اغتسل وصلى ركعتين، قبل أن يدخل غرفة الجراحات، هكذا بدأ علي الوباري قصة إيثاره التي تحوّلت إلى مثال على «الأخوة الصادقة». وبدأت حكايته بعد أن عانى شقيقه، الذي يكبره بست سنوات من الفشل الكلوي، الذي كاد يوصل حياته إلى نهايتها، بعد أن أصيب بمضاعفات صحية «خطرة»، ولم يكن هناك بديل عن إجراء جراحة زرع كلى، ليتقدم علي ملحاً على الأطباء بأن يكون المتبرع بكليته، وبعد رفض متكرر من العائلة رضخ الجميع لمطلبه. ويروي علي الحكاية: «أصيب أخي بفشل كلوي حاد ومفاجئ، مع زيادة في الأملاح، وأثرت هذه الأعراض في القلب مباشرة، وكان في آخر أربعة أشهر قبل الجراحة في حال يُرثى لها، إذ أصيب بعجز عن التبول، وأصبح يخضع لغسيل كلى باستمرار، وشارف على الموت، بعد التسارع في تدهور حاله الصحية». وكان إصرار العائلة على أن يسافر للخارج ليحصل على كلية، إلا أنني رفضت بشدة أن تدخل جسم أخي كلية أجنبية وأنا موجود. وبعد محاولات إقناع طويلة رضخوا لرغبتي، وأجريت ليّ الفحوصات اللازمة، وتأكد الأطباء من إمكان جراحة الزرع. وكانت هذه اللحظة من أسعد اللحظات التي مرت عليّ في حياتي». وأخبر علي شقيقه بأنه سيتبرع له بكليته، إلا أن الأخير رفض، لأنه «لا يرضى بأن تتعرض حياة أخيه للخطر بسببه. وبعد إقناع طويل علم أنه لن يستطيع أن يثنيني عن قراري». ويتابع: «استفقت بعد ساعة ونصف الساعة من الجراحة وكنت أشعر بألم لا يحتمل، بسبب جرح طوله 26 سنتيمتراً، ولكن رؤية أخي بجواري جعلتني أحتمل الألم. وحين بدأ أخي يتماثل للشفاء، كانت سعادتي لا توصف». أما المشهد الذي لا يمكن أن ينساه في هذه الرحلة فهو «حين خرجنا من المستشفى، ووصلنا إلى منزلنا، وكان الأهل والأصدقاء في استقبالنا، وسط مظاهر احتفالية. وما فاجأني أنهم قاموا بزفافي كعريس في ليلة فرحه، تكريماً لما قمت به، وكان مشهداً سالت فيه دموع الفرح بغزارة. لكنني لن أنساه، خصوصاً أن أخي كان يقف بجواري، وهو بصحة جيدة». وعن سبب تبرعه لأخيه بكليته قال: «تزوجت في شهر شعبان الماضي، وأنا أنتظر مولودي الأول الآن، وكل ما أريده من هذه الحياة أن يضحي ابني بكل ما يستطيع من أجل الاخوة، التي لا تُقدر بثمن، ولا يمكن تعويضها. وقد عملت ما عملت في سبيل الله فقط، وهو واجب كان علي تأديته». ولم يكن مشهد السعادة الذي عاشه علي، مشابهاً لما مر على عبداللطيف الهاجري، الذي استقبل أخاه الأكبر «جثة هامدة» قادماً من الهند، اذ كان يزرع كلية، بعد وصول حاله الصحية إلى «منزلق خطر». إلا أن الجراحة لم يكتب لها النجاح وفارق الحياة ويقول الهاجري: «يئسنا من وجود مُتبرع هنا، ونصحنا البعض بالسفر إلى الهند، لزرع الكلية لتوافرها، وللمهارة التي يتمتع بها الأطباء هناك، بحسب ما أبلغنا أصدقاء، وأيضاً لقلة الكلفة المادية، إلا أن كل هذا لم يكن واقعاً، فالمستشفى لم يكن مجهزاً بشكل جيد، والأطباء كانوا قليلي خبرة، ما أفشل جراحة الزرع». ويضيف: «لم نستجب لتحذيرات الكثير من الأطباء من أن مستشفيات الخارج لا تريد إلا المال، وجزء آخر منها عالي الكلفة، ويوازي مستوى المستشفيات المحلية. ولم نول هذا الكلام اهتماماً، لكننا اكتشفنا أنها حقيقة بعد فوات الأوان». وكل ما يتمناه عبداللطيف اليوم، وإن كان يعلم أنه لن يتحقق «أن يرجع الزمان إلى الوراء، لنتمكن من إلغاء قرار سفر أخي إلى الخارج. ولكنها إرادة الله»، لافتاً إلى «قلة المتبرعين في المملكة، بسبب ضعف الوعي لدى الكثيرين بقيمة التبرع بالأعضاء، والجدل الحاصل بين المؤيدين والرافضين، إلى جانب ضعف الحث عليها من رجال الدين ووسائل الإعلام».