في الأسبوع الماضي التقينا د. رأفت محمود النجار أخصائي القلب والأوعية الدموية بمجمع الرياض الطبي الذي ذكر أن علاج أمراض القلب مثل هبوط القلب وأمراض الشريان التاجي وغيرها من الأمراض القلبية يمكن تنظيمها بالعلاج التقليدي ولكن تعود الأعراض مرة ثانية إذا ترك المريض العلاج أو لم يأخذه بانتظام، أي أن هذه العقاقير بما لها من مضاعفات تؤخر حدوث مضاعفات المرض مثل هبوط القلب وفي بعض الحالات يكون المريض في حاجة إلى زرع قلب جديد نتيجة للفشل التام لوظيفة قلبه وعدم الاستجابة للعلاج. وفي هذا اليوم نتحدث مع د.النجار عن علاج أمراض القلب بالجينات والتي يمكن عن طريقها علاج أمراض كثيرة مثل التهاب عضلة القلب، هبوط القلب، ارتفاع لضغط، الدم وتصلب الشرايين وغيرها. وللتعرف على العلاج بالجينات يقول د.النجار يجب أن نعرف ما هي الجينات وأين توجد بالجسم إن تقنية الجينات، تعني توظيف المعلومات الوراثية في خدمة الإنسان، فهي التطبيق العلمي لعلم الجينات. والجينات: هي أجزاء من الحمض النووي والذي يسمى ألدي إن إيه DNA الجين (الموروثة) هو الوحدة الوراثية في جسم الكائن الحي ولكل وحدة وراثية أو جين عمل معين يقوم به ويكون هذا العمل تركيباً أو وظيفياً لجسم الإنسان. وهذه المورثات تتواجد على أشرطة صغيرة ملتف بعضها على بعضها الآخر، على شكل حلزونات، داخل نواة كل خلية من خلايا الجسم البشري وهذا الحصن المنيع الذي يُدعى الخلية وهو أصغر وحدة في عالم الأحياء من إنسان، ونبات، وحيوان وهو الوحدة البنيوية للأجسام، وفيه يكمن سر الحياة وسر تنوع الحياة وكل خلية من خلايا أجسامنا تحمل شريطاً مسجلاً من الصبغيات (الكروموسومات) التي ورثنا نصفها من الأم ونصفها من الأب وبشكل متساوٍ تماماً. هذا الشريط يحمل تلك الميزات التي تجعل كلاً منا إنساناً متميزاً عن غيره من بني الإنسان. واضاف هذه الكروموسومات تحمل جزيئات بروتين تسمى الجينات التي تحمل المعلومات الوراثية من الأبوين للمولود الجديد- حيث توجد هذه المعلومات الوراثية على شكل ترتيب معين لأربع قواعد أمينية هي (أدينين، سايتوزين، جوانين، ثايمين) يبلغ عددها 3مليارات زوج في الخلية الجنسية ويصل طولها إلى حوالي مترين موزعة على 23زوجاً من الكروموسومات، هذا الترتيب العجيب لهذه القواعد الأربع هو الذي يحدد نوع البروتينات التي سوف تصنعها الخلايا والتي بدورها سوف تؤدي إلى التحكم في بناء ووظيفة أعضاء الجسم المختلفة. وقال فمنذ اختراق العلماء لهذا الحصن المنيع الذي يدعى الخلية؛ بدأت بقية الحصون بالتداعي واحدًا تلو الآخر.. فدخل العلم النواة، ثم وصل إلى الكروموسومات حتى كشف عن المورثات المصفوفة ومرورا باستنساخ النعجة دوللي. وأوضح انه من المنتظر أن يساهم ذلك في فك الشفرة الوراثية ومعرفة التتابع الجيني في علاج العديد من الأمراض مثل السرطان والسكر وبعض أمراض القلب، وكذلك بعض الأمراض التي تصيب المخ مثل مرض الزهايمر، والدليل على هذا أن الكشف عن 20% من حروف الشريط الوراثي أدى في حينه إلى تصنيع ما يقرب من 100دواء مختلف كعلاج للعديد من الأمراض الناشئة عن خلل في الجينات خلال العشرين سنة الماضية. وبين انه عندما يختلف ترتيب هذه القواعد الأربع يؤدي إلى طفرة جينية والتي تنتج بروتينا مختلفا وهو عاجز عن القيام بالبناء والوظيفة الطبيعية للخلايا ويؤدي إلى الأمراض الوراثية أو الاضطراب الجيني. فالعلاج بالجينات هو إدخال عدد من الجينات داخل خلايا الجسم وذلك لعلاج مرض أو تصحيح القصور في الجينات المسؤولة عن حدوث مرض معين . وقال : توجد عدة طرق لإدخال الجينات إلى أعضاء الجسم المختلفة وهي : 1- حقن الجين مباشرة في عضلة القلب. 2- خلط الجين مع مادة دهنية تسمى (Liposome) وهي مادة تستطيع اختراق جدار الخلية. 3- استخدام بعض أنواع الفيروسات لإدخال الجينات داخل خلايا عضلة القلب. 