حراك ديموقراطي هو الأول من نوعه، قوامه برامج طموحة وحملات انتخابية ساخنة، ليس فيها للغة العنف أو التخوين مكان. سمته نقاشات ومناظرات امتدت ساحتها إلى فضاء «فايسبوك» و «تويتر» والمنتديات الالكترونية، وسخرت لها أموال قليلة من المنح وحتى مصروف الجيب! هذه ليست أولى ثمار «ثورة شعبية» تؤسس لجمهورية جديدة، ولا هي دعوة الى «تغيير النظام». إنها نواة أول تجربة ديموقراطية طالبية، أرستها جامعة قطر الحكومية، وسمحت بانتخاب 16 طالباً وطالبة، أسسوا أول «برلمان طالبي استشاري» يراهن أعضاؤه على الدفاع عن مطالب زملائهم لفترة عامين غير قابلة للتمديد، ولا خشبة فيها من «خرق دستوري» للبقاء في السلطة. وفي مؤتمر صحافي، حضره مرشحون وعدد من الأولياء، إلى جانب ممثلي الصحافة المحلية، أعلن «وزير داخلية» جامعة قطر، نائب الرئيس للشؤون الأكاديمية والطالبية الدكتور عمر الأنصاري عن نتائج أول انتخابات تشهدها الجامعة الحكومية الوحيدة، تحت رقابة ممثلي المرشحين. وأسفرت الانتخابات عن اختيار 16 طالباً وطالبة عن سبع كليات، أفرزتهم صناديق الاقتراع، من أصل 36 مرشحاً تنافسوا على تمثيل زملائهم، بمعدل مقعدين لكل كلية، مقعد للطلاب ومقعد للطالبات، ما عدا كلية الآداب والعلوم الأكبر التي مثلها 4 طلاب، وكلية الصيدلة الاصغر التي مثلتها طالبة واحدة، باعتبارها تخصصا «أنثوياً» حالياً، كما انتخبت طالبة واحدة عن كلية التربية التي تشهد تناقصاً مستمراً لطلابها الذكور. وقال الأنصاري إن «الهيئة التأسيسية التي أطرت الانتخابات والمكونة من الطلاب وممثلي الإدارة وإدارة النشاطات الطالبية لم تستقبل أي طعون خلال اليوم الذي تلا الانتخابات التي سارت بشكل هادئ ومنظم، حيث تم تقسيم المقار الانتخابية وعددها 11 مقراً على مختلف كليات الجامعة، في مبنى البنين والبنات». الحملة الانتخابية التي دشنتها رئيسة الجامعة الدكتورة شيخة بنت عبدالله المسند بتفقد المقار الانتخابية، والإطلاع على سير عملية التصويت، لم تعرف تغطية إعلامية موسعة، خلافاً للحملة الانتخابية القائمة حالياً في قطر لاختيار أعضاء المجلس البلدي. لكنها لم تقل عنها أهمية، أو لعلّها كانت أكثر ثراء لجهة النقاشات التي شهدتها الأروقة والممرات بين كليات الجامعة، وبخاصة على منتدى الجامعة الالكتروني، وصفحات «فايسبوك» و «تويتر» التي سارع المرشحون لإنشائها، بهدف الدعاية لبرامجهم الانتخابية، وحشد الدعم عبر الفضاء الافتراضي الذي يستقطب الطلاب، أكثر مما يستهويهم الحضور إلى المقار الانتخابية التي افتتحها بعض المرشحين. ولعل أكثر ما أعطى تلك الانتخابات بريقها، اللافتات الدعائية التي برع المرشحون أنفسهم في تحضيرها في زمن قياسي، على رغم تزامن الانتخابات مع مواعيد الامتحانات أو قربها في معظم التخصصات العلمية. ولأن أي حملة انتخابية مرهونة بوفرة الأموال، فإن المرشحين لم يشترطوا دعماً مادياً من إدارة الجامعة، بل اعتمدوا على ثقافة التطوع التي مكنتهم من توفير موازنة «متواضعة» لإدارة الحملة، بفضل ما اقتطع من المنحة الجامعية، ومصروف الجيب، أو مما جادت به يد الزملاء والأهل أيضاً! ولا تجد مي المري، طالبة كلية هندسة، حرجاً وهي تقر بالدعم المالي لأختها، ما مكنها من تجهيز مقرها الانتخابي بالشعارات، وحلوى «الكيك» الذي كان بمثابة «رشوة مقبولة» تجتذب به الطلاب الخارجين لتوهم من مقاعد الدراسة، لأجل الاستماع لبرنامجها وحصد أصواتهم الحاسمة للفوز في الانتخابات، «وقد ظفرت بما تريد فعلاً»، تعلق مي مازحة! مي التي تطمح لمنصب وزيرة مستقبلاً، بدت واثقة من الوهلة الأولى بالفوز، مستندة