قبل سنوات وفي أحد شوارع الرياض شاهدت مجموعة من الشبان يعتدون على شخص بالضرب بطريقة عنيفة، ولم أكن أعلم عن السبب الذي يستوجب كل هذا الضرب، ومع مرور الوقت بدأ الفضوليون يتجمعون في محيط المعركة، قبل أن يتدخل هؤلاء للمشاركة في ضرب ذلك الشخص، وبلغ الأمر أن أوقف أحد المارة سيارته وترجّل لإنقاذ الضحية مردداً عبارات يطالب المعتدين فيها بالتوقف عن الضرب، وبعد محادثة قصيرة مع أحدهم انضم المنقذ إلى المجموعة وبدأ بضرب الشخص، قبل أن تتدخل الشرطة لفض التجمع وإنقاذ الرجل الذي كاد أن يفقد حياته، وبعد سؤال أحد المعتدين قال إن الشخص كانت تفوح منه رائحة الخمر! الرجل كاد أن يفقد حياته على أيدي مجموعة من الشبان الذين تقمّصوا دور حراس الفضيلة من دون صفة رسمية، وكأن عقوبة شارب الخمر في الشريعة القتل في الطريق! وقبل نحو يومين ارتكبت القوة الأمنية المكلفة بتأمين مباراة الهلال والنصر في إستاد الملك فهد «هفوة» غير مبررة ولا تليق بسمعة بلادنا، حين قبضت على رجل ثمل وبحوزته مشروب كحولي ثم أودعته في سيارة الشرطة، قبل أن تعود وتنزله من السيارة لتسمح لمراسل إحدى القنوات التلفزيونية بالتحقيق معه أمام الكاميرا وأمام ملايين المشاهدين، في مشهد يسيء لرجال الأمن أولاً قبل أن يسيء للقناة. ضباط القوة الأمنية ومراسل القناة استفادوا من حال «السكر» التي كان عليها ذلك الشخص وطلبوا منه التحدث أمام الكاميرا، حتى أن المراسل بدأ يحقق معه عن المبلغ المالي الذي يحمله، وينبش في جيبه عن أوراق لا تخص المراسل ولا المشاهد في شيء، حتى بلغ الأمر درجة الامتهان حين أُرغم ذلك الرجل على إخراج أوراق تخصه للدفاع عن نفسه وكأنه في مخفر الشرطة، بعدما اعتبرت القوة الأمنية أن وجود مبلغ 19 ألف ريال بحوزته جريمة تستدعي التحقيق معه أمام كاميرات التلفزيون! وأود هنا أن أوجّه تساؤلات إلى المسؤولين في شرطة الرياض. هل تم فتح تحقيق رسمي مع ذلك الشخص؟ وهل تمت إدانته قبل السماح للقناة التلفزيونية بالتحدث إليه؟ ولو رغبت أية وسيلة إعلامية في التحدث مع متهم قبل التحقيق معه هل ستسمح الشرطة بذلك؟ ولو كان هذا الشخص اعتقل في حال سكر وهو يحمل تذكرة جلوس في المنصة هل سيتم السماح للقناة التلفزيونية بإجراء المقابلة معه؟ حقيقة لا ألوم القناة التلفزيونية التي بحثت عن سبق إعلامي، مع أنه سبق لا يمت لأخلاقيات المهنة بصلة، فهي في النهاية استفادت من جهل ضباط القوة الأمنية بأبسط واجباتهم بحماية المواطن من نفسه أولاً ومن الذين يحاولون استغلاله بأي طريقة. ومع الأسف النتيجة كانت إدانة هذا المواطن في موقع الحدث من دون تحقيق رسمي، بل وتقديمه هدية لقناة تلفزيونية لإجراء التحقيق معه أمام الملأ، ما عرّض هذا المواطن وعائلته للأذى في مجتمع محافظ لا ينسى الفضائح بسهولة. ولا أعتقد أن هذا الشاب يريد أن يفيق من سكرته لأنه لن يستطيع مواجهة مجتمعه مجدداً بعدما تعاون عليه من لا يفقهون واجباتهم، فبدلاً من التحقيق وعقوبة الجلد شرعاً أبتلي هذا الشاب بعقوبة لا توازي جريمته. ولا أبالغ أن الأمر مخجل ومسيء لسمعة شرطة الرياض، ومن غير المنطقي عندما يرتبط مراسل قناة تلفزيونية بعلاقة صداقة مع أحد ضباط الشرطة أن تكون النتيجة امتهان كرامة مواطن أمام كاميرات التلفزيون واتهامه وإدانته ومعاقبته تلفزيونياً من دون إجراء رسمي يحفظ كرامته. هل وصلنا إلى هذه المرحلة؟ [email protected]