4- استخدام (plasmid) وهي طريقة آمنة عن استخدام الفيروسات. ويوجد عدة وسائل لتصحيح هذا الخطأ الجيني ومنها: 1- يمكن إحلال جين عادي في أي مكان على الكر وموسوم ليقوم بعمل الجين للمريضGene Replacement وهذه الطريقة هي الأكثر شيوعا. 2- إعادة تصحيح الجين المريض Repair System DNA . تبديل الجين المريض بآخر سليمGene Transfer وتقوم هذه الجينات بالعمل اللازم وتعوض المريض عن النقص في عمل جيناته المعطوبة. كيفية العلاج بالجينات وقال الدكتور النجار عندما يصاب الإنسان بالأمراض المختلفة، فان منها ما يتسبب فيه الميكروبات ومنها ما يكون نتيجة فشل في العضو لا يمكن للجسم الحياة معه. ومنها ما يكون مجرد اضطرابات وظيفية كضغط الدم أو الكولسترول أو السكري وهنا تقوم الأدوية بعمل اللازم إن أمكن. ومنها ما يتعلق بالشرايين وتدفق الدم من خلالها كنقص تزويد عضو معين بالدم أو حدوث جلطات فيه أو تدهور وظيفته وغيرها، وهنا تبدو الوسائل الميكانيكية كفتح الشريان أو توسيع الضيق كفيلة بالحل. ويوجد من مشاكل الشرايين ما لا يوجد حل لها عندما تكثر التضيقات فيها وتتشعب، إذ لا عمليات القلب المفتوح لترقيع الشرايين ولا التوسيع بالبالون أثناء القسطرة ولا حتى الأدوية قادرة على التحكم في الأعراض المستمرة والآلام المبرحة للمريض عن مزاوله اي نشاط حياتي. وهنا يظهر لنا احتمالان، إما زراعة قلب جديد وهو غير عملي وغير متوفر للكثير من الناس، أو محاولة حث القلب على صناعة شرايين جديدة تنمو وتصبح قادرة على أن تعمل بدل الشرايين الأصلية التالفة والمريضة، وهذا الأخير هو ما تحاول تقنيات العلاج الجيني فعله. بحث عن التهاب عضلة القلب وكان رأفت محمود النجار اجرى بحثا في كلية الطب جامعة نيجاتا في اليابان تحت اشراف البروفيسور د. يوشي فوسا أيزاوا وهو رئيس قسم القلب في الكلية وعن هذا البحث يقول : كان البحث عن التهاب عضلة القلب وهو مرض يصيب الشباب والرياضيين والبالغين أقل من 40سنة. هذا المرض يبدأ عندما يرى جهاز المناعة للمريض أن أنسجة قلبه دخلها جسم غريب ويبدأ في مهاجمته وتدمير خلاياه ويسمى Auto Immune Myocarditis أي الالتهاب المناعي لعضلة القلب وهو يسبب الموت الفجائي غير المتوقع بنسبة 20% من هذه الحالات. وقال عادة يبدأ هذا المرض على شكل نزلة برد (رشح بالأنف، ارتفاع درجة الحرارة) ثم تزول الأعراض بعد أسبوع ويكون سبب هذه الوعكة هو التهاب فيروسي وفي بعض الأحيان يكون التركيب الجزيئي لجدار خلايا الفيروس مشابها تشابها جزيئيا لنوع من البروتين في خلايا القلب وهو المسؤول عن الانقباض والانبساط لعضلة القلب وبهذا السبب لا تستطيع خلايا Lymphocytesو هي خلايا مناعية لا تستطيع التمييز بين Peptide (بروتين) المكون لخلايا القلب وال Peptide المكون لجدار الخلايا الفيروسية ويؤدي ذلك إلى مهاجمة جهاز المناعة لكل من خلايا قلب المريض مع جدار الخلايا الفيروسية وتدميرهما مما يؤدي إلى هبوط حاد بالقلب والدورة الدموية وأخيرا الموت المفاجئ وأضاف لكي نعرف كيف يحدث ذلك دعونا نلقي الضوء على خلايا Lymphocytes : تتكون خلايا Lymphocytes في نخاع العظام وفي غدة خلف عظمة القص بالصدر تعرف باسم Thymus Gland وهذه الغدة تضمر مع التقدم في السن وتعتبر هذه الغدة بمثابة جامعة تتعلم فيها خلايا ال Lymphocytes كيف تفرق بين البروتينات المكونة لأنسجة الجسم البشري وبين البروتينات الخارجية والمكونة لجدار بعض الفيروسات والميكروبات والطفيليات. و قال في هذه الجامعة تتقدم تقريبا 60.000خلية من ال Lymphocytes لتلقي التعليم والتدريب بها وفي النهاية يعقد الامتحان وهو كيفية التفرقة بين بروتينات انسجة الجسم وعدم مهاجمتها والبروتينات الخارجية المكونة لجدار بعض الفيروسات والميكروبات والطفيليات وتكون النتيجة نجاح 3000خلية تقريبا والباقي يسمى Negative Selection (الانتخاب السالب) أي راسب بالامتحان أي لا يستطيع العمل في جهاز المناعة بالجسم . وهنا يطرح السؤال وهو كيف تتعلم هذه الخلايا بداخل هذه الغدة؟ وهذا اللغز هو محور البحث بداخل جامعات اليابان حاليا وحتى الآن لم توجد له إجابة. وقال قد بدأت هذا البحث على نوع معين من الفئران تعرف باسم Lewis Rat وهي تمتاز بان جهاز المناعة والقلب بها مشابه للإنسان. وتم حقن هذه الفئران بمادة معينة تسبب التهابا حادا بعضلة القلب وبعد 21يوماً بدأت بعلاج هذه الفئران بنوع من الجينات حيث تم نسخ ملايين من هذه الجينات بجهاز ال PCR وتم إدماج هذه الجينات ب Vectors (حوامل للجينات) لإدخالها داخل الخلايا ويسمى Plasmid بلازميد وهو حمض نووي دائري يستخلص من نوع معين من البكتريا تعرف E- coli وبعد الحصول على درجة نقاء عالية تعاين بأجهزة معينة وبذلك تم تحضير الجينات المخصصة لعلاج هذا التهاب المناعي لعضلة القلب وكانت هذه الجينات هي ( IL-13.IL-22. IL1 a antagonist) . و اضاف تم حقن هذه الجينات للفئران المصابة وكانت هنالك صعوبات لحقن هذه الجينات المكونة من ال DNA مثل مهاجمة جهاز المناعة لها أو تكسيرها بإنزيمات مضادة موجودة في الدم والأنسجة ولتفادي هذه العقبات فتم استخدام طريقة الحقن الميكانيكي الفائق السرعة في الاتجاه العكسي في الدورة الدموية في الوريد وكانت تحت إشراف البروفيسور ماكوتو كوداما والبروفيسور هارو هاناوا. وكانت النتيجة مبهرة حيث تم القضاء على الالتهاب في عضلة القلب نهائيا حيث كانت نتيجة هذا البحث انه يوجد نوعان من الخلايا المناعية تعرف ب T- Lymphocytes Helper 1 and T- Lymphocytes Helper 2 والنوعين من الخلايا تفرزا نوع من الجينات الأولى منها T- Helper 1 وتؤدي إلى التهاب وتدمير خلايا القلب والنوع الثاني T - Helper 2 يؤدي إلى وقف الالتهاب بعضلة القلب واعتمد هذا البحث على إدخال نسخ كثيرة من الجينات لتنشيط النوع الثاني مما أدى إلى وقف نشاط النوع الأول وإلى القضاء على الالتهاب في خلايا القلب. وتم اختبار هذا البحث أيضا على الخنازير وجاء بنتيجة مشجعة مما حفز مجموعة الباحثين في اليابان على تصنيع هذه الجينات لحقنها في قلب الإنسان عن طريق قسطرة قلبية وحقنها في الفتحة الوريدية التاجية بالأذين الأيمن مما يؤدي إلى تحفيز خلايا القلب لإفراز البروتينات المضادة لالتهاب عضلة القلب. و بين ان من أحدث أبحاث العلاج بالجينات في المعامل اليابانية هو علاج هبوط القلب عن طريق استخدام جين يسمى SERCA2a وبهذا الجين يمكن إعادة النشاط الانقباضي لعضلة القلب خلال 24ساعة بإذن الله. واضاف وهناك علاج آخر لمضاعفات التوسيع للشرايين التاجية للقلب باستخدام القسطرة البالونية والتي من مضاعفاتها ضيق الشرايين التاجية في فترة من 3إلى 6أشهر من إجرائها للمريض كما أن عملية القلب المفتوح لتبديل الشريان التاجي المسدود بوريد من الساق الأسفل يتم انسداده خلال 5سنوات وكل هذا كان ناتجا عن مهاجرة خلايا عضلية إلى الغشاء المبطن للاوعية الدموية وتكاثرها مما يؤدي إلى انسداد الشريان تم التغلب على هذه الصعوبات بتثبيط الجين E2F والذي يؤدي إلى هذه المضاعفات. وقال كما وجد أن استخدام مضادات للجين (Angiotensenogin) يؤدي إلى علاج الضغط ووجد كذلك أن استخدام مضادات للجين(ACE) يؤدي إلى منع تضخم عضلة القلب وأن استخدام زيادة ظهور الجين (ApoE) يؤدي إلى منع تصلب الشرايين. و اشار الى ان من استخدام علاج الجينات بالقلب هو حقن جين يسمى VEGF وهو له خاصية تكوين أوعية دموية جديدة في الجزء المصاب لعضلة القلب بسبب انسداد الشريان التاجي. وقال : بهذا نرى أن العلاج بالجينات قد تقدم تقدما هائلا ويمكن عن طريقه ان يتم علاج جذري للمرض دون اللجوء إلى العلاج التقليدي ومضاعفته .