عرف قدماء المصريين صناعة الشموع التي كانت تنير قصور الملوك والأمراء والأثرياء والمعابد، وهي لا تزال رائجة في الوقت الراهن رغم انتشار المصابيح الكهربائية. كانت الشموع تصنع قديماً من دهون الحيوانات، وبعد اكتشاف النفط صارت تصنع من مشتقات نفطية، وتوطّد ارتباطها بمناسبات اجتماعية ودينية، أشهرها حفلات الزفاف و «السبوع» (الاحتفاء بالمواليد) والصلوات في الكنائس وزيارات أضرحة الصالحين، وظلت في الوقت نفسه عنواناً للرومانسية والفخامة، سواء في المنازل أو في المطاعم الراقية. أشهر بائع للشموع في منطقة الخيّامية بنطاق القاهرة الفاطمية، الحاج أبو يوسف، أمضى خمسين سنة في هذه المهنة التي ورثها عن والده وأجداده. ورغم ما تعانيه الحرف اليدوية عموماً من كساد بسبب الحالة الاقتصادية المتردية لكثير من الأسر المصرية، نجد أن هذه الصناعة باتت تعاني من قلة الرواج أكثر من غيرها لارتباطها بمستوى من الرفاهية لم يعد متوافراً. فأفراد كثيرون من الطبقة المتوسطة لم يعودوا يحتفلون بالمناسبات الاجتماعية بالصورة المعتادة لضيق ذات اليد. يقول أبو يوسف: «أصبحنا نعتمد في شكل كبير على الفنادق الكبرى والكنائس، لأن الشموع لا تزال مرتبطة بالطقوس الدينية للمسيحيين. قلة حركة السياحة قللت مبيعاتنا، فالسياح كانوا مغرمين بشراء التصاميم الشرقية من الشمع المصري، وكانت الشموع هدايا تذكارية جيدة يشتريها السائح من مصر. ورغم هذه التحديات ما زلت أحافظ على مهنة أجدادي». ولدى سؤاله عن مستقبل هذه الصناعة في ظل التحديات التي يقابلها، يجيب: «نواصل تقديم كل جديد في تصميم الشموع رغم تراجع المبيعات، إذ لا يوجد بيت لا يشتري الشموع في وقتٍ ما من أوقات السنة، فالشموع أساسية في حياتنا. والقرار الذي اتخذته الدولة بالحد من استيراد الفانوس الصيني يمكن أن ينعش الصناعة، لأن هذا سيعيد إلى الصدارة الفانوس الذي يعمل بالشمع، والمرتبط بطقوس شهر رمضان الشعبية. نحتاج كذلك إلى أن تساعدنا الدولة في تسويق تصاميمنا التي ترتبط بالتراث العربي والإسلامي، خصوصاً إلى الأسواق الأوروبية. وكل من يستطيع أن يشارك في أي معرض في الخارج يفعل ذلك بجهده الشخصي، ولا يجد دعماً من اتحاد الصناعات المصرية». وعن أنواع الشموع ودرجاتها ومن أين يحصل عليها، يقول: «ثمة شموع من الدرجة الأولى، تستخدم في المنتجات الغذائية، مثل كعك أعياد الميلاد والشوكولا، وهي تصنع من شمع النحل أو من مستخرجات نفطية شرط أن تكون شديدة النقاء. وهناك شموع تصنع من الزيوت المهدرجة وتعتبر أقل في نقائها. نأخذ المواد الخام من «شركة العامرية للزيوت»، وبعضها نستورده من ماليزيا وسنغافورة». ويضيف: «نسعى إلى التميز من خلال تصميم شموع تتلاءم مع الأعياد والمناسبات المختلفة، فالابتكار عامل أساسي للنجاح وجذب الجمهور والشموع تعطي شكلاً جمالياً لكل مناسباتنا، وهي جزء أساسي في ديكور المنازل. أنا أستعين بمصممين مختصّين بالتشكيل الجمالي حتى نصل إلى أشكال مختلفة. وفي أي حال نهتم بالتصاميم التي تمثل الروح الشرقية والملامح العربية الجميلة والكتابات بالخط العربي والكوفي. وينجذب السياح إلى الشموع التي تتشكل من كولاج يجمع أشكالاً فرعونية أو قبطية أو إسلامية، فالشموع تمثل للسائح سحر الشرق. وقد تختلف التصاميم باختلاف المناسبات، ففي «عيد الحب» تصمَّم شموع تتوافق مع تلك المناسبة العاطفية وترتبط بالقلوب والورود ويغلب عليها اللون الأحمر، وأيضاً في تصميمات الكريسماس نستخدم الشمع «الجل» وندخل عليه ألواناً مبهجة مثل الوردي والموف والبوستاج، وفي رمضان نبتكر تصاميم تحمل طابع الشهر الجميل من الخيامية وأسماء الله الحسنى والخط العربي». وعن إمكان أن تكون صناعة الشموع فرصة عمل للشباب يوضح: «صناعة الشموع غاية في السهولة، حتى أنه يمكن القيام بها في المنزل، فالشمع الخام يوضع في إناء معدني داخل وعاء مملوء ماءً ويرفع على النار حتى يسيل، وتضاف الألوان لتوحيد لون الشموع التي تصب في كؤوس وأكواب زجاجية أو قوالب للأشكال المطلوبة مع وضع الفتيل، ثم تترك لتتجمد. ويمكن تزيين بعض الأشكال بشرائط مبهجة حسب الرغبة، وتمكن إضافة زيوت عطرية تعطي رائحة طيبة، وتساعد في تهدئة الأعصاب. فمثلاً عطر الياسمين يجلب الشعور بالسكينة ويقلل التوتر، ورائحة القهوة تزيد التركيز خصوصاً عند الدراسة، والشموع تولّد طاقة إيجابية وتساعد في التخلص من الطاقة السلبية».