الاثنين 2/5/2011: جفاف اليوم مات أسامة بن لادن. قتله الجيش الأميركي في مخبأه الفخم قرب مدرسة عسكرية في باكستان. مات ولم تمت فكرته عن الفسطاطين، أي قسمة العالم عالمين متحاربين باسم فهم خاص للإسلام يراه الكثيرون مغلوطاً. «الحمد لله رب العالمين» وليس رب هذا الفسطاط وحده أو ذاك الفسطاط وحده. لم يكن الرجل في مناظرة فكرية أو لاهوتية. لم يكن في لحظة تأمل أو دعاء أو صلاة من أجل البشر جميعاً. كان مختبئاً مع سلاح ومسلحين، ومات بهجمة سلاح ومسلحين. كم هو مؤلم أن نشهد هذا الجفاف يفتت حياتنا الروحية؟ الثلثاء 3/5/2011: الأميركي والمصري ليست مجرد صدفة أن يشتري المصري محمد محمود خليل والأميركي ألبرت بارنز لوحات انطباعية أوروبية، خصوصاً من فرنسا، في أوائل القرن العشرين. فمصر الليبرالية وأميركا الناهضة استقبلتا نخباً أوروبية توطنت في البلدين وتفاعلت مع نخبهما في الأعمال والثقافة، ولا تزال معالم هذا التفاعل حاضرة في مصر والولاياتالمتحدة إلى يومنا، خصوصاً في العمارة وفي ما تحتوي المتاحف من مقتنيات، وفي هذا المجال لا يستغني مؤرخو الفن التشكيلي ونقاده عن زيارة متحف بارنز في فيلادلفيا ومتحف محمد محمود خليل في القاهرة، فالأول يضم 181 لوحة لرينوار و69 لوحة لسيزان، فيما يضم الثاني لوحات لغوغان ومونيه وفان غوغ ورينوار وغيرهم من فناني أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. لكل من المتحفين، الأميركي والمصري، مشاكله، فثمة اعتراض على نقل موجودات متحف بارنز إلى وسط المدينة (وهي تقدر ب 25 بليون دولار) لجعلها أقرب إلى جولات للسياح، ووجه الاعتراض أن المتحف أنشئ أصلاً لتعليم الفنانين الناشئين وليس فقط للسياح. لكن المصالح تطغى، وكل ما في الأمر أن المعنيين تعهدوا تعليق اللوحات بالطريقة نفسها في المكان الجديد السياحي. أما متحف محمد محمود خليل فتعرض لمشاكل عدة، أولاها اقتراح ببيع مقتنياته التي قدرت قبل عشر سنوات بحوالى 8 بلايين دولار لسداد ديون مصر التي كانت تعادل هذا المبلغ، لكن اعتراض المثقفين وقادة الرأي العام أدى إلى طيّ هذا الاقتراح، والثانية هي سرقة لوحة «زهرة الخشخاش» لفان غوغ من المتحف عام 1978 ثم إعادتها بطريقة غامضة، والمشكلة الثالثة هي سرقة اللوحة نفسها قبل شهور من ثورة 25 يناير وعجز القوى الأمنية إلى الآن عن معرفة السارق واسترجاع اللوحة. وفيما يتحرك الرأي العام في الولاياتالمتحدة للمحافظة على متحف بارنز وفق وصية مؤسسه، وفي مصر لمتابعة التحقيق في سرقة لوحة فان غوغ والمحافظة على متحف محمد محمود خليل بعدما تعرض لعبث متكرر، ليس أقله حين وضعت مقتنياته في مستودعات وجرى ضم مبنى المتحف إلى مسكن رئيس الجمهورية (أنور السادات)، ثم أعيدت اللوحات إلى القصر بعد مقتل السادات. وعلى رغم المشكلات، ربحت الولاياتالمتحدة ومصر متحفين للفن بفضل ذكاء ألبرت بارنز ومحمد محمود خليل اللذين لاحظا انطواء عصر الإمبراطورية في أوروبا وبدء عصر الدولة الحديثة وتأثير ذلك في الفنون، فعمدا إلى شراء لوحات اعتبرت ثورة غير مستحبة على الفن الإمبراطوري الراسخ، ففيما امتنع الأوروبيون عن شراء هذه اللوحات «الشعبية» اشتراها الأميركي والمصري، واستطاعا جعل بلديهما مقصداً لعشاق الرسم الانطباعي ودارسيه، فضلاً عن القيمة المادية لهذه اللوحات وكونها عنصر جذب سياحي. الأربعاء 4/5/2011: جوزيف عيساوي المجموعة الرابعة للشاعر والإعلامي اللبناني جوزيف عيساوي صدرت عن دار النهضة العربية في بيروت تحت عنوان يحمل إدانة شبه كونية «تحت الشمس يهطل الروث». لا أقف عند