رنّ الجرس. «يَلاّ، أضيئوا الصالون. أغلقوا هذا الباب. افتحوا ذاك!»... جاء الضيف الكريم، فقامت قيامة الجدة وما قعدت! أعطت الأوامر ثم وقفت إلى جانب ابنها، صاحب البيت، في وضعية الاستقبال بحفاوة. فُتح الباب. «كم أنّ طلّته بهية!»، قالت الجدة في سريرتها. ليس هذا المهم على أي حال، المهم أنه «ابن عائلة»! ادخل إلى الصالون. جلس معه الوالد والوالدة والجدة منتظرين إطلالة ابنتهم، صاحبة الحظ والنصيب. دقائق قليلة تمرّ طويلة، وها هي تدخل الصالون وعلى فمها ابتسامة لطيفة. تمشي خطوات قليلة. تقف قبالة الضيف وتصافحه. هذه زيارته الثانية. المرة الأولى جاء برفقة أمه ليتعرف إلى العائلة التي قد تزوّجه، ذات يوم، ابنتها العشرينية. هو العريس إذاً. والابنة هي العروس. لا يعرف أحدهما الآخر. يخرج الوالد من الصالون، تلحق به الجدة – أمه – وزوجته إفساحاً في المجال للابنة والعريس ليتبادلا أطراف حديث ما. في غرفة الجلوس، تبادر الجدة بصوت خفيض: واضح أنّه آدمي. «سيماهم في وجوههم!». تمرّ ساعة. الجدّة متلهفة لمعرفة فحوى الحديث الدائر في الصالون. تكثف «رحلاتها المكوكية» إلى المطبخ كي يتسنى لها استراق نظرة إلى الصالون أو سماع همسة. تدخل المطبخ، ترى زوجة ابنها، وتقول العجوز: «جعله الله من نصيبها! قولي آمين، قولي!» تبتسم الوالدة ولا تنبس بكلمة. الساعة العاشرة والنصف، يهمّ الضيف بالذهاب. يودّع العائلة، ويخرج. يُقفَل الباب، فتهجم الجدة على حفيدتها بوابل من الأسئلة: كيف وجدته؟ عمّ تحدثتما؟ لطيف، أليس كذلك؟ أحسست بهذا! تقول الجدة ما تقول، لكن أحداً لا يجيبها، فتصدّق كلامها. في غرفة الجلوس، تلتفت الأنظار نحو الابنة، إذ عليها أن تدلي الآن بانطباعها. لا ابتسامة على وجهها، ولا تكشيرة. عيناها خاليتان من أيّ تعبير. «سخيف»، كانت هذه أوّل كلمة تنطق بها الابنة عن العريس، بعد طول سكوت وشرود. «سخيف»، تكرّر. الجدة ترتبك، لا يروقها كلام حفيدتها، فتستفهم: فيمَ تحادثتما؟ «لا شيء مهم»، تردّ الحفيدة. «كلما حاولتُ الخوض في موضوع قيّم، لا يأخذه على محمل الجدّ. «أسأله عن تحصيله العلمي، فيجيب: «كم كانت أيام الجامعة حلوة!». أسأله عن عمله، فيقول إنه يحبّ أن يدلّل نفسه. «غنوج!»، تضيف ساخرة، «أريد أن أتزوج رجلاً، لا غنوجاً!». تنتفض الجدة لتختلق الأعذار: «غنوج... هذا لأنه وحيد أمه!». «حديثه فارغ»، تقول الابنة. تجيبها الجدة: «عظيم! هذا لأنه ما اعتاد الحديث إلى البنات! الحمد لله جاءكِ شخص آدمي!». وهكذا، أخذت الجدة تحاول تبرير كلّ علّة تجدها الابنة في العريس. وعندما يتعذّر عليها تبرير إحدى السيئات، تلجأ إلى التقليل من أهميتها... المهم، لدى الجدة، أنّه «آدمي ابن عائلة»، ويوافقها ابنها. ولكنْ، ما معنى «آدمي»؟ على هذا تجيب الجدة: «الآدمي يمشي في طريق مستقيم، لا اعوجاج في سلوكه. لا يثمل، لا يقامر، ولا يلاحق النساء!»، تشدد الجدة على الجملة الأخيرة، وهي تقولها بحزم. تخرج الابنة من غرفة الجلوس. تتوقّف قليلاً لتتساءل: «ألا يمكن ابن العائلة - «الآدمي» هذا - أن يكون أنانيّاً، جباناً، متعجرفاً أو غبيّاً مثلاً... ستجرّب لاحقاً طرح السؤال على والدها.