الفنانون والمثقفون في أي مجتمع وعلى مر العصور هم مع التغيير في مجتمعاتهم، بل إنهم من يتنبأ بالتغيير الذي يكون في الغالب تغييراً إيجابياً، مع الأخذ بالاعتبار الظروف المحيطة بمثل هذه التغييرات، سواء كانت ثورات سياسية أم اجتماعية أو دينية.دائماً الفنانون بالطليعة وحمل راية الحرية والمساواة لشعوبهم وجميع شعوب العالم، وما أفرزته الثورات العربية الجارية الآن الموقف الحقيقي لبعض الفنانين والفنانات العرب وانحيازهم للشعوب العربية الثائرة، على رغم كل القمع والقهر، ومن الأمثلة على مثل هؤلاء الفنانة السورية القديرة منى واصف، التي وقفت إلى جانب «درعا» المحاصرة ووقعت على بيان مع فنانين ومثقفين سوريين يطالبون النظام بفك الحصار عن مدينة درعا وإمداد أهلها بالأطعمة والمواد الضرورية. بعد توقيعها على هذا البيان، الذي أُطلق عليه «نداء الحليب»، في رمزية لما يتعرض له الأطفال هناك من تجويع ومعاملة غير إنسانية، لقد تعرضت الفنانة منى واصف لهجمة شرسة من فنانين ومثقفين من أبناء جلدتها لتوقيعها على ذلك النداء الإنساني، بل إن العشرات من مؤسسات الإنتاج الفني في سورية طالبت القيادة السورية بسحب الوسام من الدرجة الممتازة الذي حصلت عليه من القيادة السورية، ومن الرئيس بشار الأسد تحديداً، المحزن أن مثل هذه الفنانة القديرة لم تدوخ أسماعنا بثورية كاذبة تنقلب عليها حينما حانت اللحظة الثورية الحقيقية، لقد عبّرت هذه الفنانة عن الموقف الحقيقي لأي فنان ومثقف للانحياز إلى أبناء شعبه والاستعداد لتقديم التضحية في سبيل الدفاع عن المبادئ التي يؤمن بها شعبها الذي يقدم الشهداء في كل يوم على رغم القمع الوحشي من قوات الجيش والبوليس السري في سورية. على الجانب الآخر نجد فناناً مثل دريد لحام، الذي كان يعتقد أنه منحاز بالفطرة للثورة والثوار، نجد أن موقفه يدعو للاستغراب والأسف، فمسيرته الفنية من مسرحيات وأفلام كلها منحازة للشعب وتدعو للحرية والثورة، ولكن يبدو أنه ثوري فقط بأعماله الفنية، أما على محك الواقع المعاش في بلده فقد اصطف إلى جانب الجلاد، وليته سكت وابتعد وانزوى في الظلام فلن يحاسبه أحد، أما أن ينضم إلى فرقة الرقص على جثث الضحايا فهذه سقطة لن تغتفر له، على رغم الشعبية الجارفة له في عالمنا العربي. لقد وجه دريد لحام انتقاداً قوياً للقذافي في هجومه على شعبه ووصفه ب «نيرون»، على رغم أنه لم يفوت أي احتفال في السفارة الليبية قبل ذلك، وقد نعذر له ذلك التناقض في تعاطيه مع القذافي ونظامه، أما الاصطفاف إلى جنب النظام الذي يعرفه جيداً، الذي يمارس قتل الأطفال والنساء، فهذا موقف انتهازي واضح يدل أن لا رسالة له إلا مصالحه الذاتية الضيقة، فكيف يظهر على المحطة التلفزيونية الرسمية السورية ويؤكد أن مهمة الجيش السوري ليست محاربة إسرائيل بل حفظ الأمن الأهلي، وهو يعرف أن هذا الجيش الجرار قد أظهر عضلاته وبطولاته على شعبه وكان يفترض أن يحميه ويقف إلى جانبه، كيف لم يفهم دريد لحام المشهد الدموي الذي يحدث في شوارع بلده؟! اما أن القضية كلها تمثيل في تمثيل، ففي مشهد من مسرحية «ضيعة تشرين» يقبع خلف جدران المعتقل مع رفيقه بالزنزانة ويسأله عن الألم من التعذيب، فيرد عليه غوار أن الألم أقسى وأشد لأن من يقوم به من أبناء وطنه، مشهد مؤثر وحزين في مسرحية شكلت وعياً سياسياً وثورياً للشباب العربي في تلك المرحلة، ولكن البطل الثائر انقلب على مبادئه وأحزننا جميعاً على هذه النهاية التراجيدية لرمز كنا نعتقد بثوريتيه المزيفة. [email protected]