العنوان بل انظر إلى المجموعة كلها، حيث يتقدم الشاعر إلى ما هو أبعد من الإيجاز والإشارة، تصبح القصيدة عنده مطلع قصيدة أو نص، يمكن أو لا يمكن للقارئ أن يكمله من إحساسه. ليس أسلوب الشذرات الأقرب إلى الحكمة، ما يكتب جوزيف عيساوي، انه المطالع المختصرة، كتلك التي يستشهد بها في بدايات نصوص طويلة تشكل المدخل لها والخلاصة في آن. شاعر يكتفي بكتابة المطالع، من ضجر أو من ديموقراطية، ونورد بعضها في ما يلي: - أوراق الخريف لا تزحف، تطير كمحتضر. - وإذا ناداني صوته أأطعن صوتاً ناداني؟ - الشاعر الحسود لا يكفّ عن تأمل القمر. - شجرة الشتاء عارية، الرسام لا يصل. - متى وجدتُ نفسي تركتُها في ظل شجرة ومضيت. - الصوت طابة الهواء في أذني. - يرجع إلى مونتريال وينجب ذئباً للأصدقاء. - شَعر المرأة، شغف الليل بالأنوثة. الخميس 5/5/2011: فيلم سوري أنهى المخرج السوري هيثم حقي فيلمه الجديد «التجلي الأخير لغيلان الدمشقي» ونال موافقة السلطات المختصة على عرضه في الصالات السورية لكن الأحداث بدأت والفيلم ينتظر. ولكن، لا فرق كبيراً بين الفيلم وما يحدث في سورية اليوم. شيء من التمرد مشوب بكثير من الحيرة والغموض، فبطل الفيلم (سامي) صموت متردد يعيش في الخيال أكثر من الواقع، وهو إذ يعترض في دخيلة نفسه يؤثر السلامة في ظاهر كلامه، تأخذه نفسه إلى أقصى المعارضة ثم إلى أقصى الانتماء وطاعة السلطة. وحين يبتعد سامي عن الواقع يلجأ إلى التاريخ فيحضّر أطروحة دكتوراه عن «غيلان الدمشقي»، وتسير حياته اليومية في موازاة الأطروحة عن غيلان ومقتله. أما غيلان فهو أحد أعلام ما يسمى بعلم الكلام الممهد للفلسفة الإسلامية، صنفه المؤرخون ضمن القدرية أو المرجئة، آباء المعتزلة التي ظهرت لاحقاً في العصر العباسي. عاش غيلان في العصر الأموي وعمل لدى الخليفة الاستثنائي عمر بن عبدالعزيز، وروى المؤرخون أنه تولى مهمة بيع الخزائن وردّ المظالم، فهجا الأمويين أثناء بيعه مقتنياتهم لمصلحة بيت مال المسلمين وسمع هجاءه هشام بن عبدالملك فتوعده، حتى إذا أصبح هشام خليفة اتهمه بأنه من أهل البدع ودعاه إلى مناظرة مع الإمام الأوزاعي الذي حكم بأنه مرتاب ومن أهل الزيغ، فقتله الخليفة منتزعاً لسانه وصالباً جسده عند إحدى بوابات دمشق. يعيش سامي يومياته ويوميات موضوعه، غيلان الدمشقي، في تجليات متناقضة بين مناهضة السلطة والانصياع لها، بين امتلاك المرأة والضعف أمام أنوثتها، ويصل الأمر به إلى أن يتماهى مع تناقضات الحاضر والماضي معاً، فيكون غيلان ثم هشام ثم الأوزاعي. هيثم حقي، مؤلف الفيلم ومخرجه ومنتجه قال في لقاء صحافي: «بطل الفيلم في حال فصام، ليس قادراً على التعبير عن الحب إلاّ من باب التلصص، وهو شره إلى الطعام بشكل غير عادي وهذا يودي به إلى الموت. أردت التحدث عمن لا يستطيع التعبير عن نفسه لكنه قادر على التعبير عن الماضي عبر تجليات متوهمة، فبطل الفيلم يستبدل غيلان بهشام ويصبح شخصاً آخر هو في الواقع غريمه في حب الفتاة نفسها. أحكي في الفيلم عن زمنين، وعن ثمن باهظ من أجل المبادئ يسميه البعض مغامرة وتهوراً». فيلم هيثم حقي عن «التجلي الأخير» وليس «آخر تجليات» غيلان الدمشقي، لأن ثنائية السلطة والمعارضة غير موجودة في الواقع. ثمة سلطات ومعارضات في المواقع كلها. وإذا قدّر للمواطنين السوريين أن يروا الفيلم سيلاحظون مدى قربه من واقعهم حين يصور شخصية البطل المعقدة «سامي» الذي هو السلطة والمعارضة والقاتل والقتيل والظالم والمظلوم، ثنائية تتلبس كل طرف في الثنائية نفسها وصولاً إلى الجنون أو الموت من كثرة الطعام.