أججت الاشتباكات الدموية بين المسلمين والأقباط التي شهدها حي إمبابة (جنوبالقاهرة) ليل السبت - الأحد وأودت بحياة 12 فيما أصيب 240 آخرون، مشاعر الغضب لدى الأقباط، كما أثارت موجة عارمة من القلق على مستقبل مصر في ظل تنامي النعرات الطائفية. وانتقد مسيحيون وقوى سياسية تنامي نفوذ التيارات الدينية، وطالبوا ب «دولة مدنية»، واستنكروا استخدام رجال الدين في حل المنازعات، فيما أعلن مئات الأقباط اعتصاماً مفتوحاً أمام مبنى التلفزيون المصري في وسط العاصمة وتضامن معهم «ائتلاف شباب الثورة» الذي جدد دعوته المجلس العسكري إلى ترك السلطة لمجلس رئاسي يضم شخصيات مدنية وعسكرية. وتواصلت أمس ردود الفعل الغاضبة تجاه الحادث، ودعا الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى إلى عقد مؤتمر فوري لمواجهة «أزمة كبيرة تستدعي ضرورة الإسراع في معالجة الموضوع وليس مجرد التهدئة»، فيما حذر منافسه على الرئاسة في الانتخابات المقررة أواخر العام الدكتور محمد البرادعي من «انزلاق البلاد إلى حافة الهاوية». وأعلنت أجهزة الأمن اعتقال 23 شخصاً، بينهم المتهمان الرئيسيان في أحداث إمبابة. وأوضحت مصادر أمنية أن «أجهزة الشرطة في محافظة الجيزة تمكنت من توقيف المدعو ياسين ثابت (31 سنة) وهو زوج الفتاة القبطية التي أعلنت إسلامها وكانت السبب الرئيس في تلك الأحداث، والمواطن القبطي صاحب المقهى المجاور لكنيسة مارمينا التي شهدت بداية أعمال العنف بين المسلمين والأقباط والذي بدأ بإطلاق الأعيرة النارية، وأحيلا على التحقيق». وكانت النيابة العسكرية فتحت تحقيقات موسعة مع 190 شخصاً اعتقلوا على خلفية الأحداث التي أشارت آخر إحصائية أعلنتها وزارة الصحة أن إجمالي عدد ضحاياها بلغ 12 قتيلاً و240 جريحاً. والتزم بطريرك الأقباط البابا شنودة الثالث الصمت تجاه الأحداث، ولم تصدر الكنيسة أي بيانات للتعليق، وإن كان التلفزيون الرسمي أعلن أن البابا «أعرب عن حزنه لوقوع أحداث في إمبابة بين المسلمين والمسيحيين». وأفادت مصادر كنسية ل «الحياة» أن «البابا يتابع الموقف عن كثب، ويعقد اجتماعات مستمرة، والكنيسة في حال طوارئ منذ ليل السبت، فيما تم تشديد الإجراءات الأمنية حولها تخوفاً من أي أعمال تخريبية». وواصل مئات الأقباط أمس اعتصاماً بدؤوه قبل يومين أمام مبنى الإذاعة والتلفزيون احتجاجاً على «الاضطهاد» الذي يتعرضون له، وانضم إليهم مسلمون للتضامن معهم. وتقدم عدد من أهالي المنطقة ببلاغات إلى النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود ضد «سلفيين»، اتهموهم بإثارة الفتنة، فيما سعى بعض المعتصمين إلى اقتحام مبنى التلفزيون، قبل أن يسيطر الجيش على الموقف. ورشق المعتصمون الواجهة الزجاجية لمقر التلفزيون الرسمي بالحجارة، وطالبوا بتطهير التلفزيون من قياداته «الفاشلة»، مرددين «الشعب يريد تطهير الإعلام». ووقعت اشتباكات بين بعض المعتصمين ومارة قبل أن يتدخل رجال القوات المسلحة لفض الاشتباك وفصل الجانبين. وفي وقت يسيطر هدوء حذر على حي امبابة بعد إعلان فرض حظر التجوال، بدأت منظمات المجتمع المدني والمجلس القومي لحقوق