«تصوّر نفسك وقد أصبحت طياراً حربياً، أو قائد دبابة، وشاركت في معركة من معارك الجهاد الإسلامية، وحضر وقت الصلاة، وأنت في دبابتك أو طائرتك، فكيف تصلي؟». بدأ هذه السؤال صادماً حين كشفته صحيفة «الحياة» عبر مراسلتها رحمة ذياب، صدفة ونحن في الشهر الأخير من السنة الدراسية الحالية، وقد ورد في كتاب الفقة للفتيات للصف الأول المتوسط، وسرّ الصدمة فيه أن هذا السؤال وجّه لفتيات. ووافق المستشار في لجنة تطوير المناهج على صدمته، وشاركته الصدمة مرشدة طلابية، أما الطالبات فصدمن أن يوجّه لهن سؤال من هذا النوع، فهن لا يطمحن أكثر من صدمة بواسطة «قيادة سيارة». المستشار في تطوير المناهج أكد على ضرورة مراجعة هذه الصدمة، لأن من ضرورات التعليم ألا تتصادم بل تتوافق مع الفئة الموجّهة لها السؤال، وكأنه يوافق على أن يصدم هذا السؤال فئة ال12 عاماً إذا كانوا من الذكور لأنهم سيعتادون على الصدمات لاحقاً. «صلاة الخوف» جاءت كما قال الفقهاء في 14 رواية وفيها تفصيلات دقيقة، وإن كان الصحابة قد صلوا صلاة الخوف في معركة مع الرسول صلى الله عليه وسلم على الأرض في صفين، فإن الطفل عليه أن يدرس صلاة الخوف على دبابة أو طيارة حربية كنوع من التماشي مع روح العصر. لا تكتفي الدروس الدينية لطلبة التعليم العام بالاشتغال بمسائل لا تشتغل بها سوى مادة تخصصية في المرحلة الجامعية، بل إنها توغل في دسّ خطط أيدلوجية من النوع الذي اشتهرت بها في الثمانينات عبر سؤال يفتح شهيّة الحديث أثناء الدرس عن معارك الجهاد الإسلامية والدعوة إليه، وإطراء المجاهدين من أمثال أسامة بن لادن، والتغزّل بمعركة مانهاتن كما حدث يوم 11 أيلول (سبتمبر). وقد سبق وذكرت في مقالات سابقة كيف استغلّت حادثة 11 سبتمبر ليس فقط في زرع الدعوة للجهاد في دروس الدين في المدارس العامة، بل حتى في دروس التاريخ والرسم، وطلب من طفل السنة الثالثة ابتدائي أن يرسم طائرتين تصطدمان ببرجين، وحتى لا ينشغل أحد بمصادري فقد قلت مرة إن ذلك الطفل كان ابني أنا. هذا السطر الذي عثر عليه بالصدفة وكأنه حفرية نامت في الكتب، قد يثير اكتشافه معركة جديدة بين الصحافة وبين لجنة تطوير المناهج، للتنديد بآثار الفكر الصحوي في مناهج التعليم، دون أن ننتبه أن تعليمنا ليس معركة يكسبها متشددون أو تنويريون على صفحات الصحف، بل هي دعوة لحوحة لتطوير تعليم تخلّف عن الركب، ليس العالمي فقط بل والعربي - على شدّة تخلّفه - وإصرار على أن مناهجنا تحتاج لقراءة صريحة من متخصصين تربويين لا شيوخ صحويين، لديهم النوايا الجادة للتطوير، كما أن منهج ذر الرماد في العيون للهرب من النقد، لا يحتاج إلا إلى سطر أو جملة تهرب من كتاب وتثور الثائرة من جديد. هل نحن بصدد افتعال معارك من جديد أم بصدد مراجعة جادة لتنقية مناهجنا من آثار هذا الفكر المندفع بخطط الجهاد اللاعقلانية، الذي لم يفرز سوى القاعدة وتداعياتها، وأساء للمسلمين وللإسلام؟ هل نحن جادون في وقف نزيف الأدمغة التي صرفت نحو موضوعات غير العلم، أم أننا سنكابر ونقول إن سؤال مثل هذا - بغض النظر عما سواه - لا يناسب الفتيات ثم نغرق في صدمة. [email protected]