لم يصدر الرئيس الأميركي الشهادة الخاصة بتمديد عمل بعثة فلسطين في العاصمة الأميركية لستة أشهر أخرى، الأمر الذي يعني أن المكتب الذي يسميه الفلسطينيون «سفارة فلسطين» لم يعد له أي صفة رسمية، وبات غير يعمل خارج القانون، على رغم إعلان السفير الدكتور حسام زملط أن المكتب يواصل عمله كالمعتاد. ويقول مسؤولون فلسطينيون إن عملية إغلاق المكتب بدأت منذ العام الماضي بجهود إسرائيلية في الكونغرس الأميركي، عقب حصول دولة فلسطين على عضوية محكمة الجنايات الدولية. وصادر الكونغرس العام الماضي تشريعاً ينص على وقف الدعم المالي للسلطة الفلسطينية، ووقف عمل مكتبها التمثيلي في واشنطن، في حال عدم تقديم الرئيس شهادة تفيد بأن السلطة لا تلاحق إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية، مقرونة بشهادته التقليدية الدورية اللازمة لتمديد عمل المكتب، حول عدم قيام المنظمة بأعمال إرهابية. وكانت الولاياتالمتحدة تعتبر منظمة التحرير منظمة ارهابية، لكنها غيرت موقفها جزئياً بعد اتفاق أوسلو عام 1993 وتوقيعه رسمياً في البيت الأبيض. واعتبرت ان تمديد بقاء مكتب بعثة المنظمة في واشنطن مرهون بشهادة الرئيس الأميركي، مرة كل ستة اشهر، أن المنظمة لا تمارس عملاً إرهابياً، وذلك وفق أحكام قانون مكافحة الإرهاب وآلية تعليقه من قبل الرئيس. واعتمد الكونغرس الأميركي، عام 1994، قانون تسهيل السلام في الشرق الأوسط، الذي أعطى الحق للرئيس الأميركي بأن يعلق تنفيذ المنع الوارد في «قانون مكافحة الإرهاب» لمدة ستة أشهر، إذا شهد بعدم قيام منظمة التحرير بأعمال إرهابية، وشهد أيضا بإلتزامها بما جاء في رسالة الإعتراف المتبادل مع اسرائيل، والتزاماتها الأخرى، وأن التعليق يحقق المصالح الوطنية للولايات المتحدة. ونص القانون على أن شهادة الرئيس قابلة للتمديد كل ستة اشهر، وهو ما جعل مكتب البعثة قائماً حتى اليوم. ونص القانون على أن الرئيس الأميركي لا يستطيع تعليق «قانون مكافحة الإرهاب» أكثر من السنة المشار لها (ستة أشهر لمرتين) إلا بتفويض سنوي من الكونغرس يتم تضمينه عادة في قانون الاعتمادات المالية السنوي. وفتحت منظمة التحرير مكتباً لبعثتها في واشنطن في حزيران (يونيو) عام 1994، بعد أن قررت الإدارة الأميركية اعتبار الممثلية بعثة أجنبية تعمل في الولاياتالمتحدة، وفق أحكام قانون البعثات الأجنبية، وليست بعثة ديبلوماسية، ولا تتمتع بأي امتيازات أو حصانات، وهي ممنوعة من إدعاء تمثيل «دولة فلسطين» أو حتى استخدام اسم فلسطين، وفق ما يقول الدكتور ناصر القدوة الذي كان حينئذ رئيسا لبعثة فلسطين في الأممالمتحدة، وتولى لاحقاً وزارة الخارجية الفلسطينية. ويشترط على العاملين في مكتب المنظمة في واشطن، ممن لديهم جنسيات أميركية، أن يسجلوا لدى وزارة العدل، وفق قانون العميل الأجنبي لعام 1938. وأصدر الكونغرس الأميركي عام 2016 قانون الاعتمادات المالية الذي نص على وقف الدعم المالي للسلطة الفلسطينية في حال «اكتسب