تلقي الأزمة الاقتصادية في تونس بظلالها على مجريات الحياة اليومية للمواطن. فالبطالة وانعدام الآفاق وتضاؤل موارد البحث العلمي وصعوبة الحصول على سكن خاص والحرمان من الترفيه والسفر، هي هموم يومية. ولم يعد الزواج خاتمة سعيدة لعلاقة عاطفية اعتيادية، بل أصبح وسيلة لتحسين الوضع الاقتصادي وأصبح أيضاً مطلباً غير متوافر أو مؤجلاً بالنسبة إلى آخرين للأسباب ذاتها. تفضّل حقوقيات نسويات في تونس عدم استخدام عبارة «عانس» للحديث عن تأخر الزواج لدى الفتيات. ففي تونس حيث تعدّى عدد الفتيات اللواتي تجاوزن سن الزواج المليونين، لا يمكن الحديث عن «عزوف عن الزواج» بل عن «عجز» عن إتمام هذا الشرط الطبيعي الذي من دونه يحرم الأفراد من فرصة تكوين أسرة وتحقيق حلم الإنجاب. المختصّة النفسية والاجتماعية رانية خضر وصفت تأخر سن الزواج لدى الجنسين ب «الكارثة» وهي تعزو هذه المعضلة إلى الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد، والتي انعكست على الحياة اليومية للمواطن التونسي. تقول في حديث إلى «الحياة» أن «الزواج وتكوين أسرة وإنجاب أطفال، رغبة غريزية تراود الذكر والأنثى منذ البلوغ. من هنا، يمكن إلغاء عبارة «العزوف» التي يستخدمها البعض للحديث عن تأخر سن الزواج، فلا يمكن انتفاء هذه الرغبة إلا لدى الأفراد الذين يعانون من خلل نفسي أو جسدي. أسباب هذه الظاهرة ماديّة بالأساس، إلا أن النقاش يجب أن يكثّف في هذه الفترة حول انعكاساتها السلبية على الصحة النفسية والجسدية للجنسين». وتضيف: «من المؤسف القول أن الحلول القانونية تكاد تكون مستنفدة، غير أن الإسراع في الخروج بالبلاد من الأزمة الخانقة التي تمر بها منذ الثورة والعمل على مضاعفة فرص التشغيل وتسهيل الهجرة يمكن أن تكون حلولاً جيدة لمساعدة الشباب على تحسين وضعهم المادي وتمكينهم من ممارسة حياتهم بطريقة طبيعية لا تتنافى مع المبادئ الأساسية للمجتمع التونسي». من جهة أخرى، تحدّثت الناشطة الحقوقية فاطمة الغريبي عن زواج القاصرات في تونس وأكدت أن هذا الأمر لم يتحول إلى ظاهرة، بل هو «عادة» تنتهجها أسر في الأرياف التونسية بسبب الانقطاع المبكر عن الدراسة في هذه المناطق التي تعاني التهميش. وتقول: «لا يرى أولياء الأمور في المناطق الريفية التي لا تتمكن من توفير مستلزمات الدراسة لأبنائها من الجنسين حرجاً في تزويجهم في سن السادسة عشرة، علماً أن هذا الزواج يشترط إذناً قضائياً. ولا يوجد أي مانع لإتمام هذه الزيجات إذا تحقق شرط التقارب في السن بين العروسين، وتوافر الإحاطة والمساعدة المادية من طرف العائلات المتصاهرة، والإشكال الوحيد يتمثل في تزويج القاصرات بأشخاص بضعف سنهن وهو ما من شأنه أن يشوّه العلاقة بين الطرفين ويحمّل الطفلة مسؤوليات تتجاوز قدراتها الجسدية والذهنية». وأعادت المختصّة حصول هذا النوع من الزيجات إلى الظروف المادية للعائلات المحتاجة التي تعتبر البنت في سن معينة «عالة» يجب التخلص منها عبر تزويجها بشخص ميسور الحال. وقد أثيرت في تونس منذ أشهر مسألة «تزويج الفتاة الضحية بمغتصبها»، وجاء ذلك إثر قيام قاض في محافظة «الكاف» بالشمال التونسي بالسماح بتزويج فتاة قاصر بمغتصبها، الأمر الذي أثار جدالاً واسعاً انتهى بالمطالبة بتغيير القانون. وقد صادق مجلس نواب الشعب التونسي في حضور وزيرة المرأة في 17 تموز (يوليو) الماضي، على إلغاء أحكام فصل قانوني يقضي بإيقاف التتبعات ضد المغتصب الذي يتزوج ضحيته. واعتبر هذا الإجراء انتصاراً للحركة النسوية في تونس وإنهاء لعهد من الظلم ضد ضحايا جرائم الاغتصاب من الفتيات القصّر.