بدأ الحراك الإصلاحي في الأردن مبكراً، وليس مرتبطاً بما حدث في مصر وتونس، وإن أضافت الأحداث العربية أبعاداً سياسية واهتماماً إعلامياً ودولياً كبيراً بكل ما يحدث، ويمكن أن نتذكر على سبيل المثال حركة العاملين في الميناء، وعمال الزراعة والمعلمين والتي أشير إليها مبكراً على أنها تحرك مجتمعي جديد يعبر عن المواجهة بين المجتمعات وتحالف السلطة والشركات، أو مواجهة مع حكم رجال الأعمال والمقاولين الذي ساد فترة من الزمن. وبالطبع تطورت الحركات المطلبية واتسعت لتشمل قطاعات واسعة في القطاع العام والقطاع الخاص، او لتمتد إلى مطالب عامة إصلاحية وسياسية، ثم تحولت إلى تظاهرات واسعة كل يوم جمعة لتشمل خريطة واسعة بدءاً من تحرير الأهواز! مروراً بمواجهة التطبيع والسلام مع اسرائيل والإصلاح الدستوري، والتشريعي، ومواجهة الفساد، وتحسين الحياة، والرواتب والأسعار...، ثم دخلت الحركات السياسية التقليدية في كرنفال واستعراضات حزبية (تحيي العظام وهي رميم). اليوم نحتاج ربما إلى وقفة مراجعة وتقييم لنفهم مشهد الحراك القائم والمتشكل ونحاول الإجابة إن كان يعبر عن أهدافه المفترضة ويسير في اتجاهه الصحيح أم أنه يمضي إلى صراعات وتحالفات نخبوية (في السلطة والمعارضة) بعيدة من الأولويات والاحتياجات الحقيقية، وملاحظة عمليات الإفساد والإفشال والاختراق التي تمارسها جهات سياسية حكومية ومعارضوية، ثم لنقدر الفجوة بين الشارع والنخب، وعندما أقول النخب فأعني بذلك قيادات السلطة التنفيذية والحركات والأحزاب السياسية، .. والشركات والأعمال التجارية أيضاً. حتى 24 آذار والأجهزة الأمنية تتعامل مع التظاهرات باستيعاب و «طول بال» فما الذي تغير يوم 24 آذار؟ لماذا (حتى في حالة قرار فك الاعتصام) اتخذ قرار بالعنف؟ لماذا لم ينه الأمن الاعتصام بطريقته وخبراته السابقة الأقل عنفاً؟ لماذا جرى التعامل بطريقة تفيض بالكراهية والتعبئة، ثم جرت مواصلة حملة تعبئة بدائية وغرائزية؟ وفي المقابل، لماذا نُقل الاعتصام إلى دوار الداخلية وتصعيد الحراك السياسي والاحتجاجي، واقتباس تجارب وتطبيقات جرت في الخارج على نحو متعجل يفتقد إلى شروط الاعتصام ومتطلباته، فمن المعلوم بداهة وببساطة أنه ليس ثمة مطلب واحد جامع للمواطنين، وأن الحراك الاحتجاجي في الأردن ما زال مطلبياً محدوداً ومتنوعاً ومتعدداً، ولا يملك قاعدة اجتماعية وثقافية واسعة تحرك عشرات أو مئات الآلاف من المتظاهرين تدفع بالسلطة التنفيذية إلى تحولات جديدة. لدينا بالطبع أزمة كبيرة وثمة أولوية سريعة للإصلاح، ولكنه إصلاح لا يجري من خلال الشارع والتظاهرات (مع ضرورة الاعتصامات والتظاهرات المطلبية واليومية)، ولا يجري أيضاً بالطريقة التي تديرها الحكومات، ولكنه عملية مجتمعية واسعة وشاملة تقوم على رؤى علمية وواضحة لمتطلبات الإصلاح وتفكيك الفساد، وستكون هذه الرؤى إن تحققت أساساً لجدل وتنافس وحوارات وضغوط سياسية وإعلامية. لنترك الحركات المطلبية واليومية تعمل بطريقتها العفوية ونتيح لها المجال لتطور أدواتها وتحقق أهدافها، ونرفع أيدينا عنها، فلا تحتاج سوى الحوار والجدل الإعلامي والسياسي، ولننشغل في بناء حراك اجتماعي وسياسي وبرامجي قائم على الطبقات والمصالح والأعمال والأفكار بعيداً من التظاهرات والشارع. لقد منحتنا اللحظة القائمة فرصة جميلة وعظيمة وهي الرغبة الشاملة على جميع المستويات والقطاعات في الحوار والبحث عن مخرج، وهذا أمر جميل وربما يكفي، وربما نستطيع أن نحقق إصلاحاً كبيراً من غير احتجاج أو عنف. * كاتب أردني