الإنسان بإرسال بعثات لتقصي الحقائق في الأحداث مطالبين في بيانات عدة أصدروها بضرورة التحقيق في الواقعة في شكل جدي، وإحالة المتهمين بغضّ النظر عن ديانتهم وانتمائهم على القضاء. ودعا عمرو موسى إلى «عقد مؤتمر فوري لمواجهة أحداث الفتنة الطائفية يشارك فيه الأزهر والكنيسة والعلماء والمفكرين والمهتمين باستقرار مصر». وقال إن «مصر تواجه أزمة كبيرة تستدعي ضرورة الإسراع في معالجة الموضوع وليس مجرد التهدئة بقبلة أو قبلتين حتى لا تنفجر بؤر أخرى يمكن أن تحدث خلال يوم أو أسبوع أو شهر، ما يستلزم على المجتمع وضع حد فوري لمواجهة ذلك». بدوره، حذر الدكتور محمد البرادعي من «انزلاق البلاد إلى حافة الهاوية» إذا استمرت ممارسات الفتنة الطائفية كما حدث في إمبابة. ووصف في رسالة بثها عبر موقع «تويتر» الأحداث الطائفية التي شهدتها إمبابة، بأنها «تشبه ممارسات القرون الوسطى»، مؤكداً أن «هذه الأحداث تحتاج إلى تدخل حاسم وسريع لمواجهة التطرف الديني». وطالبت الحملة الشعبية لدعم ترشيح البرادعي رئيساً، الجميع بالتكاتف ونبذ ما يفرق النسيج المصري الواحد؟ ووصفت أحداث إمبابة بأنها مؤسفة. واعتبرت أن «تلك الأحداث تخدم مصالح أعداء الوطن في الداخل والخارج». واستنكر المرشد العام لجماعة «الإخوان المسلمين» الدكتور محمد بديع أحداث العنف والبلطجة التي شهدتها كنيسة إمبابة. وقال إن «الإخوان ومن قبلهم الإسلام يستنكرون كلَّ وسائل الإرهاب، ولا يوجد في الإسلام مثل هذا الإجرام». وأضاف أن «الإسلام أمرنا كمسلمين بالحفاظ على دور العبادة، كما يرفض كلَّ الرفض أي يد آثمة تمتد إلى دور العبادة، سواء كانت مسيحية أو إسلامية... هذه التصرفات غريبة على قيم مصر وعلى أخلاق المصريين الذين وقفوا صفاً واحداً خلال الثورة، وسالت دماؤهم دون أن تفرِّق بين مسلم ومسيحي». من جهة أخرى، قرر النائب العام تمديد حبس علاء وجمال نجلي الرئيس المخلوع حسني مبارك لمدة 15 يوماً على ذمة التحقيقات التي تباشرها معهما النيابة في شأن اتهامات تتعلق بارتكابهما وقائع فساد مالي واستغلال النفوذ الرئاسي لوالدهما في تحقيق منافع مالية حققت لهما ثروات طائلة من دون وجه حق. وقال الناطق باسم النيابة العامة المستشار عادل السعيد إن «فريقاً من محققي النيابة انتقل من مكتب النائب العام إلى سجن ليمان طرة، حيث استكمل التحقيقات معهما في حضور دفاعهما، في شأن تدخل كل منهما في برنامج سداد ديون مصر، والحصول على عمولات جراء تصدير الغاز المصري لإسرائيل على نحو جاء مجحفاً لمصر، وكذلك تدخلهما في مواضيع خاصة بالشراكة الإجبارية في بعض التوكيلات التابعة لشركات أجنبية تعمل في مصر، ومدى صلة كل منهما بمواضيع تخصيص شركات قطاع الأعمال العام». وأشار إلى أنه «تمت مواجهة نجلي مبارك بالتحريات الرسمية للجهات الرقابية في شأن ممتلكاتهما من الأراضي والعقارات وأسعار شرائها». وقال مصدر قضائي رفيع المستوى إن «تجديد حبس علاء وجمال مبارك جاء في ضوء الوقائع الجدية في شأن صحة الاتهامات المنسوبة إليهما»، مشيراً إلى أن «التحقيقات ستتواصل معهما في ضوء تعدد الوقائع المنسوبة إليهما».