الفلسطينيون صفة مثل الدول الأعضاء في الأممالمتحدة أو منظماتها المتخصصة، وإذا قاموا بإطلاق أو دعم أي عملية تحقيق ضد مواطنين إسرائيليين من قبل المحكمة الجنائية الدولية». ونص القانون على «ضرورة أن يشهد الرئيس الأميركي على عدم حدوث ما سبق كشرط إضافي لقيامه بتعليق أحكام «قانون مكافحة الإرهاب». وقال الدكتور ناصر القدوة إن هذا القانون شكل المفتاح لعدم تجديد عمل بعثة فلسطين في الولاياتالمتحدة المتحدة. وأضاف: «بالنسبة إلى ما حدث أخيراً، لم يقم الرئيس بتقديم مثل هذه الشهادة قبل انتهاء صلاحية التعليق الأخير الذي قام به بتاريخ 18/5/2017، وبالتالي فقد أصبحت أحكام قانون مكافحة الإرهاب سارية في 17 تشرين الثاني (نوفمبر) 2017، وهو ما قامت وزارة الخارجية الأميركية بإعلام مكتب بعثة فلسطين به». وجاء في أحكام قانون الاعتمادات المالية، أنه «بعد مرور 90 يوماً، على الأقل، من عدم قيام الرئيس بتقديم الشهادة، يمكن للرئيس، بالرغم من ذلك، أن يشهد في حالة وجود عملية تفاوضية ذات معنى بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأن يقوم بتعليق أحكام قانون مكافحة الإرهاب، ولكن من دون أن يتعدى ذلك فترة العام». وقال الدكتور ناصر القدوة: «هذا يعني أنه يتم إغلاق مكتب المنظمة أولاً، ثم وبعد مرور أكثر من تسعين يوماً، وفي حالة وجود عملية تفاوضية، يمكن للرئيس الأميركي العودة لممارسة حقه في تعليق ما يسمى قانون مكافحة الإرهاب». وقال القدوة: «يتضح مما سبق أن القرار الذي اتخذته الإدارة هو عدم تقديم الشهادة المطلوبة، وبالتالي عدم اتخاذ قرار تعليق قانون مكافحة الإرهاب». وأضاف: «من غير الواضح لنا ما إذا كان ممكناً للإدارة إيجاد مخرج أو حيلة قانونية للخروج من الوضع ولم تقم بذلك». وقررت السلطة الفلسطينية تعليق أي اتصالات مع الإدارة الأميركية في حال إغلاق المكتب بصورة فعلية. ودعا مسؤولون فلسطينيون إلى تغيير قواعد عمل مكتب بعثة فلسطين بصورة تامة، والحصول على مكانة بعثة ديبلوماسية، شأنها في ذلك شأن البعثات الديبلوماسية الأخرى، وعدم الارتهان لما يسمى قانون «مكافحة الإرهاب» الأميركي. وقال نبيل ابو ردينة الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية: «آن الآوان لإعادة تصحيح العلاقة مع الجانب الأميركي بصورة كلية». وأضاف أن «المرحلة المقبلة حاسمة وفرصة لتصويب العلاقات الفلسطينية الأميركية». وحول قرار قطع الاتصالات مع الإدارة الأميركية، في حال عدم فتح المكتب، قال أبو ردينة: «إن التوجهات الفلسطينية جاءت رداً على بعض الإجراءات الأميركية غير المقبولة، مؤكداً أن القرار الفلسطيني يواجه التحديات بمواقف صلبة ووطنية». ودعا أبو ردينة حركة «حماس» إلى التقاط هذه المواقف التي وصفها بالشجاعة من أجل «العودة إلى الشرعية وعدم السماح لأي جهة للعب في الساحة الفلسطينية». ويرى الدكتور ناصر القدوة ان الجانب الفلسطيني اخطأ في السابق بقبوله هذه المكانة لممثلية فلسطين