بلغ الوضع المأزوم بين الرئاستين الأولى والثانية سقوفه العليا، مع تصاعد الاشتباك الكلامي، حول مرسوم منح سنة أقدمية لضباط دورة عام 1994 المعروفة ب»دورة عون»، في حين لم تظهر حتى الساعة اي بادرة للحل، بعدما اصطدمت وساطة المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم بتمسّك بعبدا بموقفها من ان أي مخالفة للدستور في مرسوم منح الاقدمية لم تحصل وأنه لا يرتّب أعباء مالية، وعين التينة الرافضة «الشكل» الذي صدر به المرسوم، وتجاوز صلاحيات وزير المال والنصوص الدستورية ومبدأ «الميثاقية»، مع التمسك بتطبيق المادة 54 من الدستور، معتبرة ان المرسوم يُرتّب اعباءً مادية ما يُحتّم توقيع «المالية»، مقابل إصرار الرئاسة الأولى على عدم ضرورة توقيع وزير المال، واضعة الخلاف الدائر في خانة «الصراع السياسي». وتشير مصادر نيابية ل «الحياة» الى انه في ظل تمترس رئيسي الجمهورية ميشال عون والمجلس النيابي نبيه بري خلف موقفيهما فان حرب مرسوم الاقدمية مرشحة الى مزيد من التأزم، قد يلامس الخطوط الحمر حكوميا، بمقاطعة الجلسات، في سياق الرد التصاعدي المتدرج، ما لم يسارع رئيس الحكومة سعد الحريري و «حزب الله» لما تربطهما من علاقات وثيقة بالرئيسين، إلى الدخول على خط المعالجة واحتواء الأزمة سريعاً، عبر إنضاج مخرج لحل أزمة المرسوم، تستبق جلسة مجلس الوزراء مطلع العام المقبل. وبدء سريان توقيع وزير المال علي حسن خليل مراسيم ترقيات ضباط الجيش العادية، اعتبارا من 1-1-2018، مع فصل أسماء بقية الضباط المستفيدين من الأقدمية خلافاً للأصول عن الجداول. وعلى المقلب الدستوري من الاشكالية الرئاسية، وقفت «الحياة» على رأي النائب بطرس حرب بصفته مرجعاً قانونياً ودستورياً، فأكد أن القضية ليست قانونية ولا دستورية بمقدار ما لها جانب سياسي أوجد جدلاً حول المرسوم. وبعدما أشار إلى أن هكذا قضايا لا تعالج بالمواجهة واحتدام الصراع، وإنما بمساع لإيجاد مخارج، لفت إلى أنه «يصح القول وكأن هناك تراكمات في الممارسات دفعت إلى ردود الفعل التي نراها»، معتبراً أن «الاستمرار في هذا النقاش الذي لا سقف له في هذا الموضوع ليس مفيداً، وله تداعيات». وإذ فضل حرب عدم الدخول في الخلاف الدائر حول المرسوم، رأى أن القضية «تستدعي السعي إلى التفتيش عن مخارج تحفظ الأحكام الدستورية وصلاحيات المعنيين، لكن من الطبيعي إذا ثبت أن ثمة التزامات مالية تترتب على هذا المرسوم، فهذا يحتاج إلى توقيع وزير المال». ويرى حرب أن استمرار احتدام النقاش حول المرسوم ستكون له ارتدادات كبيرة على الحكومة، خصوصاً إذا ما أخذ طابع المواجهة، حينها ستخلق حالة جديدة يمكن أن تؤدي إلى تعطيل عمل مجلس الوزراء، محذراً من أن الخروج عن روحية اتفاق الطائف يؤدي إلى خلق مشكلات ويعمق الأزمة». وفي وقت لا تلوح في الأفق أي مؤشرات حلحلة، فإن أزمة المرسوم، وفق المصادر النيابية سترحل إلى العام المقبل مع كل ما تحمله من أبعاد على عمل المؤسسات لجهة تعطيلها والدخول في مواجهات سياسية. ويبقى أن تُترك الساحة، للوساطات التي ستتحرك مجدداً على خطي بعبدا وعين التينة، لإيجاد مخرج متوازن لأزمة المرسوم، يرضي الرئاستين الأولى والثانية، ويضع حداً للتصعيد، الذي بات يتهدد ملفات كثيرة. حرب عن رفع مذكرة إحضار غانم: القضية عند السلطة السياسية لا القضائية سألت «الحياة» النائب بطرس حرب، بصفته وكيل الدفاع عن الإعلامي مارسيل غانم، عن قرار قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور رفع مذكرة الإحضار الصادرة في حق غانم، بعدما تعهد بالحضور شخصياً، إلى جلسة 4 كانون الثاني (يناير) المقبل للاستماع إليه في قضية حلقة برنامجه «كلام الناس» على خلفية اتهام ضيوفه خلالها رئيسَ الجمهورية ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، ووزير الخارجية جبران باسيل بالإرهاب. فقال: «إن رفع المذكرة جاء بعدما شرحنا لقاضي التحقيق موقفنا الثابت واكدنا فيه ان مارسيل على استعداد للمثول امام القضاء، وان مذكرة الاحضار هي في غير موقعها القانوني لأنه لم يمتنع عن الحضور. نحن تقدمنا بطلب ولسنا في حاجة إلى المذكرة، وتجاوب معنا قاضي التحقيق». ورأى حرب في رفع المذكرة إشارة إلى أن «العدالة أخذت مسارها الطبيعي في الموضوع واحترام الإجراءات القانونية التي ينص عليها قانون المحاكمات الجزائية، والعدالة هي التي انتصرت في النهاية». وزاد: «ما يهمنا أن يتصرف القضاة بقناعاتهم العلمية والضميرية، لا بقناعات أي جهة سياسية معينة. نحن لن نغير في موقفنا النابع من نصوص قانونية تحمي موكلنا. يمكن ألا نتفق مع قاضي التحقيق في وجهة نظرنا حول الموضوع، ويمكننا أن نستأنف القرار لأننا نرفض السير بالدعوى والتحقيق قبل البت في الدفوع الشكلية التي تقول أصلاً أنه لا يوجد جرم حتى يلاحق به». وإذ أمل حرب بأن يعني رفع المذكرة أنه لا توجد نية لاستمرار عملية الاستهداف، لأن القضية هي عند السلطة السياسية لا القضائية، لفت إلى أن «السلطة السياسية في طريقة تعاطيها مع حرية الإعلاميين وحرية الإعلام والفكر تدلل على أن لديها توجهاً قمعياً حتى الآن». وبعدما أكد حرب أنه سيحضر وغانم جلسة 4 كانون الثاني، أمل بأن يتصرف قاضي التحقيق على أساس أنه قاض مستقل، مبدياً اعتقاده بأن «الأمور ستسير وفق مجراها الطبيعي. وإذا لا سمح الله كان الاتجاه غير ذلك، فلكل حادث حديث وسيكون لنا رأي وموقف».