توافد مواطنون سوريون أمس إلى مراكز الاقتراع، للمشاركة في المرحلة الثانية من انتخابات تنظمها الإدارة الذاتية الكردية على ثلاث مراحل في مناطق سيطرتها في شمال سورية. وكانت المرحلة الأولى من هذه الانتخابات غير المسبوقة أجريت في 22 أيلول (سبتمبر) الماضي، وهي الأولى منذ إعلان النظام الفيديرالي في «روج أفا»، أي غرب كردستان. وفتحت أبواب الاقتراع في مناطق سيطرة الأكراد عند الساعة الثامنة صباحاً، على أن تقفل عند الساعة الثامنة مساء. وقال محمد صالح مصطفى، أحد الناخبين في مدينة القامشلي (شمال شرق)، «هذه المرة الثانية التي أشارك فيها في الانتخابات (بعد المرحلة الأولى)، أنا سعيد بذلك وبأن لنا حرية اختيار الشخص الذي سيقوم بخدمتنا». وأضاف: «في السابق، كنا نشارك خوفاً من الأجهزة الأمنية» التابعة للنظام السوري. وتنقسم الانتخابات في «روج أفا» إلى ثلاث مراحل، الأولى التي أجريت في أيلول الماضي وتم فيها اختيار الرئاسات المشتركة (كل رئاسة تضم رجلاً وامرأة) لما يطلق عليه الكومونات، أي اللجان المحلية للحارات والأحياء. وسيتم في المرحلة الثانية التي انطلقت أمس انتخاب مجالس محلية للنواحي والمقاطعات التي يتألف منها كل إقليم من أصل ثلاثة يشكلون «روج أفا». ويصار في المرحلة الثالثة والنهائية في 19 كانون الثاني (يناير)، الى انتخاب «مجلس الشعوب الديموقراطية» لكل من الأقاليم الثلاثة التي ستتمتع بصلاحيات تشريعية محلية. كما سيتم في اليوم نفسه انتخاب «مؤتمر الشعوب الديموقراطية» العام، الذي سيكون بمثابة برلمان عام على رأس مهماته تشريع القوانين ورسم السياسة العامة ل «النظام الفيديرالي». وفتحت مراكز الاقتراع أبوابها في الساعة الثامنة صباحاً، بالتوقيت المحلي في أقاليم عفرين والفرات والجزيرة التي تتضمن ست مقاطعات، وهي الحسكة والقامشلي وعين العرب (كوباني) وتل ابيض (كري سبي) وعفرين والشهباء. وذكرت وكالة «هاوار» الكردية أن عملية التصويت ستنتهي في الساعة الثامنة مساء، بموجب القرار الصادر عن «المفوضيات العليا المستقلة للانتخابات». وأوضحت الوكالة أن المواطنين يختارون إدارة «البلدات والنواحي والمقاطعات»، مؤكدة إغلاق الأسواق والمراكز والمؤسسات تحضيراً للانتخابات. وأعلنت الرئيسة المشتركة لمجلس الفيديرالية الديموقراطية لشمال سورية هدية يوسف أن الانتخابات تشهد منافسات قوية بين القوائم المشاركة، قائلة إن هذا يوم تاريخي «كونه المرة الأولى في تاريخ سورية يعبر فيها الأهالي عن آرائهم في انتخابات خاصة بالإدارة المحلية بحرية تامة وفي أجواء ديموقراطية». وذكرت أن عدد المرشحين في جميع مناطق «الإدارة الذاتية» في سورية يبلغ 5720 شخصاً، وستجرى الانتخابات في 1324 مركزاً بإشراف أكثر من 8 آلاف معلم. وأضافت هدية يوسف أن قائمتين تتنافسان في الانتخابات في محافظة الحسكة هما «قائمة الأمة الديموقراطية» التي تضم 18 حزباً، وقائمة «التحالف الوطني الكردي» وتضم خمسة أحزاب. وأردفت أن قائمتين تتنافسان في منطقة عفرين هما قائمة «الأمة الديموقراطية» وتتألف من ثلاثة أحزاب، وقائمة «حزب الوحدة الديموقراطي الكردي في سورية (يكيتي) إلى جانب عدد من الشخصيات المستقلة. وأوضحت يوسف أن أكثر من 15 منظمة مدنية وحقوقية من داخل الشمال السوري تراقب الانتخابات، إضافة الى وفد من إقليم كردستان العراقوتركيا. وقبل اندلاع النزاع عام 2011، عانى الأكراد الذين يشكلون أكثر من 15 في المئة من سكان سورية، من التهميش على مدى عقود. وبدأوا بتعزيز موقعهم بعد انسحاب القوات النظامية تدريجياً من مناطقهم ما سمح لهم بالسيطرة على مناطق واسعة في شمال وشمال شرق البلاد. وبرزوا في وقت لاحق كالقوة الأكثر فاعلية في القتال ضد تنظيم «داعش» بتسليح ودعم من التحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة. وفي آذار (مارس) 2016، أعلن الأكراد النظام الفيديرالي في مناطق سيطرتهم التي قسموها الى ثلاثة أقاليم هي الجزيرة (محافظة الحسكة، شمال شرق) والفرات (شمال وسط، تضم أجزاء من محافظة حلب وأخرى من محافظة الرقة) وعفرين (شمال غرب، تقع في محافظة حلب). ويذكر أن الحكومة السورية لا تعترف بالفيديرالية الديموقراطية، التي أسسها الأكراد شمال سورية بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة، كما أنها لا تعترف بالانتخابات في مناطق سيطرة الأكراد ووصفتها بأنها «مزحة». وتسيطر قوات كردية مع حلفائها الآن على أكبر جزء من سورية خارج سيطرة حكومة الأسد. وانتزعت مساحات واسعة من تنظيم «داعش» بدعم الولاياتالمتحدة التي قدمت لهم السلاح والغطاء الجوي والمستشارين، على الأرض على رغم معارضة واشنطن خططهم للحكم الذاتي. ويقول قادة أكراد إن هدفهم هو الحكم الذاتي داخل سورية وليس الانفصال. لكن نفوذهم أثار غضب أنقرة التي تعتبر «وحدات حماية الشعب» الكردية ،امتداداً لحزب العمال الكردستاني المحظور الذي يخوض تمرداً منذ عقود في تركيا. وتعهد الأسد باستعادة كل شبر من سورية، واستعاد بالفعل مساحات كبيرة في شكل سريع خلال العامين الماضيين بمساعدة روسيا وإيران. مقاطعة وأعلن المجلس الوطني الكردي أمس مقاطعته الانتخابات واعتبر أنها تجرى «في ظل سلطة الحزب الأحادية، التي تمارس قمعاً ممنهجاً ضد كل من يخالف الرأي»، وأنه ليس معنياً بها ولا بنتائجها. ودعا البيان إلى الكف عن هذه السياسات «المرفوضة والمدانة» والعمل بدلاً منها، «على بناء مناخ صالح يمهد لتقارب وتلاقي المواقف ووحدة الصف الكردي في هذه المرحلة الدقيقة والمفصلية في حياة الشعب الكردي وفي سورية المستقبل».