خلصت دراسة حديثة إلى أن إذن الفقهاء في نقل الأعضاء بضوابط قرروها في بحوثهم الفقهية، يستثنى منها نقل الأعضاء الحساسة للبشر مثل الغدد التناسلية، وذلك سداً لذرائع يخشى الباحثون أن تفضي إلى الفساد واختلاط الأنساب. وأكد الدكتور يوسف الفرت في دراسة له بعنوان «التطبيقات المعاصرة لسد الذريعة»، أن ثمة قواعد اتفق الجميع عليها في باب نقل وزراعة الأعضاء، خصوصاً في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي. وفي نهاية رسالته العلمية توصل إلى أسس قال إنها خلاصة ما أجمع عليه الباحثون لنقل الأعضاء البشرية، وأهمها تأكيدهم على أنه «يجوز نقل العضو من مكان من جسم الإنسان إلى مكان آخر من جسمه، مع مراعاة التأكد من أن النفع المتوقع من هذه العملية أرجح من الضرر المترتب عليها، شريطة أن يكون ذلك لإيجاد عضو مفقود، أو لإعادة شكله أو وظيفته المعهودة له، أو لإصلاح عيب. ويجوز نقل العضو من جسم الإنسان إلى جسم إنسان آخر إذا كان هذا العضو يتجدد تلقائياً، كالدم، ويراعى أن يكون الباذل كامل الأهلية، وأن يتم ذلك وفق الشروط الشرعية المعتبرة. كما تجوز الاستفادة من جزء من العضو الذي استؤصل من الجسم لعلة مرضية لشخص آخر، كأخذ قرنية العين لإنسان ما عند استئصال العين لعلة مرضية». إلى جانب ذلك حرّم الفقهاء «نقل عضو تتوقف عليه الحياة كالقلب، أو يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته كنقل قرنية العين»، لكنهم أجازوا «نقل عضو من ميت إلى حي تتوقف حياته على ذلك العضو أو تتوقف سلامة وظيفة أساسية فيه على ذلك، بشرط أن يأذن الميت أو ورثته بعد موته، أو بشرط موافقة ولي المسلمين إن كان المتوفى مجهول الهوية أو لا ورثة له، واتفقوا على أن جواز نقل العضو في الحالات التي تم بيانها مشروط بألا يتم ذلك بواسطة بيع العضو؛ إذ لا يجوز إخضاع أعضاء الإنسان للبيع بحال». ونبَّه الفرت في رسالته، وفقاً لما نقل عنه موقع «الفقه الإسلامي»، إلى أن العلماء الذين أفتوا بجواز نقل الأعضاء علقوا ذلك بشروط، متى فقد شرط منها، غابت شرعية النقل. أما أبرز تلك الشروط، فهي: تحقيق قيام الضرورة بطريق اليقين، بأي دلالة يقوم بها اليقين: كإخبار طبيب حاذق، ولا يشترط كونه مسلماً. تحقيق انحصار التداوي به، لعدم وجود بديل له يقوم مقامه، ويؤدي وظيفته بكفاءة. تحقق أمن الخطر على المنقول منه في حال النقل من حي، وغلبة الظن على نجاحها في المنقول إليه. عدم تجاور القدر المضطر إليه. تحقق الموازنة بتقدير ظهور مصلحة المضطر المنقول إليه على المفسدة اللاحقة بالمنقول منه. تحقق توافر شروط الرضا والطواعية والأهلية من المنقول منه والمنقول إليه أو إذن وليه إن كان قاصر الأهلية. توافر متطلبات العملية التي بلغها الطب، وإلا كان الطبيب مفرطاً يحمل جزاء تفريطه، وأن تتم بوساطة طبيب ماهر لا متعلم». وحول مسألة زرع الغدد التناسلية، أكد الباحث أن الرأي الفقهي انتهى إلى أنه «يحرم زرع الغدد التناسلية (الخصية والمبيض) بحكم أنهما يستمران في حمل وإفراز الصفات الوراثية (الشفرة الوراثية) للمنقول منه، حتى بعد زرعهما في متلقٍّ جديد؛ فإن زرعهما محرم مطلقاً سداً لذريعة فساد محقق؛ نظراً لأنه يفضي إلى اختلاط الأنساب، وتكون ثمرة الإنجاب غير وليدة من الزوجين الشرعيين المرتبطين بعقد الزواج». أما زرع خلايا المخ والجهاز العصبي، فإن الدراسة رجحت ما جاء في الندوة الفقهية الطبية الخامسة بالكويت؛ إذ بينوا أنه لا يقصد بذلك نقل مخ إنسان لإنسان آخر، وحددوا أن الغرض من زراعة الخلايا إما لعلاج قصور خلايا معينة في المخ عن إفراد مادتها الكيميائية أو الهرمونية بالقدر السوي، فيستكمل هذا النقص بأن تودع في موطنها من المخ خلايا مثيلة من مصدر آخر، وإما لعبور فجوة في الجهاز العصبي نتيجة بعض الإصابات كما يستبدل بقطعة من سلك تالف قطعة صالحة، والمصدر الأول للحصول على الأنسجة هو الغدة الكظرية للمريض نفسه، وقد انتهت الندوة إلى أنه ليس في ذلك من بأس شرعاً، وفيه ميزة القبول المناعي؛ لأن الخلايا من الجسم نفسه.