شهد العام الدراسي الجاري في بلدات الشمال السوري ومخيمات النزوح فيها، إقبالاً كبيراً لطلاب المدارس بسبب الهدوء الأمني النسبي وتوقف القصف وحركة النزوح في المنطقة، ما شجّع الأهالي على إلحاق أبنائهم بالمدارس وسط رغبة كبيرة منهم أيضاً بالدراسة. وتزامن ذلك مع إطلاق عدد من الخطط التربوية للحد من ظاهرة التسرّب المدرسي التي استفحلت في الأعوام السابقة، وتنفذها مديرية التربية الحرة في اللاذقية والعاملة في ريف إدلب الغربي ومديرية إدلب. وسريعاً لوحظ ارتفاع عدد الطلاب مقارنة بالأعوام الفائتة وتحسن الوضع التعليمي عموماً من ناحية الراحة التي يشعر بها المدرسون وتراجع الخوف من احتمالات قصف المراكز التعليمية واستهدافها، التي أسفرت في السابق عن وقوع عشرات المجازر بحق التلامذة والمدرسين على السواء. لكن هذه الأجواء لا تخلو بالطبع من مشكلات وصعوبات تعيق سير العملية التعليمية. وقال أحد المدرسين في ريف إدلب الغربي ل «الحياة»: «إن تحسن الوضع التعليمي يتجلى في ارتفاع عدد الطلاب والهدوء والاستقرار النسبي في المنطقة، لكن ثمة مشكلات وصعوبات كثيرة، أبرزها عدم توفر الكتب والقرطاسية وغياب الدعم عن المدارس وانقطاع رواتب المعلمين». وفي غياب العدد الكافي من الكتب المدرسية، يعمل المدرسون بأنفسهم على تجهيز الدروس وإعادة نسخها أو كتابتها بخط اليد أحياناً على أوراق منفصلة بعدد الطلاب ويوزعونها عليهم، «وهذا يعتبر عملاً إضافياً شاقاً وعائقاً حقيقياً أمام سير العملية التعليمية بنجاح». وتحدث المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه، عن تقصير كبير من الجهات المسؤولة عن الأمور التعليمية، حيث يجب أن تبذل مديريات التربية جهداً أكبر لتوفير المنهاج والكتب وتأمين دعم مادي للمدرسين وقرطاسية لطلاب، منوّهاً بجهود بعض المنظمات المستقلة التي تدعم بعض المدارس وتؤمن رواتب لطواقمها تبلغ نحو 150 دولاراً. ويبذل الأساتذة جهوداً جبارة في ظروف قاسية وصعبة، لا تقتصر على توفير بدائل من الكتب المدرسية، بل أيضاً تذهب إلى استيعاب أعداد متزايدة من الطلاب يحتاجون إلى مزيد من التحضير، فضلاً عن محاولة الاطلاع دائماً على طرق التعليم الجديدة وتطبيقها. ويستفيد بعض الأساتذة من فصل الصيف للالتحاق بدورات التأهيل وإعداد المدرّسين بإشراف مختصين تربويين، وبدعم من قبل المنظمات المهتمة بالتعليم والتي تسعى أيضاً إلى نقل الواقع إلى الناس في الخارج. وقال مدير «التربية الحرة» في اللاذقية فادي سمهاني، إن «مديرية التربية تشرف على سير العملية التعليمية في ريف جسر الشغور الغربي، وتتبعها 30 مدرسة يبلغ عدد المدرسين فيها حوالى 360 مدرساً ومدرّسة، وتخدم أكثر من 6 آلاف طالب هذا العام. وأوضح سمهاني أن عمل المديرية تراجع في العامين السابقين بسبب النزوح واشتداد القصف، والخوف الكبير الذي عاشه الناس وإحجامهم عن إرسال أولادهم إلى المدارس. لكن على رغم هذه الظروف، تابعت المديرية عملها وتحدّت الوضع واستمرت بوضع الخطط والإسترتيجيات وبالإشراف على المدارس التي بقيت تعمل. لذا، بدأت المديرية هذا العام بحصاد نتائج عملها من خلال ازدياد عدد المدارس التي تشرف عليها وتأسيس مدارس جديدة، ضمن مؤسسة تربوية متكاملة. وعن هيئة التدريس، قال سمهاني إنه مع بداية العام الجاري، أُجريت مسابقة لاختيار المدرّسين والمدرّسات وفق أسس موضوعية وعمل مؤسساتي، فضلاً عن تشكيل إدارة توجيه تضم 12 موجهاً من أصحاب الخبرات تقوم بجولات على نحو دائم على المدارس لتقييم الأداء وتقديم التوجيهات، وإقامة اجتماعات دورية بين المديرية والمدارس للاطلاع على المشكلات ومحاولة إيجاد حلول لها، فضلاً عن تجهيز دراسات وتقديمها إلى الجهات التي يمكن أن تدعم التعليم. أما عن الصعوبات والمشكلات التي تواجه مديرية التربية فهي كثيرة، وأصعبها ما تعانيه مدارس مخيمات النزوح خلال فصل الشتاء بسبب المطر وانتشار الطين والوحول واهتراء الخيم وانقطاع الطرقات ونقص الحاجات الأساسية، كالمقاعد والخيم والألواح، وخصوصاً في المدارس التي تم تأسيسها حديثاً. إلى ذلك، هناك نقص حاد في الدعم المادي، ما يضطر المدرسين إلى العمل تطوّعاً من دون أي مقابل مادي تماماً، كما هو حال كادر المديرية. وقالت هلا علي، وهي طالبة ثانوية في ريف إدلب الغربي، إنها لمست تحسناً ملحوظاً في مستوى التعليم واهتمام المدرسين هذا العام، خلافاً للأعوام السابقة، فضلاً عن اهتمام الأهالي بتعليم أبنائهم وإلحاقهم بالمدارس على رغم تخلفهم عنها سنوات. وتشير هلا إلى أن هناك طلاباً بأعمار كبيرة يدرسون معها في الصف بعد انقطاع عدة أعوام. ويعود سبب ذلك أساساً إلى افتتاح معاهد تعوّض من غياب الجامعات وتتيح للطلاب متابعة دراستهم وتتيح لهم شهاداتها إيجاد فرصة عمل، فضلاً طبعاً عن الجانب الأمني المتمثل في عودة الهدوء إلى تلك المناطق وانحسار القصف. وتلفت هلا إلى تحديات كثيرة، منها المنهاج الدراسي وغياب وسائل النقل وسوء الطرقات وبعد المدراس عن القرى والمناطق السكنية، لا سيما في مراحل التعليم الثانوي. وتتبع غالبية المدارس العاملة في ريف إدلب الغربي «مديرية التربية الحرة» في اللاذقية، ومعظمها يغطي مراحل التعليم كافة، ويحصل الطلاب فيها على شهادتي الإعدادية والثانوية بعد إجراء الامتحانات التي تشرف عليها وزارة التربية والتعليم في الحكومة السورية الموقتة. ويتم الاعتراف بالشهادات التي تمنحها الوزارة في عدد من الدول والجامعات والمعاهد المتواجدة في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات المعارضة، وفي بعض جامعات تركيا.