في واشنطن. وقال: «ولعل من الأفضل إغلاق الممثلية في كل الأحوال، والدخول في مفاوضات لوضع أساس مختلف لعمل الممثلية فيه الحد الأدنى اللازم من الحماية والإحترام السياسي». وكان الكونغرس الاميركي، اعتمد عام 1987 قانون «محاربة الإرهاب» الذي حدد منظمة التحرير الفلسطينية «منظمة إرهابية». ونص القانون على منع إقامة مكتب للمنظمة أو أي من مكوناتها على الأراضي الأميركية، وتجريم استلام أي شيء ذي قيمة من المنظمة أو صرف أموال للمنظمة في الولاياتالمتحدة. وعقب صدور هذا القانون، أغلقت السلطات الأميركية مكتب منظمة التحرير الذي كان يعمل باسم «مكتب الإعلام الفلسطيني» في واشنطن، وانتقل كادر المكتب الى مقر جامعة الدول العربية في القاهرة. وبعد نحو عام افتُتِح مركز الشؤون الفلسطينية في واشنطن بذات الكادر لكن من دون السماح بعلاقة رسمية لهم مع المنظمة، ومن دون استلام أموال مباشرة منها. وواصل المكتب العمل إلى عام 1994. وقال الدكتور ناصر القدوة إن بعثة فلسطين لدى الأممالمتحدة في نيويورك، عملت على مقاومة قانون «مكافحة الإرهاب» ومنع انطباقه عليها، وذلك عبر محكمة العدل الدولية التي أصدرت فتوى بهذا الخصوص، وأمام المحكمة الأميركية، عبر مجموعة من الأصدقاء الأميركين، نتج عنها استثناء البعثة باعتبارها مغطاة باتفاقية المقر بين الأممالمتحدةوالولاياتالمتحدة. وأضاف: «يلاحظ أن قرار الرئيس تعليق قانون مكافحة الإرهاب لا يؤثر في سريان مفعول القوانين الأخرى المعادية لمنظمة التحرير الفلسطينية ذات التأثيرات المختلفة. ويلاحظ أيضاً ان هذه القوانين بقيت قائمة وفعالة حتى بعد بداية عملية السلام الفلسطيني- الإسرائيلي وبعد الاعتراف المتبادل وإعلان المبادئ، وهي مستمرة حتى الآن بتأثيراتها المختلفة بما في ذلك مثلاً عدم حصول أعضاء منظمة التحرير على تأشيرات دخول للولايات المتحدة، إلا إذا قام وزير الخارجية بتعليق الأحكام القانونية ذات الصلة، علماً بأن الإدارة قامت في وقت لاحق ومع احتدام المعركة ضد الإرهاب الفعلي بإضافة زوجات أعضاء المنظمة على قائمة المنع». ومضى يقول: «ولم يكتف الكونغرس الأميركي وأعضاؤه باتخاذ مواقف سياسية مؤيدة لإسرائيل ومعادية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، بل قام باعتماد العديد من التشريعات التي شكلت جزءاً هاماً من القانون الأميركي، وشكلت شبكة قانونية معادية للمنظمة وللحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، ولخدمة إسرائيل ومصالحها بالمعنى الاستراتيجي، ولكن أيضاً بالمعنى التكتيكي لدعمها في معاركها ضد الشعب الفلسطيني في كل مرحلة من المراحل». وقال القدوة: «وفي الحقيقة فإن إسرائيل أو ممثلين لها كانت دائماً شريكة في عملية إعداد ومناقشة وصياغة هذه القوانين». وأضاف: «الإدارات الأميركية المتعاقبة شاركت الكونغرس الأميركي أحياناً في مواقفه، ولكنها في كل الأحوال لم تواجهه، وعملت ضمن الحدود والاستثناءات التي وضعها الكونغرس».