يختتم اليوم معرض بغداد الدولي للكتاب، في دورته الأولى التي أقيمت بعد عزلة طويلة وشاقة عاشتها بلاد الرافدين وطاولت الحياة الثقافية فيها. شاركت في المعرض اثنتان وثلاثون دولة، تحت شعار «لان المعرفة هويتنا»، برعاية وزارة الثقافة العراقية، ولم يحضر الافتتاح سوى عدد قليل من مسؤولي وزارة الثقافة والوزارات الأخرى، لأنهم لم يتلقوا دعوات للحضور، كما صرحوا ل «الحياة»، فبدت المؤسسات الثقافية العراقية بمثابة جزر متفرقة، لكلٍّ قانونها وتوجهاتها. دُور النشر التي شاركت في المعرض، وعددها 241 داراً، لم يحضر كل أصحابها، بل كان هناك وكلاء لهم من العراقيين، بسبب الأوضاع الأمنية المتردية التي حالت دون بروزالكثافة المعهودة للجمهور العراقي المتعطش للكتاب بعد هذه العزلة الطويلة. ورغم وجود أكثر من اثنين وثلاثين ألف عنوان في المعرض، لم يعدم الزائرون طغيان العناوين الدينية، التي احتلت أكثر الأجنحة، التي قاربت المائتين وعشرين. مشاركة دور النشر اللبنانية كان لها حضور متميز في المعرض، وهو ما يعيد إلى الأذهان تلك المعادلة التي هيمنت على حركة الفكر العربي لعقود طويلة، والقائلة بأن القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ. أما المشاركة الدولية في المعرض، فاقتصرت على عدد محدود من دور النشر الصغيرة، التي جاءت من لندن وفرانكفورت واليونان، لأن المعرض تجربة حديثة، وفي دورته الأولى. «دار الجمل» التي كانت تمثل ألمانيا بمجموعة من إصدارتها الحديثة، كان لها حصة الأسد من المبيعات. مدير مركز دراسات الوحدة العربية اللبناني خالد دعيبس، أشار إلى إن المشاركة اللبنانية الفاعلة في المعرض سببها أن نسبة 25 بالمائة من كل إصدارات الناشرين العرب تباع في العراق، وهو ما دفع المركز ودور النشر اللبنانية إلى المشاركة بشكل كبير في هذا المعرض. وفي رأيه أن تحقيق هذه النسبة من مبيعات الكتب في العراق تدل على ارتفاع المستوى الثقافي في البلاد. لكن ما ينقص هذا المعرض مشاركة عدد اكبر من دول العالم. وفَّرَ المعرض، رغم الصعوبات التي واجهها القائمون عليه، للقارئ العراقي «المحروم» بعض العناوين المهمة والجديدة في علم الاجتماع والتاريخ والسياسة وعلم النفس وكتب الأطفال، وكان أكثر المستفيدين من إقامته هم طلاب الجامعات والدراسات العليا والأكاديميون والمثقفون. هذا المعرض الذي يقام بعد مرور ربع قرن على آخر معرض أقيم في بغداد، خلا من رواد شراء الكتب التقليديين، والشباب بالتحديد، ويعزو بعض المهتمين في وزارة التربية ذلك الى ارتفاع نسبة الأمية الرهيبة في العراق اليوم، اذ يصل عدد الأميين الى تسعة ملايين، معظمهم من الأطفال والشباب، في بلد انعدمت فيه الأمية قبل الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات. لم يبدأ المعرض بحفلة موسيقية ولا بعرض مسرحي، لأسباب تتعلق بالوضع الراهن في العراق وبطبيعة الحكومة التي تدير هذا البلد، وعوضاً عن ذلك، استحدث المقهى الثقافي، الذي قدم نشاطاته على هامش المعرض، وكانت ندوات فكرية وقراءات شعرية واحتفاءات ببعض المبدعين العراقيين، من كتّاب وفنانين وشعراء. في إحدى جلسات هذا المقهى حضر أربعة من الكتّاب والشعراء العراقيين الذين شاركت كتبهم في المعرض عن دار الشؤون الثقافية، إحدى أهم دور النشر العراقية، ان لم تكن أكبرها، وتحدثوا عن كتبهم من اجل الترويج لها، في محاولة لخلق تقليد ثقافي عراقي لم تعهده الثقافة العراقية. في مجال الفنون المسرحية، تم الاحتفاء بتجربة المخرج العراقي صلاح القصب، بحضوره مع عدد من مجايليه من المخرجين والفنانين المسرحيين، الذين قدَّموا أوراقاً عن تجربته الرائدة في مسرح الصورة. والطريف في هذا المقهى، أنه قدم في أحد نشاطاته ندوة عن ظاهرة «الفايسبوك»، حضرها جمهور كبير، من وزراء وسياسيين وجمهور عادي، وقُدمت فيها أوراق عن هذه الظاهرة المهيمنة التي ساهمت في ربيع الثورات العربية التي أطاحت عدداً من الديكتاتوريات في المنطقة ومازالت تثير الكثير من الشغب فيها. مجلة «الأقلام» الشهرية ستقدم في عددها المقبل ملفاً خاصاً عن الظاهرة، وتنشر فيه البحوث والأوراق التي قدمت في الندوة، مع بعض النقاشات المفيدة التي حصلت فيها. وينتظر المشرفون على هذا المعرض في دورته الأولى، أن يعيد المواطن العراقي الى القراءة من جديد، وأن يعيد الثقافة العراقية الى الواجهة التي فقدتها بعد الحروب الطويلة التي عاشتها البلاد، خصوصاً بعد التغيير الذي حصل والوعود المنشودة بالحرية والديموقراطية.