بصفوة الدنيا وهدوئها الرائع لاحت لي ذكريات بعيدة وأخرى قريبة، منها ما أراح قلبي ومنها ما غص بها، ومن أهمها صديقة تتميز بعلو أخلاقها وطيبة قلبها، كم أحس باشتياقي لجلساتها، بعينيها تسكن المحبة وبصوتها الحنان، تفاؤلها بالحياة كنز تغنى به من حولها، كلما ألاقيها تكون بحال ثابتة (جمال ونشاط وبهجة) ولكن مع مرور الزمان بدأ جسمها يضعف بشكل كبير حيناً بعد حين، وعيناها أخذت في الذبول، الجميع يتساءل عن السبب المبهم من دون الحصول على جواب مفيد، لكن لم تأتيني الجرأة لسؤالها لأنني لا أريد رؤيتها وهي تتألم إلا أن الأمر ازداد وأخذ بالصعود، صار الأهل والأقارب يتقربون لمساعدتها من دون جدوى. في حديث بيننا كشفت لي عن سرها الدفين وعن وقعتها الأولى التي غرقت بها ولم تنجُ منها، ألا وهي الحب، حب شاب فقير ومتدين به جميع ملامح الرجولة والمسؤولية، فهو يعمل طوال الوقت كي يجني مهرها، هو الذي أعلن إعجابه القوي بهذه اللؤلؤة التي لمعت تناديه من بين جميع اللآلئ، لكن إعجاب الطرفين ببعضهما البعض، وازدياد تعلقهما ببعضهما البعض، قد لا يقدر معناه الأهل ولا يبالي لأحاسيسهما، فكلما تقدم الشاب يطلب الزواج بها يزرع أباها أعذاراً لا تتفسر والأم كذلك قبل أن يسألوا حتى عن رأيها، أما الأخوة فيركض كل واحد لمصلحته غير مهتم بها، ومع ذلك فإن الحب لا يعرف الخيبة، استمر هذا الفقير بتكرار طلبه مراراً وتكراراً... ثماني سنوات تمشي ببرود الأهل وحرقة قلبيّ وأعصاب العاشقين، ثم ذهب يطور بنفسه أكثر فأكثر مرقياً بذاته إلى الأعلى، والبنت كذلك تخرجت في الجامعة والآن هي مدرسة قديرة ولا تزال تعاني فلم تترك نصيحة من الكل كي تكسب رضا أهلها إلا وعملت بها طوال هذه السنين، ولكن ورد الفعل يأتي عكسياً... تقترب وهم يبتعدون عنها، تبعد يقال عنها تلك المتعجرفة المنطوية، ونحن جميعاً نقنع أمها تلك العجوز الشرسة بطهارة نيات هذا الشاب، فليس كل فقير يبقى كذلك، خصوصاً إذا كان نشيطاً وساعياً لكسب لقمة عيشه، تتأثر حينها وتنسى بعد ذلك، ثم بعد فترة قصيرة تزوجت أختاها الأصغر منها سناً، صحيح كان الوضع صعباً للموافقة ولكن هذه العجوز سعت للموضوع بإتقان. أحبط هذا التصرف صديقتي ولوَن البياض قلبها قبل شعرها متسائلة عن إهمالهم وصدهم عن أجمل شيء بحياتها، حديثها المفصل عن حالها عقد لساني فكل خطة رائعة لإقناعها قامت بعملها مسبقاً... إذاً ما العمل؟ وإلى متى سيبقى قلبها رهيناً؟ وهل سيصمد الشاب أم سيبحث عن غيرها؟ سعاد أحمد الفهد - البحرين [email protected]