أعلن رئيس حكومة كردستان نيجيرفان بازراني من ألمانيا أمس التزام حكومته نظاماًعراقياً فيدرالياً واحترام قرارات المحكمة الاتحادية ببطلان دستورية انفصال الإقليم، وأكدت برلين أنها غير مستعدة لتقديم الدعم إلى العراق «إلا كدولة موحدة»، فيما عمت التظاهرات الغاضبة والإضرابات مدناً كردية، احتجاجاً على عدم دفع رواتب الموظفين والمطالبة بمقاضاة المسؤولين المتورطين بالفساد. ووصل نيجيرفان ونائبه قباد طالباني إلى برلين بناء على دعوة رسمية لإجراء محادثات مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل وقال خلال مؤتمر صحافي عقده أمس في برلين عقب اجتماع مع وزير الخارجية زيغمار غابريل أن «حل الأزمة مع بغداد يتطلب إرادة وطنية ولن يكون إلا بالحوار وفقاً للدستور، ونحن نحترم قرار المحكمة الاتحادية ونلتزم نصوص الدستور، وعراقاً فديرالياً ديموقراطياً، كما أننا مستعدون للحوار حول إدارة المعابر الحدودية». وأكد غابريل استعداد بلاده «لتقديم المساعدة في حل الأزمة خصوصاً أن الإقليم لديه الرغبة في الحوار»، ودعا «الحكومة العراقية إلى بدء التفاوض». أضاف أن برلين غير مستعدة لتقديم الدعم المنتظر إلا لعراق «موحد». وأوضح : «ان المساعدات تتوقف على تقدم الجهود السلمية لحل الخلاف بين الجانبين». تزامن ذلك مع دعوة وجهها نيجيرفان إلى برلمان كردستان «لتحديد موعد للانتخابات على أن لا تتجاوز الثلاثة أشهر»، مشيراً إلى أنه «عقد سلسلة اجتماعات مع القوى السياسية، ونرى أن أفضل خيار لحل أزمات الإقليم يكمن في الرجوع إلى قرار الشعب، وعليه ندعو مفوضية الانتخابات إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة». وتعد دعوة بارزاني إقراراً بفشل حكومته في إرضاء القوى الكردية، خصوصاً حركة «التغيير» و «الجماعة الإسلامية»، بالتخلي عن مطلبها تشكيل أخرى انتقالية، في إطار مساع إلى توحيد الموقف الكردي وتشكيل وفد موسع تمهيداً للدخول في مفاوضات مع بغداد، ليصبح خيار إجراء انتخابات مبكرة آخر الحلول قبل موعد انتخابات البرلمان الاتحادي، ما يعني استمرار شبه القطيعة بين اربيل وبغداد. والتقى رئيس الجمهورية فؤاد معصوم السفيرين الألماني سيريل نون والروسي مكسيم مكسيموف، على ما أفاد بيان رئاسي نقل عن معصوم تأكيده «إيمان اربيل وبغداد بالحوار كسبيل وحيد لحل الأزمة، ومن الأهمية الإسراع في بدء هذا الحوار»، واستدرك «إلا أن ذلك يتطلب التفاهم وفق أسس وطنية دستورية تراعي مصالح الجميع، لذا تعمل رئاسة الجمهورية لتهيئة الأرضية المناسبة وفتح قنوات الحوار البناء والإيجابي». ويخيم القلق على الشارع الكردي من استمرار القطيعة مع بغداد في ظل تفاقم الأزمة المالية وإنهيار قطعات واسعة إثر تراجع حاد في الإيرادات الناجمة على خلفية إجراءات عقابية اتخذتها السلطة الاتحادية ضد خطوة الأكراد الانفصالية في استفتاء أواخر أيلول (سبتمبر) الماضي، وسط تحركات تقودها قوى معارضة لتنظيم تظاهرات مليونية ضد سياسة حكومة الإقليم. وعمت الاحتجاجات والإضرابات في محافظة السليمانية ومناطق إدارة «كرميان» وحلبجة والمناطق الخاضعة لنفوذ حزب «الاتحاد الوطني» الذي كان يتزعمه الرئيس الراحل جلال طالباني، مدعومة من منظمات حقوقية ونشطاء، وقوى سياسية أبزرها حركة «الجيل الجديد» التي تشكلت في أعقاب الاستفتاء بقيادة رجل الأعمال شاسوار عبد الواحد. وأكد القيادي في الحركة النائب