"بسطة خير السعودية" تحتضن أكثر من 80 بائعًا جائلًا وتحقق نجاحًا لافتًا في بريدة    بنك الرياض والرياض المالية يطلقان "محفظة العطاء الإسلامي" بقيمة 30 مليون ريال دعمًا للمجتمع    تراجع أسعار النفط مع توقعات بزيادة الإمدادات الروسية    رئيس أرامكو يسلّط الضوء على فرص النمو والاستثمار في الصين    البدء في تطوير ساحة قصر عالي والمنطقة الحضرية بقرية العليا    سدايا" تُسهم في تعزيز الوصول إلى مجتمع معرفي فاعل.. قوامه الإبداع والابتكار بتقنيات البيانات والذكاء الاصطناعي    الرقابي يشيد بتطور العلاقات بين المملكة وموريتانيا يوما بعد يوم في كافة المجالات    رفضوا التهجير وأيدوا إعمار غزة.. اللجنة العربية الإسلامية والاتحاد الأوروبي: المؤتمر الدولي برئاسة السعودية وفرنسا ضروري لحل الأزمة الفلسطينية    دور محوري للسعودية في تقريب وجهات النظر.. جولة جديدة لمحادثات السلام بين روسيا وأوكرانيا    الغارات الأمريكية تتواصل على الحوثيين    تعرف على مواعيد مباريات نصف نهائي الأمم الأوروبية    المنتخب الوطني يكثف تحضيراته لليابان.. ورينارد يتحدث للإعلام    تشارك في "هانوفر ميسي" بألمانيا.. «الصناعة والتعدين» تستعرض فرص الاستثمار    زراعة الكلى في برامج "بر جدة".. أحلام تلامس الواقع    ضبط مفحطين عرضوا حياة الآخرين للخطر    دشّن المركز الكشفي للمهارات والهوايات الطلابية بحلته الجديدة .. أمير المدينة: القيادة الرشيدة تدعم قطاع التعليم باعتباره ركيزة أساسية لتطوير المجتمع    حجز479 شاحنة أجنبية مخالفة لأنظمة النقل    أفلام جديدة تنافس في موسم عيد الفطر    تجديد بنائه بالمواد الطبيعية من أحجار جبال السروات والأخشاب المحلية.. مشروع الأمير محمد بن سلمان يعيد العناصر الجمالية لمسجد المسقي    مشروع الأمير محمد بن سلمان يحافظ على الاستدامة في مسجد الحصن    إنما تقاس قيمة الأمم وقوتها بأخلاقها    درع الوطن وراحة ضيوف الرحمن    إنهم يسيئون للحرم    تحدّيث الاشتراطات الصحية في حج 1446ه    الدلع.. سلوك مقيت يقود إلى الفشل وضعف الشخصية    مباحثات أوكرانية - أمريكية في الرياض        الصحة تحدّث اشتراطات الحج لعام 1446ه لضمان سلامة الحجاج    صافرة الكويتي"العلي" تضبط مواجهة السعودية واليابان    "أبها" الأنقى هواءً في المملكة خلال عام 2024    مصر تستضيف البطولة العربية للأندية 2025    «مسام» يطهّر 217,657 متراً مربعاً من الأراضي اليمنية خلال مارس    صحف يابانية: غياب سعود عبدالحميد صدمة قوية للأخضر    الخليج يعاود تدريباته    انتقادات حادة لنيمار بسبب قميص    المديرية العامة للسجون تشارك في معرض وزارة الداخلية للتعريف بالخدمات المقدمة لضيوف الرحمن بمحافظة جدة    أمريكا وإيران: التهديدات والفرص معادلة مختلة    523 جولة رقابية لتجارة الباحة    الفريق الفتحاوي يستأنف تدريباته خلال فترة التوقف الدولي بغياب عدد من لاعبيه الدوليين    يريدون سوريا قلبًا لهم    «سلمان للإغاثة» يوزّع 594 سلة غذائية في مديرية الروضة بمحافظة شبوة    %85 رضا السعوديين عن الرعاية الأولية    57 رخصة مياه شرب معبأة بالمناطق    قاعدة بيانات وعلاج مجاني لمرضى السكري والسمنة    آل الشيخ: إقامة صلاة عيد الفطر بعد شروق الشمس ب15 دقيقة    جامعة الملك سعود تستقطب طلبة الدراسات العليا المتميزين    «الخيمة الثقافية» تستقطب «20» ألف زائر في رمضان    أمير تبوك يطلع على تقرير أعمال فرع وزارة التجارة بالمنطقة    رئيس الحكومة المغربية يصل إلى المدينة    رئيس وزراء باكستان يؤدي العمرة ويغادر جدة    رئيس الحكومة المغربية يصل المدينة المنورة    مبادرة "بسطة خير السعودية" بالشرقية تشهد ١٥ ألف زائر للأركان والفعاليات الترفيهية    ذكرى البيعة.. تلاحم قيادة وشعب    دراما تشبهنا    كعب أخيل الأصالة والاستقلال الحضاري 2-2    عناق جميل بيعة ودعم وعيد    أكشاك مؤقتة لوجبات إفطار الصائمين    سمو ⁧‫ولي العهد‬⁩ يستقبل أصحاب السمو أمراء المناطق بمناسبة اجتماعهم السنوي الثاني والثلاثين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البوعزيزي و «السجينة - البريئة» ... الوجه الآخر للثورة التونسية
