"المالكي": نسعى للتويج ب"خليجي 26"    "الزايدي" بطلاً لسباق التحدي للقدرة والتحمّل لمسافة 120 كم    القبض على شخص في الرياض لترويجه المخدرات عبر مواقع التواصل الاجتماعي    تأجيل اختبارات منتصف الفصل الثاني للأسبوع القادم    حالة وفاة و10 إصابات جراء حادث تصادم 20 سيارة في الرياض    «حرس الحدود» بعسير ينقذ مقيمين تعطلت واسطتهم البحرية وتعرض أحد أفرادها لوعكة صحية    السعودية حذّرت ألمانيا 3 مرات من منفّذ حادثة الدهس    ولي العهد يُتوَّج بلقب "شخصية العام 2024" من المركز الثقافي للتراث العربي    ضبط 20159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    فلامنجو يستهدف لاعب الأهلي    البديوي يرحب بتبني الأمم المتحدة لقرار بشأن التزامات إسرائيل المتعلقة بأنشطة الأمم المتحدة والدول الأخرى لصالح الفلسطينيين    محمد آل فلان في ذمة الله    «عكاظ» تنشر توصيات اجتماع النواب العموم العرب في نيوم    ضيوف خادم الحرمين يشيدون بعناية المملكة بكتاب الله طباعة ونشرًا وتعليمًا    مونديال ( 2034 ) السعودي    مراكز سورية لتسوية أوضاع جنود وضباط النظام السابق    ضيوف الملك من "البوسنة": مواقف المملكة مشهودة    أمريكا تنجو من كارثة «شلل» الحكومة الفيدرالية    ارتفاع سعر الروبل أمام العملات الرئيسية حتى 23 ديسمبر الجاري    أمطار خفيفة على جازان وعسير والباحة    المملكة ومصر .. شراكة استراتيجية تضخ استثمارات ب15 مليار دولار    انطلاق مؤتمر جمعية "علوم المختبرات" في الرياض .. غدا    المملكة تدين حادثة الدهس التي وقعت في ألمانيا    وزير الطاقة يرعى الحفل الختامي لجائزة كابسارك للغة العربية    المركز الوطني للعمليات الأمنية يواصل استقباله زوار معرض (واحة الأمن)    حضور ثقافي كبير في أول أيام ملتقى القراءة الدولي بالرياض    القوات الخاصة للأمن البيئي تواصل استقبال زوار معرض (واحة الأمن)    «الجوهرة».. أيقونة رياضية بمعايير عالمية تحت الأضواء في «كتاب جدة»    "الهجّانة" والمركبات الكهربائية.. التاريخ والمستقبل    البرنامج الثقافي لمعرض جدة للكتاب يسلط الضوء على علاقة الفن بالفلسفة    سينما الخيال العلمي في العالم العربي.. فرص وتحديات في معرض الكتاب    تاليسكا يؤكد اقتراب رحيله عن النصر    اليوم ليلة الحسم في المملكة أرينا: ومواجهة أوسيك وفيوري لتوحيد ألقاب الوزن الثقيل    بايرن ينهي عام 2024 بفوز كاسح على لايبزيغ بخماسية قاسية    الأمم المتحدة: الأزمة الإنسانية في السودان «غير مسبوقة»    الأمر بالمعروف في جازان تفعِّل المعرض التوعوي "ولاء" بالكلية التقنية    ضيوف الملك من "الجبل الأسود" يشيدون بجهود المملكة في خدمة الإسلام والمسلمين    توقيع مذكرة تعاون بين النيابة العامة السعودية والأردنية لتعزيز مكافحة الجريمة والإرهاب    شيخ شمل قبائل الحسيني والنجوع يهنى القيادة الرشيدة بمناسبة افتتاح كورنيش الهيئة الملكية في بيش    عسير: القبض على مخالفين لنظام الحدود لتهريبهما 15000 قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    الأمير محمد بن ناصر يفتتح شاطئ الهيئة الملكية بمدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية    نائب رئيس نيجيريا يغادر جدة    %20 من المستثمرين شاركوا في الاكتتابات العامة بالمملكة    مدير عام الشؤون الإسلامية في جازان يتفقد مسجد العباسة الأثري بمحافظة أبي عريش    إمام الحرم المكي: الرسل بعثوا دعاة إلى الخير وهداة للبشر    البدء بأعمال صيانة جسر تقاطع طريق الأمير نايف مع شارع الملك خالد بالدمام ... غدا السبت    5 إستراتيجيات لإنهاء حرب روسيا وأوكرانيا    الحصبة.. فايروس الصغار والكبار    مدربون يصيبون اللاعبين    تقطير البول .. حقيقة أم وهم !    «سكن».. خيرٌ مستدام    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء ينقذ مراجعاً عانى من انسداد الشرايين التاجية    أدوية إنقاص الوزن قد تساعد في القضاء على السمنة لكن مخاطرها لا تزال قائمة    انفراد العربيّة عن غيرها من لغاتٍ حيّة    السيسي: الاعتداءات تهدد وحدة وسيادة سورية    التجارة تضبط 6 أطنان مواد غذائية منتهية الصلاحية بمستودع في جدة    وزير الدفاع يستقبل نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع الأسترالي    رئيس الوزراء العراقي يغادر العُلا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هذيان مراقب وأنظمة في زمن الثورات
نشر في الحياة يوم 10 - 04 - 2011

للعدوى قوة أكيدة في الانتفاضات العربية التي راحت تتناسل واحدة من الأخرى. ولعل انتقالها من تونس إلى مصر كان المثال الأوضح على هذه القوة. لكن تعداد الدول التي شهدت انتفاضات يثبت أيضاً صحة هذا الافتراض.
و«العدوى» لم تكن يوماً جزءاً من عدة التحليل المعتمدة في تفسير الظواهر العامة. لم تكن مصطلحاً سياسياً على الإطلاق. وفي العقد الأخير من القرن المنصرم لاحت بوادر اعتماد هذا المصطلح عندما غامر فلاسفة وأدباء في الكلام عن تفسير ظاهرة العمليات الانتحارية بما أطلقوا عليه عبارة «الموضة». كان ذلك اقتراباً من مصطلح العدوى، إذ أنهم قاربوا هذا التفسير من خلال حديثهم عن أثر وسائل الإعلام في إنتاج الانتحاري، ودورها في تقديم صورة له قد تخاطب ميولاً كامنة في شخص لا يمت إلى من تصله الدعوة للانتحار بعلاقة واضحة.
تجمع بين «الموضة» و «العدوى» فجائيتهما، واعتمادهما في اشتغالهما على وسائل اتصال حديثة، ويجمع بينهما انقضاضهما على عدو لم يُهيئ نفسه ولم يستعد لمواجهتهما. وإذا كانت «الموضة» قد وظفت في مهمة دموية وغير سياسية، في حين تكمن قدرة «العدوى» في مضمونها الإيجابي المتمثل في نقل الثورة من بلد إلى آخر، إلا أن ذلك لا يُخفف من تشابههما، ومن حقيقة صدورهما عن أصل واحد هو تولي وسائل الاتصال الحديثة عملية تعميمهما.
في الثورات العربية الجديدة نحن حيال «موديل» جديد كل الجدة، أوقعنا في حيرة وعجز. فحركات الاحتجاج اشتغلت وفق منطق مختلف تماماً. سورية والأردن مثلاً لا يرتبطان بعلاقات يمكن لها أن توظف في اشتراك مجتمعيهما بثورة واحدة، أو أن هذا ما كنا نعتقده، لكن اشتغال الاحتجاجات في كلا البلدين في فترة زمنية واحدة أوحى بأن ثمة علاقة بين الظاهرتين. علاقة عصية على عقول أعدت لتفسيرات مختلفة.
في الأردن ثمة من اتهم «حماس» المقيمة في سورية بالوقوف وراء الاحتجاجات، وفي سورية لمّح النظام إلى أطراف خارجية وراء التحرك، وأشار إلى دور أردني غامض. لكن العلاقة بين الظاهرتين كانت من خارج منطق الأنظمة. فقوة «العدوى» في الحالة السورية - الأردنية كانت مضاعفة، وأن تشتغل الاحتجاجات في عمان فقد مثل ذلك قوة دفع للاحتجاجات في دمشق. الأمر نفسه ينطبق على شمال العراق، إذ أن احتجاجات الأكراد في مدينة السليمانية على سلطة الاتحاد الوطني الكردستاني كان يمكن لها أن تصيب ب«العدوى» أكراد القامشلي في سورية. والحيرة التركية جراء ما جرى أو ما يمكن أن يجري، مصدرها قلق من طموحات أكراد دياربكر.
