيار، وضد الاستقلال الذاتي. أشهرها في وجه من يحاول أن يفقد الإنسان شخصيته، ويعطل إرادته وعقله تحت شعار «نحن نفكر نيابة عنكم»، بدلا من «تعالوا نفكر معا». * ولمن توجه البطاقة الصفراء؟ - أوجه بطاقة الإنذار تلك للتائهين في الشارع العربي. لأولئك الذين لا يعرفون ماذا يريدون. * شكل فريقا من الأدباء فربما واجهنا البرازيل في نهائي كأس العالم يوما ما! - سأحاول تشكيل فريق من الكتاب والأدباء التنويريين لترسيخ القيم الجميلة، ومقاومة المفاهيم الخاطئة، شريطة أن يكون الفريق البرازيلي مشكلا من أدباء وكتاب برازيليين. سينصبّ الاهتمام في هذا اللقاء على البحث عن القيمة الأدبية والفكرية والجمالية أيا كانت مرجعيتها، أو تربتها الثقافية. هنا حيث لا غالب ولا مغلوب، فكل اللاعبين شركاء في العملية الإبداعية. لكن، وكما يحدث في مجال الرياضة، قد تُفرض علي أسماء بديلة للاعبين لا يخدمون ذلك الهدف. * هل سبق أن أقدمت على عمل وكانت النتيجة «تسلل» بلغة كرة القدم؟ - ربما يكون «التسلل» بلغة كرة القدم مرادفاً «للسطو» على الأفكار في مجال الفكر والأدب. وللإجابة عن سؤالك سأستشهد ببيت شعر لطرفة بن العبد مع شيء من التصرف فأقول: «ولا أغِيْرُ على (الأفكارِ) أسرقُها.. عنها غَنِيْتُ وشرُّ الناس من سرقا»!