الى شعبيتها التي اكتسبتها من نشاطاتها التطوعية في نشاطات كثيرة داخل الجامعة، وخلال فعاليات معرض قطر المهني. أما المطالب التي ستعمل على تحقيقها، فأبرزها وقف احتكار بعض الدكاترة لتدريس مواد معينة، إلى جانب المطالبة بتجهيز معامل الكومبيوتر في الجامعة، ومقررات أكثر للدراسة خلال الصيف، أما الطالبة فاطمة محمد العمادي من كلية الإدارة والاقتصاد، فهي غير متحمسة لتمثيل الشعب مستقبلاً في المجلس البلدي بعد تخرجها، بقدر ما يغريها منصب في الدولة يسمح لها بتجسيد أفكارها. وفاطمة التي رأست من قبل نادي الطلبة القطريين، وقسم الإعلام والتسويق في مهرجان قطر الوطني، تقول إنها باتت أكثر فهماً لذهنية الطلاب، فلم تشأ تحضير برنامج انتخابي لإقناع زملائها، وفضلت أن تخاطبهم بلغة مباشرة «ليس لدي برنامج، لأن برنامجي يعتمد على مطالبكم، فساعدوني لتلبيتها». وراهنت على حسّها الإعلامي، فعرفت كيف تستقطب المرشحين عبر رسائل «البلاك بيري» و «فايسبوك» والشعارات الانتخابية. في المقابل لا يخفي الطالب عبدالرحمن العبيدلي دهشته بالفوز، قائلاً: «كنت من بين طالبين أو ثلاثة فزنا بالتزكية، بعدما كنت أواجه 5 مرشحين انسحبوا لاحقاً لأنهم ربما أهملوا الاجتماعات، أو خافوا من المسؤولية، أو انشغلوا بأمور أخرى». وأَضاف: «لم أقم بحملة انتخابية بصراحة، بل اعتمدت على «ربعي» من أصدقائي الطلاب، الذين عرفوني من قبل من خلال مشاركاتي في النشاطات التطوعية، بخاصة أنني كنت رئيساً للجنة الإعلامية في طبعة سابقة لمهرجان قطر الوطني، ونائب رئيس لنادي طلاب كلية الإعلام». ولم يخف الأنصاري دهشته لما شاهده خلال الحملة: «أصارحكم، أن قوة النقاشات والتجاذب الذي حصل على «فايسبوك» دفعاني لأن أطلب مساعدة للدخول إلى هذا الفضاء الافتراضي لأول مرة». وعن القضايا التي يخول لأعضاء المجلس التأسيسي الخوض فيها، قال الأنصاري ل «الحياة» إن إدارة الجامعة لم ترسم أي خطوط حمر أمام الطلاب، ويمكنهم طرح أي قضايا، لكننا بيّنا لهم أن هناك قضايا تحكمها معايير أكاديمية، وتضبطها اعتمادات أكاديمية عالمية حصلت عليها البرامج من هيئات دولية لها معاييرها، فيما يشبه تلميحاً منه لأعضاء المجلس التأسيسي بعدم جدوى الخوض في مطالب عادة ما يرفعها الطلاب، وتثير جدلاً في المنتديات الالكترونية، ووسائل الإعلام بخصوص إجبارية الحصول على «التوفل» في الانكليزية لكل الطلاب، واجتياز مرحلة «البرنامج التأسيسي» الذي يسبق التخصص، واشتراط معدلات قبول مرتفعة، وقضايا أخرى تشكل هاجساً للكثير من طلاب الجامعة الحكومية. في المقابل، ولئن كانت صلاحيات أعضاء «البرلمان الطالبي» لا تتعدى حدود «الاستشارة»، فإن ذلك لم يمنع الأنصاري من «تشجع الطلاب على انتقاد أي خدمات أو برامج يرون أنها دون تطلعاتهم، أو المطالبة بالاستماع لمسؤولين إداريين، لطرح انشغالات الطلاب». وبين أن إدارة الجامعة عملت لسنوات طويلة على التحضير لهذا الإنجاز الذي وصفه بأنه «جزء من العملية الديموقراطية»، فنوقشت نماذج عديدة معتمدة داخل الوطن العربي وخارجه، قبل الاستقرار على نموذج يراعي خصائص المجتمع القطري، وجامعة قطر الحكومية، لافتاً إلى أن الغرض ليس إيجاد تنظيم طالبي يخوض في قضايا بعيداً من شؤون الطلاب، أو تعيين عميد شؤون الطلاب أو الإطاحة به، كما هو الشأن في تجارب أخرى، بل إن الهدف الرئيسي المنتظر من المجلس التأسيسي الطلابي الأول في تاريخ جامعة قطر أن يمثل طالبها، وأن يعمل كوسيط بين الطلاب وهيئة التدريس وإدارة الجامعة، ويقدم المشورة والتوصية بالإجراءات التي تعزز من رعاية الطلاب إلى إدارة الجامعة.