أي حيرة هذه التي يُخلفها هذا التغير الجوهري في نمط اشتغال هذه المجتمعات؟ أن نقيم وزناً ل «العدوى» في تفسيرنا حركات التغيير والاحتجاج، فإن ذلك قد يقارب الهذيان! لكن ذلك حقيقة لا يمكن الصمود في وجهها، والأخطر من ذلك يتمثل في أن قبولنا مرغمين بهذه القدرة المستجدة قد يدفعنا إلى الذهاب في هذياننا إلى حدود أخرى. فماذا لو صحت مثلاً نظرية اشتغال الثورات وفق منطق هندسي. فقد بدأت في تونس وانتقلت إلى مصر، ولكي يكتمل هلال الثورات الأفريقية كان على ليبيا أن تتحرك، وهذا ما حصل فعلاً، فانعقدت الظاهرة جغرافياً، ومع قدر قليل من المبالغة يمكن القول إنها انعقدت هندسياً. وكان يمكن المرء أن ينتفض على نفسه مؤنباً ميله إلى الهذيان لو أن الأمر نفسه لم يتكرر في المشرق، فهلال الثورات المشرقية ارتسم أيضاً على نحو يكاد يكون مشابهاً. من شمال العراق إلى الأردن مروراً بالبر السوري، وهو ما أعطى لوهم المنطق الهندسي قوة واقعية. هلال مشرقي في مقابل هلال أفريقي، ويمكن نسج أهلة أخرى إذا ما أطلنا التأمل.
لكن الأمر لم يقتصر على هذياننا، نحن المفجوعين بانهيار منظومة وعينا البائس، ذاك أن هذا الهذيان أصاب أيضاً الأنظمة المستهدفة بالثورات وبحركات الاحتجاج، فانتقلت هذه الأنظمة وعلى نحو سريع من وضعية الارتياب المتبادل، التي كانت تسود علاقاتها قبل موجة الثورات، إلى نوع من التضامن الذي لم يسبق أن شهدته العلاقات في ما بينها. فمع قدر قليل من المعلومات المسربة، وشيء من الحقيقة الممزوجة بالخيال، لنا أن نتوقع مثلاً أن يستعين النظام في سورية بخصومه في سلطة إقليم كردستان العراق، لامتصاص غضب الأكراد في محافظة الحسكة، وأن نُصدق إشاعات حول طلب الحكومة الأردنية مساعدة من نظيرتها اللدود في سورية لكي تلعب حركة «حماس» دوراً مهدئاً في الشارع الأردني، في مقابل تدخل عشائري اردني لدى عشائر درعا للحد من غضبها.
وإذا كانت فداحة الجهل ما دفعنا إلى تخيل «أهلة» وفيروسات تنتقل ب «العدوى» تقف وراء الثورات، فأي قدرة خرافية سهلت على أنظمة متحاربة ومقتتلة مهمة التضامن هذه؟ فإلى الأمس القريب كانت السلطة في كردستان العراق تتهم النظام في سورية بتسهيل مهمة المقاتلين العرب المتسربين إلى العراق. والمودة بين النظامين في دمشق وفي عمان مفقودة منذ عقود طويلة.
ووسط هذه الفوضى العارمة في مشهد العلاقات، والتي تسببت لنا بصداع معرفي جميل، يصل رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان إلى عاصمة الإقليم الكردي في العراق، ذاك الإقليم الذي لأسابيع قليلة انقضت كانت حدوده عرضة لغارات يومية للطائرات التركية، ويستقبله رئيس الإقليم مسعود بارزاني وتُهديه طفلة كردية علم الإقليم، في مشهد تضامن كردي تركي نادر، ما كان لنا أن نتوقعه من دون وهم أهلة الثورات وفيروساتها.
ربما كان الضحك على انفسنا علاجاً لهذا الصدع المعرفي الذي شق وعينا، ولكن علينا أن نحتسب لخطر قد يلوح، إذ أن استيقاظ الأهلة قد يشمل «الهلال الخصيب»... هل تذكرون الهلال الخصيب؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.