تؤكد مصادر نيابية ووزارية لبنانية بارزة أن من المبكر الخوض في خريطة التحالفات الانتخابية التي ستدخل القوى السياسية على أساسها الانتخابات النيابية المقررة في السادس من أيار (مايو) المقبل. وترى أن الحديث عن احتمال قيام تحالف انتخابي خماسي يضم «تيار المستقبل» و«التيار الوطني الحر» وحركة «أمل» و«حزب الله» والحزب «التقدمي الاشتراكي» لا أساس له من الصحة، وأنه يأتي في سياق التكهنات الانتخابية التي لا تنسجم مع الواقع السياسي، خصوصاً بين «المستقبل» و «حزب الله»، على رغم أن وجودهما في مناطق انتخابية مشتركة لا يستدعي أي شكل من أشكال التحالف أو التعاون الانتخابي، لأنه يقتصر على دوائر انتخابية محدودة. وتعتقد المصادر النيابية والوزارية نفسها أن الترويج لاحتمال قيام تحالف خماسي تزامن مع التداعيات التي خلقها التباين بين «المستقبل» وحزب «القوات اللبنانية» حول استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري قبل أن يعدل عنها، وتقول إن مثل هذا التحالف غير قابل للحياة بالمعنى السياسي للكلمة، وإن العلاقة بين «المستقبل» و «حزب الله» تقوم على مبدأ «المساكنة» داخل حكومة «استعادة الثقة» على قاعدة التزام جميع المكونات السياسية المشاركة فيها النأيَ بالنفس وتحييد لبنان عن الصراعات في المنطقة وعدم التدخل في شؤون الدول العربية. لا مصلحة في خلاف «القوات» و«المستقبل» وتلفت المصادر عينها إلى أن لا مصلحة ل «المستقبل» و «القوات» في استمرار الخلاف بينهما وصولاً إلى إنجاز معاملات الطلاق السياسي والافتراق، وتعزو السبب إلى أن ما يجمع بين الطرفين من قواسم سياسية مشتركة يدعوهما إلى المضي في الحوار الثنائي لإعادة ترميم العلاقة بينهما، وإن كان الخلاف حول بعض الأمور الداخلية لا يزال يتفاعل، وتحديداً في خصوص إدارة ملف الكهرباء. وترى أيضاً أن أحداً من الأطراف الرئيسة في البلد لا يملك حتى الساعة أي تصور لمسار التحالفات الانتخابية، وبالتالي من المبكر لهذا الطرف أو ذاك إقحام نفسه في لعبة حرق المراحل التي تدفعه إلى الكشف عن أوراقه بلا أي مقابل. وتضيف المصادر نفسها أن خريطة التحالفات السياسية في الانتخابات النيابية التي يعول عليها المجتمع الدولي لإعادة تكوين السلطة السياسية في لبنان لم تتضح بعد، وأن كل ما يشاع من حين إلى آخر حول هذه التحالفات يأتي في سياق تبادل المناورات الانتخابية لعلها تدفع في اتجاه بلورة خريطة التحالفات التي يتطلع إليها كل طرف من زاوية خدمة مصالحه السياسية. وتقول المصادر إن المعارك الانتخابية لن توضع على نار حامية قبل شهرين أو ثلاثة من موعد إجراء الانتخابات، وإن الفترة الزمنية الفاصلة عن إطلاق العملية الانتخابية ما زالت تخضع لاختبار مدى التزام الأطراف المشاركة في الحكومة بسياسة النأي بالنفس، إضافة إلى أن من المبكر لأي طرف، في إشارة إلى «قوى 8 آذار»، أن يستثمر القضاء على المجموعات الإرهابية والتكفيرية في سورية في الترويج الدعائي لمشروعه الانتخابي، على رغم أن هناك من يعتقد بأن تبدل الوضع في سورية لمصلحة النظام الحالي فيه لن يبدل من واقع الحال ويكاد يكون توظيفه ضئيلاً في الانتخابات بسبب الانقسام القائم في لبنان. وترى أن هناك صعوبة أمام أي طرف في أن يباشر التحضير لخوض الانتخابات النيابية، على أساس صعوبة نجاح الجهود الرامية إلى رأب الصدع بين «المستقبل» و «القوات» كمدخل لإعادة ترميم العلاقة بينهما، وتعزو السبب إلى وجود عوامل خارجية وإقليمية يمكنها التدخل في الوقت المناسب لإنقاذ تحالفهما وقطع الطريق على من يراهن على أن علاقتهما وصلت إلى طريق مسدود وأن لا جدوى من الحوار. وتعتبر المصادر الوزارية والنيابية أن الحوار القائم حالياً بين وزير «القوات» ملحم رياشي وزميله وزير «المستقبل» غطاس خوري، يمكن أن يتأرجح بين هبة باردة وأخرى ساخنة، وربما في إطار رغبة كل منهما في تحسين شروط التفاوض، لكن سيعقد في نهاية المطاف لقاء بين الرئيس الحريري ورئيس «القوات» سمير جعجع مهما طال الزمن. وتستبعد المصادر قيام أي تحالف مباشر بين «المستقبل» و «حزب الله»، لأن الأخير سيكون المستفيد الأول منه، وتقول إن إمكان التحالف، ولو على «القطعة» بين