نشر في الحياة يوم 21 - 04 - 2011

عمّت الفرحة أرجاء المحكمة الإبتدائية بسيدي بوزيد وعلت الزغاريد عندما أعلن القاضي براءة «عون التراتيب» فايدة حمدي، وهي التي ظلّت في نظر كل العالم مذنبة بعد اتهامها بصفع محمد البوعزيزي في السابع عشر من كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وكال لها الناس وابلاً من الشتائم والتهم على مواقع الإنترنت كما لم تنصفها وسائل الإعلام على امتداد أربعة أشهر. واستند الدفاع إلى عدد من النقاط التي ساهمت في إعلان حكم البراءة من بينها إيقاف حمدي «بأمر من الرئيس المخلوع لأهداف سياسية»، فضلاً عن توافق كل الشهادات على نفي فرضية صفعها للبوعزيزي. وبقيت قضية البوعزيزي وفايدة لوقت قريب موضوعاً محرماً، بينما سعى كثيرون للخوض فيه والحديث عنه بإطناب. في البدية كانت أحاديث جانبية ومتفرقة على موقع «فايسبوك» أو في المقاهي وداخل البيوت، ليصبح بعد ذلك موضوعاً للنقاش في كثير من الصفحات التي تضمّ المئات والآلاف، ليتحول بعد ذلك إلى موضوع تناقشه الإذاعات والصحف. إنه من المواضيع الأكثر تداولاً في تونس هذه الأيام، وبخاصة لدى العائلات التونسية: محمد البوعزيزي وفايدة حمدي.
البوعزيزي الذي ظلّ ما يزيد عن ثلاثة أشهر حديث الناس وشاغلهم إذ اعتبره كثيرون شهيد الثورة التونسية، ومُطلق شرارتها الأولى ورمزها. ولئن صمت الرافضون لهذا الموقف في البداية لاعتبارات عدة، أهمّها ما اتسم به الشارع التونسي من غلوّ في التعامل مع البوعزيزي، إلاّ أن أقلاماً وأصواتاً كثيرة ارتفعت خلال الأسبوعين الأخيرين لتخالف ما ذهب في ظنّ أغلب أفراد الشعب، وكذلك الرأي العام العالمي من أنّ البوعزيزي كان ضحية «عون التراتيب» فايدة حمدي صاحبة «الصفعة الافتراضية» التي أدت بالبوعزيزي لإضرام النار في جسده يوم 17 كانون الأول (ديسمبر) أمام مقر ومحافظة سيدي بوزيد في الوسط الغربي لتونس، هذه الصفعة التي أثبت القضاء أنه لا وجود لها أصلاً.
ومنطلق تحرك عدد من الإعلاميين وحتى الناس العاديين، ما تعرضت له عون التراتيب البلدية من ظلم قانوني وشعبي يرى كثيرون أنه بسبب تحويل قضيتها إلى قضية سياسية في الأساس، اذ أمر الرئيس المخلوع باعتقالها سعياً منه لامتصاص غضب الشارع وإرضاءً لوالدة البوعزيزي التي استقبلها في قصره في ضاحية قرطاج، ثمّ تواصل الظلم عليها بعد قيام ثورة 14 كانون الثاني (يناير) بدعوى أنّها السبب في إقدام الشاب على حرق جسده بعد أن «صفعته» و «أهانته». ويبدو من خلال محاضر البحث ومن خلال شهادة الشهود أن لا شيء من ذلك قد حدث، وأنّ حكاية «الصفعة» لم تكن سوى سيناريو خيالي تمّ حبكه بإحكام وصدّقه الكثيرون في وقت كان ملائماً جداً لتمرير «كذبة» أو «إشاعة» أو أي حكاية لتجد أرضية خصبة تنمو فيها وتترعرع ويبني من خلالها العامة أسطورة ويصنعون رمزاً، إذ يبدو أن الشعوب العربية لا يمكنها أن تعيش حياة سويّة من دون أن تصنع رمزاً يقودها، وعلى رغم أن كل العالم يدرك تماماً أنّ الثورة التونسية جاءت عفوية ولم يرافقها أي تأطير أيديولوجي ولا فكري، كما لم يكن للنخب أي دور فيها، إلاّ أن هذا لم يمنع البعض من الانطلاق في صناعة أسطورة سرعان ما تهاوت أمام المعطيات الجديدة والتي فنّدت أو كادت ما ذهب إليه كثيرون.