رابون معروف في كلمة أمام المحتجين أن «حملة الاعتصامات والاحتجاجات ستستمر إلى حين إسقاط الحكومة الفاسدة»، ودعا «كل من يرغب في دعم المتظاهرين أن يشاركهم التظاهر ويعلن انسحابه من الحكومة». وأقدم محتجون غاضبون على إغلاق الطريق بين كركوك والسليمانية وأشعلوا إطارات السيارات، كما قطع محتجون آخرون الطريق الوحيد بين كركوك وأربيل من جهة ناحية طق طق، مطالبين بصرف الرواتب ومقاضاة «الفاسدين». يذكر أن الطريق بين المحافظتين مغلق منذ سيطرة القوات الاتحادية على كركوك والمناطق المتنازع عليها، وشاركت للمرة الأولى عناصر من قوات «البيشمركة» في التظاهرات احتجاجاً على سعي الحكومة إلى شمولها بقرار «الادخار الإجباري» المعمول به منذ أكثر من عامين في الإقليم، حيث تم خفض الرواتب إلى أقل من النصف، وتدفع في الغالب كل 40 إلى 45 يوماً. وذكرت مصادر محلية أن السلطات نشرت عناصر أمنية لحماية مقرات الحزب «الديموقراطي» بزعامة مسعود بارزاني تحسباً من أية اعتداءات كانت تعرضت لها في السنوات القليلة الماضية، إلا أن عدداً من المتظاهرين رشقوا أحد المقرات في قضاء سيد صادق شمال شرقي السليمانية بالحجارة. واقتصرت الاحتجاجات في نطاق نفوذ «الديموقراطي» بزعامة مسعود بارزاني في محافظتي أربيل ودهوك، في قضاء سوران شمال محافظة اربيل، واتهم ناشطون السلطات الأمنية «باعتقال عدد من المتظاهرين بينهم مسؤولون في حركة التغيير»، التي تدرس قياداتها خيار الانسحاب من الحكومة والعودة إلى المعارضة، في وقت أعلنت فضائية «ان ار تي» أن السلطات نشرت عناصر أمنية حول مبنى مكتب القناة بمدينة اربيل، وحمّلت الحكومة «مسؤولية أية اعتداءات قد يتعرض لها كوادرها»، على غرار الأحداث التي رافقت إعلان بارزاني التخلي عن منصبه. وقال النائب عن كتلة «التغيير» علي حمه صالح والذي يعرف شعبياً ب «علي حاسبة» نسبة إلى تطرقه لملفات الفساد، خلال مؤتمر صحافي في اربيل، إن «شركات عديدة تقوم باستيفاء رسومات في المنافذ الحدودية من دون أي عقد مع الحكومة لكن بعلمها، تعمل على فحص المشتقات النفطية وما يتعلق بشحانات النقل التجاري». وحذر من أن «تراجع إيرادات الإقليم واستمرار الوضع على ما هو عليه، يهدد قدرة الحكومة في تأمين حتى أنصاص وأرباع الرواتب التي تدفعها الحكومة في العام المقبل، والديون أصبحت تثقل كاهلها، بليونا دولار للشركات التركية، وخمسة بلايين للشركات الغربية، و10 بلايين للبنوك والمصارف». وكشف وزير النقل مولود مراد أن «الإقليم تعرض لخسائر مالية تقدر بنحو 23 مليون دولار نتيجة الحظر الذي تفرضه بغداد على مطارات الإقليم، وأن الخسائر طاولت شركات كثيرة والعديد من المنظمات الدولية والهيئات الديبلوماسية التي تعاني من مصاعب في إنجاز أعمالها، ولا توجد أية بوادر لرفع الحظر، لكن المحاولات مستمرة عبر قنوات ديبلوماسية أجنبية وأممية عدة للعمل على رفعه. في كركوك دعت «الجبهة التركمانية» في بيان أمس رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى «تأمين مقرات الجبهة بعد تكرار الهجمات عليها، وهي تدفع وقوفها ضد خوض الأكراد عملية الاستفتاء». وأشارت إلى أنها «لن تستسلم لسياسة فرض أمر الواقع»، وهددت «من يساند ويساعد ويدفع الزمر الضالة الجبانة إلى نشر ثقافة العنف والرعب وتعكير صفو الأمن والتعايش السلمي في كركوك بأن النتائج ستنعكس عليهم بالدرجة الأولى وعلى مصالحهم».