يحدث سرطان الرئة عندما تبدأ خلية أو أكثر من خلايا النسيج الرئوي في النمو والتكاثر بصورة غير طبيعية، لتعطي كتلة ورمية تملك خلاياها القدرة على الغزو والانتشار موضعياً، ومن ثم إلى مناطق أخرى من الجسم. ويعتبر سرطان الرئة من أكثر أنواع السرطانات انتشاراً وأشدها فتكاً، فهو يحتل المرتبة الأولى في قائمة السرطانات القاتلة بين النساء والرجال، وقد أصبح هذا المرض يشكل عبئاً على الدوائر الصحية العالمية، كونه مسؤولاً عن خُمس الوفيات في العالم. ويمثل التدخين العامل الأول المثير لأكثر من 90 في المئة من الإصابات بسرطان الرئة، اذ يحتوي تبغ السجائر على مواد ثبت أنها مسرطنة، وهذه المسرطنات لا تضر المدخنين فقط، بل تتسع لتشمل الأشخاص المحيطين بهم والذين يُعرفون بالمدخنين السلبيين، كونهم يتعرضون لسموم السجائر من دون أن يدخّنوا. إن كشف الحقائق عن أسباب سرطان الرئة يساعد في زيادة الوعي بأخطار هذا المرض الخبيث، وبالتالي في الوقاية منه. وهنا بعض الحقائق الجديدة: لعبت السجائر الخفيفة التي طرحت في الأسواق منذ نحو نصف قرن، دوراً في زيادة أعداد المصابين بسرطان الرئة، وفق دراسة أجراها باحثون من خمسة مراكز للبحوث تتعلق بالسرطان في الولاياتالمتحدة، فقد تبين لهؤلاء أن هذه السجائر الخفيفة التي تحتوي على فلتر مثقوب تفسر الزيادة المسجلة خلال السنوات الخمسين الأخيرة لورم السرطان الغدي المشهور بأنه يتمدد في العمق في الرئتين. وقد أكدت نتائج الدراسة ما كان باحثون يشتبهون به منذ سنوات، وهي بلا شك نتائج مخالفة لتأكيدات الجهات العاملة في قطاع إنتاج التبغ التي تدعي أن هذه السجائر الخفيفة أقل ضرراً من مثيلتها التقليدية. وفي معرض تعليقه على نتائج الدراسة، قال المدير المساعد لمركز البحوث بشأن السرطان في جامعة أوهايو وأحد المشرفين الرئيسيين على الدراسة، بيتر شيلدز، أن ابتكار الفلتر «صُمّم لغش المدخنين والمسؤولين عن الصحة العامة، وتحليل بياناتنا يدفع إلى الاعتقاد بوضوح أن هناك رابطاً بين عدد الثقوب المضافة إلى الفلتر في السجائر وازدياد معدلات الإصابة بالسرطان الغدي في الرئة خلال السنوات العشرين الأخيرة». ولفت الباحث إلى أن ما يثير القلق في الموضوع هو أن هذه الفلتر المثقوب أصبح موجوداً عملياً في كل السجائر المباعة في الأسواق. ويعتقد الباحثون الذي شاركوا في الدراسة، بأن الفلتر المثقوب يسمح بتنشق كميات أكبر من الدخان مع ما يحمله من تراكيز أعلى من المواد المسرطنة وغيرها من السموم. وأشار شيلدز إلى أن هذا الفلتر يغير من طريقة احتراق التبغ ما يؤدي إلى إنتاح كميات أكبر من المواد المسرطنة على شكل جزيئات دقيقة تستطيع اختراق الأجزاء الأكثر عمقاً في الرئتين. كشفت دراسة علميّة نشرت في دورية الأوبئة والسرطان الأميركية، أن الكربوهيدرات السيئة الموجودة في الخبز الأبيض ورقائق الذرة يمكن أن تزيد احتمال الإصابة بسرطان الرئة بحوالى 50 في المئة. وذكرت معدة الدراسة الدكتورة ستيفاني ملكونيان من مركز أندرسون في جامعة تكساس، أن الأشخاص الذين سجلوا مستويات عالية من مشعر سكر الدم كانوا الأكثر تعرضاً لخطر سرطان الرئة، مقارنة بالذين سجلوا مستويات أقل من المشعر المذكور، بما في ذلك الأشخاص الذين لم يدخنوا من قبل. ويجدر التنويه هنا بأن المشعر السكري هو تصنيف للكربوهيدرات على مقياس يراوح من صفر إلى 100، وفقاً لنسبة ارتفاع السكر في الدم بعد تناول طعام ما، وبناء عليه تتم جدولة الأغذية إلى ثلاث مجموعات: واحدة ذات مشعر سكر منخفض، وأخرى ذات مشعر سكري متوسط، وثالثة ذات مشعر سكر عال. في دراسة علمية حديثة شملت تحليل بيانات أكثر من 77 ألف شخص من البالغين، أشرف عليها باحثون أميركيون بقيادة الدكتور تيودور براسكي أستاذ الأمراض الصدرية في جامعة أوهايو، أوضح المشرفون عليها أن الرجال، خصوصاً المدخنين، الذين تناولوا جرعات عالية من الفيتامين ب6، ب12، هم أكثر عرضة لخطر الإصابة بسرطان الرئة. ونصح براسكي بالعزوف عن أخذ كميات عالية من الفيتامينين المذكورين من أجل منع الإصابة بسرطان الرئة. أما عن كون الرجال المدخنين هم الأكثر تضرراً جراء الفيتامين ب، فلم تتضح إلى الآن طبيعة تلك العلاقة المعقدة، لكن بعض الباحثين يعتقد بأن طريقة تفاعل الفيتامين مع الهرمونات الذكرية هو السبب في ذلك. أشارت إحصاءات ودراسات إلى أن الغالبية العظمى من مرضى سرطان الرئة تجهل عوارضه، ما يجعل المرض يبلغ مراحل متقدمة تتضاءل فيها فرص العلاج والشفاء منه، من هنا يجب المبادرة إلى الاستشارة وإجراء الفحوص الطبية اللازمة فور ظهور عوارض ما، مثل السعال المعند، وخروج الدم مع السعال، وضيق التنفس، وآلام في الصدر، والتعب، والبحة في الصوت، وتكرار التهابات الرئة من دون سبب واضح. وفي الختام، إن الجميع معرضون لخطر الإصابة بسرطان الرئة، سواء كانوا مدخنين أم لا، لكن على الذين دخنوا منذ فترة طويلة أو أولئك الذين دخنوا كثيراً، أن يستشيروا الطبيب لإجراء الفحوص الضرورية، مع التشديد على أن الوقاية من المرض هي أفضل سبيل لإبعاده، وتقوم هذه الوقاية على هجر التدخين، وتجنب التعرض للتدخين السلبي، والابتعاد عن بعض العوامل الخطرة المشتبه بها، والإكثار من تناول الخضر والفواكه وممارسة الرياضة بانتظام. [email protected]