الرئيس الحريري وبين رئيس المجلس النيابي نبيه بري، تبقى قائمة، وأن حظوظه إلى ارتفاع مع اقتراب الدخول في المعركة الانتخابية. وتؤكد أن تحالف «المستقبل» الاستراتيجي مع حليفه الجديد «التيار الوطني الحر» لا يعني بالضرورة عزل «القوات» الذي يتفق مع الرئيس الحريري في موقفه من «حزب الله» وسلاحه في الداخل ومشاركته في الحرب بسورية إلى جانب نظام الرئيس بشار الأسد وتدخله في شؤون الدول العربية. وفي المقابل، تقول المصادر إن «التيار الوطني»، في المسألة السياسية، هو أقرب إلى حليفه في «ورقة التفاهم» «حزب الله»، وإن رئيسه الوزير جبران باسيل يراهن على دعم الحزب إياه، وهو تخلى عن «إعلان النيات» الذي جمعه ب «القوات» وكان وراء ترشيح جعجع الرئيس عون لرئاسة الجمهورية بعدما ضمن تأييد «المستقبل» لترشح الأخير للرئاسة. وتسأل المصادر عينها عن مصلحة «المستقبل» في إضعاف الأطراف المسيحية الأخرى لمصلحة باسيل، الذي يبدو انه ماضٍ في طريق شن حرب إلغاء من الوجهة السياسية ضد هؤلاء، لعله يحكم سيطرته بلا أي منازع على القرار المسيحي. لا «شيك على بياض» لباسيل وتضيف أن «حزب الله» وإن كان يخطط لإضعاف «القوات»، فإنه في المقابل لن يمنح باسيل شيكاً على بياض لإضعاف «تيار المردة» برئاسة النائب سليمان فرنجية أو لإضعاف نفوذ حلفائه من المسلمين لمصلحة «المستقبل»، وبالتالي سيلعب ورقة توزيع أصوات مقترعيه في الدوائر الانتخابية التي له وجود فاعل فيها. وبكلام آخر، فإن «حزب الله» ضد إخلاء الساحة المسيحية من خصوم باسيل، كما أن رئيس «اللقاء الديموقراطي» وليد جنبلاط ليس في وارد الدخول في تحالف، تحديداً في دائرة الشوف- عاليه، إذا كان يراد منه إلغاء طرف فاعل في الدائرة أو فرض حصار عليه يمكن أن يخدم الآخرين في عزله. فجنبلاط لا يزال يدعو إلى التوافق في الشوف- عاليه ولا يحبذ عزل أي طرف، ويرى أن هناك إمكاناً لقيام تحالف انتخابي واسع، وبالتالي لن يكون طرفاً في تحالف إذا أريد منه عزل «القوات» وفرض حصار انتخابي عليه، ليس لأنه يتمتع بحضور بارز في الساحة المسيحية فحسب، وإنما لأنه كان شريكاً في مصالحة الجبل التي رعاها البطريرك الماروني السابق نصرالله صفير. وعليه، لن يتمكن الوزير باسيل من أن يستقوي بالآخرين، وخصوصاً بجنبلاط، الذي لديه موقف حاسم من إشراك القوى الرئيسة في تحالف انتخابي في الشوف- عاليه، أو بالرئيس الحريري الذي تمر علاقته ب «القوات» في حالة من التوتر يفترض ان تزول تدريجياً فور بدء التواصل المباشر بينهما. لذلك، فإن المجتمع الدولي بقواه الرئيسة تعاطى بحذر مع قانون الانتخاب الجديد باعتبار أنه يتيح ل «حزب الله» وحلفائه الهيمنة على البرلمان، لكنه في المقابل يصر على إجراء الانتخابات في موعدها تاركاً للبنانيين حرية اختيار من يمثلهم لأن تعذر إنجاز هذا الاستحقاق الانتخابي يعني أن لبنان سيدخل في دوامة من الفوضى السياسية لا تخدم الرغبة الأممية في الحفاظ على استقراره وتحييده عن النزاعات والحروب في المنطقة. عدد ناخبي الخارج تراجع وإلى أن تقرر القوى الرئيسة تشغيل محركاتها الانتخابية، فإن قانون الانتخاب الجديد لن يخضع لأي تعديل، سواء بالنسبة إلى السماح للناخبين في الاقتراع خارج قيدهم الانتخابي أو استخدام الهوية «البيومترية»، وأن ما سيطبق يتعلق باللبنانيين المقيمين في الخارج الذين أجاز لهم القانون الاقتراع في السفارات أو القنصليات اللبنانية في أماكن إقامتهم شرط أن يكونوا قد بادروا إلى تسجيل أسمائهم لدى الخارجية أو في السفارات. وعلمت «الحياة» من مصادر مواكبة التحضيرات الإدارية الجارية على قدم وساق لإجراء الانتخابات في موعدها، أن عدد الذين سجلوا أسماءهم للاقتراع في الخارج بلغ حوالى 92 ألفاً ومئات عدة، وأن التدقيق فيها أدى إلى تراجع عددهم ليبلغ حوالى 82 ألف ناخب بسبب وجود أخطاء في القيود أو في الأوراق الثبوتية التي تقدموا بها. وتبين من خلال التدقيق في اللوائح الخاصة باللبنانيين الذين يحق لهم الاقتراع في الخارج، أن حملات التجييش والترويج التي قام بها وزير الخارجية في جولاته على دول الاغتراب لم تأت بالنتائج المرجوة منها، وإلا لماذا اقتصر عددهم على 82 ألف ناخب؟