وظلّت فايدة حمدي «عون التراتيب البلدية» رهن الاعتقال منذ أواخر شهر كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي وإلى غاية يوم الثلثاء الماضي، حين تمّ إطلاق سراحها بعد أن برأتها المحكمة الإبتدائية في سيدي بوزيد. واستغرقت المرافعة ما يزيد على 35 دقيقة ولم يقع الإفراج عنها في الأيام الماضية على رغم أن شهادات الشهود وكل المعطيات تصبّ في مصلحتها وفق ما أكدته محاميتها في أكثر من مرة. ولكن، ووفق المحامية، تردد القاضي في إعلان حكم البراءة معللاً ذلك بخشيته من رد فعل الشارع.
وكانت القضية أخذت منعرجاً آخر خاصة بعد أن بادرت المذيعة علياء رحيم وفتحت الملف على موجات إذاعة المنستير ودعت لذلك محامية فايدة حمدي وشقيقها وأحد الحقوقيين وهو ما صنع حراكاً من نوع آخر لدى الشارع التونسي، حيث كان تفاعل العديدين مع الملف. ومن ثمّ كانت لبعض الصحف مقالات ومتابعات للقضية لتأخذ الآن أبعاداً أخرى بعد أن ناقشت الموضوع بعض الإذاعات الأجنبية لافتة نظر العالم إلى ما تعانيه مواطنة تونسية كل ذنبها أن النظام التونسي السابق أرادها كبش فداء، فلم تنجُ من سلطانه، ثمّ جاءت الثورة ليقف بعض أصحاب المصالح الضيقة في وجه الإفراج عنها أو تمكينها من محاكمة عادلة كما ينص على ذلك القانون التونسي. علماً أن عائلة البوعزيزي حظيت برعاية كبيرة قبل الثورة وبعدها مادياً ومعنوياً وإعلامياً وانتقلت للعيش في إحدى الضواحي الشمالية للعاصمة (المرسى تحديداً).
واليوم أخذ الشارع التونسي - بما في ذلك أبناء سيدي بوزيد - يتعامل مع القضية بعقلانية أكثر وينظر إليها في شكل محايد بعيداً من العاطفة، وإذا علمنا أن أغلب عائلات الشهداء الذين سقطوا بآلة القمع البوليسية للنظام السابق ترفض أي تعويضات أو تكريمات وتطالب فقط بمحاسبة كل من كان له دور في سفك دماء التونسيين، نفهم النقلة الكبيرة في نظرة الشعب التونسي اليوم للبوعزيزي الذي اعتبره كثيرون في بداية الثورة أنه رمزها ومؤجج شرارتها، وكيف تغيرت تلك النظرة اليوم بعد أن استفاق الناس من «سكرة» الثورة ليتعاملوا مع الموضوع بعيداً من القداسة والشخصنة. وجاء في تعليق لأحد الشبان في صفحة تضامن مع فايدة حمدي هذه الجملة: «ألا يكفي أنّ الشعب ظلّ يعبد بورقيبة وبن علي لما يزيد عن نصف قرن، حتى تصنعوا لنا إلها جديداً؟». واختتم تعليقه بالقول: «هذه الثورة صنعها كل الشعب بكل فئاته ولا فضل لواحد على الآخر، لذلك يجب أن نبتعد عن تقديس أيّ كان، ويجب أن تأخذ «عون التراتيب» حقها في محاكمة عادلة».
وقالت حياة في تعليق على أحد المواضيع حول فايدة: «قضية فايدة حمدي والحكم عليها ستكون قضية القرن في السخافة والظلم وإهانة للثورة التونسية... كما أنها شاهد على استمرارية قرارات بن علي وأجهزته المتعفنة». وكتبت مواطنة تونسية في إحدى صفحات التضامن مع «عون التراتيب البلدية فايدة حمدي»: «سامحينا يا فادية فقد رضينا بدور المتفرج على المظلمة التي ترتكب في حقك... فمن صادر الأفكار والأعمار وقتل ونهب وخطف وتطاول وتجبر وتسلط ينعم بالحرية رغم أنف الشعب والثورة وأنت جعلوا منك كبش فدائهم... أي عار هذا وأي خزي هذا؟».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.