لم أشاهد منذ فترة البرامج الحوارية الرياضية وبالذات التي تأتي عقب المباريات وتحللها، لأنها أصبحت في المحصلة برامج فارغة من المحتوى الذي ينبغي أن يقدم للمشاهد، كما أن المشاركين فيها من الصحفيين الرياضيين يعتقدون أنهم يمتلكون تلك السلطة المستبدة التي بإمكانها قمع المشاهد بالرأي الواحد لكل طرف، والإصرار عليه وعدم الرؤية للصورة إلا في حدود فريقه الذي يشجعه. هذه الحدود التي صرفت الكثير عن المشاهدة ينبغي أن تدفع هذه القنوات إلى البحث والدراسة وتحسين أدائها، واستضافة من يطرح رأياً ويناقش وليس يشجع فريقه، لكن مع ذلك ظل هناك متابعون لمثل هذه البرامج، وهذا السبق الذي تعتقده يُقدم للمشاهد، من خلال آراء تعصبية، عنيفة.. لكن أن تنزلق هذه القنوات إلى ما هو خارج منظومة التعصب، والتشجيع فهذه هي الكارثة، أو السابقة الخطيرة والتي ينبغي أن يقف الإعلام أمامها بهدوء وتركيز، وإنصاف وليس كالعادة من خلال الاعتقاد بأن كل شيء قابل للعبور وعدم التوقف.. وقد أذهلني منذ نهاية مباراة النصر والهلال الأحد الماضي ما قامت به إحدى القنوات الرياضية من استضافة لشاب مخمور في برنامج لها عقب المباراة.. أقصد مواطنا سعوديا شابا أخطأ بشرب الخمر، أو لنقل ارتكب المعصية وذهب إلى استاد الملك فهد للمشاهدة، وبحوزته مشروب كحولي، وكما جاء في مقال الزميل طلال الحمود بجريدة «الحياة» بأن (القوة المكلفة بتأمين مباراة الهلال والنصر في استاد الملك فهد قبضت على رجل ثمل وبحوزته مشروب كحولي ثم أودعته في سيارة الشرطة، قبل أن تعود وتنزله من السيارة، لتسمح لمراسل إحدى القنوات الرياضية التلفزيونية بالتحقيق معه أمام الكاميرا، وأمام ملايين المشاهدين في مشهد يسيء إلى رجال الأمن أولاً، قبل ان يسيء إلى القناة). المصيبة الكبرى تحول هذا المراسل الذي اعتقد انه حقق سبقاً صحفياً عالمياً، وأتصور ذلك لأن القنوات في العالم تحاسب من يرتكب مثل هذا الجرم بالتحقيق ومن الممكن سحب ترخيصه لأن ما قام به غير أخلاقي وغير إنساني حين عرّض إنساناً فاقداً للوعي، ولا يعي ما يقول إلى مادة دسمة أمام المشاهدين، انتزع منه حقه الطبيعي في أن يدافع عن نفسه لو كان متيقظاً.. أقول تحوّل هذا المراسل إلى محقق من خلال بحثه عن أسباب وجود 19 ألف ريال في جيب هذا الرجل، وبلغ الأمر قمة الإهانة وامتهان الكرامة عندما طُلب منه إخراج جميع الأوراق التي في جيبه لمعرفة ما بها، خاصة ان القوة الأمنية اعتبرت وجود 19 ألف ريال معه جريمة تستدعي التحقيق أمام الكاميرات. الأسئلة هنا متعددة لكن أهمها: لماذا قامت القوة المكلفة بالقبض عليه بتسليمه إلى المراسل ليسجل هذا السبق؟ وهل سُجل عليه الجرم رسمياً وبالتالي بعدها بدقائق تمت مصادقة اعترافاته على الهواء؟ وهل هذه القوة فقط مهمتها القبض على من يدخل إلى الاستاد ثملاً فقط وتسليمه إلى الشرطة؟ أم تسليمه إلى القنوات الفضائية؟ أم تولّي التحقيق معه؟ وهل نشاهد مستقبلاً شباباً يدخلون إلى الملاعب ويُقبض عليهم إما ثملين أو مدمنين أو بحوزتهم ممنوعات ويباشر استجوابهم على الهواء؟ ما حصل لا يمت إلى أخلاقيات مهنة الإعلام بأي حال من الأحوال، وعلى الجهات المسؤولة اتخاذ اللازم حيال ذلك، وفي الوقت نفسه يطرح ما هو أخطر حدود مهنة هؤلاء المراسلين، وفهمهم لماهية العمل، حدود نشر الفضائح، وحدود نشر ما ينبغي نشره، لكن الأخطر هو ما قامت به هذه القوة التي قبضت على الشاب.. ولماذا سلمته إلى القناة؟ ولماذا جعلت منه الحدث الأبرز؟ ولماذا لم يترك أمره إلى الجهات المسؤولة تعاقبه على جرمه كما نصّ الشرع، وليس كما نصت مواد الإعلام المستحدثة! من المؤكد أن الشاب لم يكن يعي ما يقول، أو يجري حوله، ومن المؤكد أن أبسط حقوقه في الدفاع عن نفسه قد سُلبت، ومن المؤكد أن ما تم نقله مخالفة صريحة لنظام الاجراءات الجزائية الذي يكفل للمتهم كرامته، ويضمن معاملته معاملة إنسانية، وإذا ثبت أن هذا الشاب كان متعاطياً للخمر بالتالي هو فاقد لوعيه اثناء اللقاء وإرادته، وعليه رفع القضايا على من استغل حالته! يقول القاضي حمد الرزين في المحكمة العامة في منطقة الرياض إن خروج هذا الشاب في لقاء تلفزيوني وهو مخمور مسؤولية الجهة القابضة «الشرطة» وهو لا يحاسب على أفعاله وهو سكران وإنما يقع الحساب على الشرطة لأنه تحت سيطرتها، وهو أيضاً لا يعتبر مجاهراً بالمعصية لأنه في حال غير طبيعية، ولكن يقام عليه حد المسكر، وفي حالة ثبوت الشرطة بتسليم الشاب إلى القناة فعلى أسرته رفع دعوى أمام القضاء ضد الشرطة لأنها أسهمت في التشهير به. ما حدث سابقة خطيرة على من ارتكبها أن يُشهر به أيضاً، وينشر عقابه للرأي العام وبصورة سريعة وليست مؤجلة والسبب الأهم لأننا نعيش في مجتمع من الصعب أن ينسى فضائحه بسهولة، وقد يتذكرها مَن حوله لسنوات، حتى وإن حاول هو وأسرته نسيانها. علينا رد حق هذا المواطن وكرامته هو وأسرته التي أُهينت على الملأ ممن تتساوى عندهم كرامة الناس وإهدارها بالسبق الإعلامي، والجهل بالقوانين والأنظمة واعتبار ان بعض المواقف قد تكون مثيرة.