استمرت دار الفتوى لليوم الثالث على التوالي، ومنذ استقالة الرئيس سعد الحريري، محور لقاءات ومشاورات يعقدها مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان مع زوّاره للتباحث في التطورات وطريقة الخروج من الأزمة. وقال وزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد نقولا تويني بعد لقائه دريان: «موضوعنا اليوم وطني بامتياز، موضوع الحكومة والتسوية الوطنية التي جرت بين رئيس الجمهورية وكل أطياف السياسيين وأولهم الرئيس سعد الحريري، هذه التسوية وهذا الاتفاق السياسي العريض الذي جعل من لبنان دولة مستقرة آمنة تنظر في مصالح شعبها المالية والاقتصادية والسياسية في المنطقة والعالم، ونحن متمسكون بهذا الاتفاق وبالوحدة الوطنية، ونبذ الطائفية الضيقة، والسير مع الحياة الوطنية المستقلة الموحدة. والمفتي ناظر لهذا التوجه ويتابع الأمور بروح وطنية مترفعة عن كل ضيق طائفي أو مذهبي». ثم التقى المفتي النائب غازي العريضي الذي قال: « نمرّ بفترة عصيبة جداً، نحن في محنة لا يستطيع احد بمفرده في لبنان أن يدّعي قدرة على مواجهتها والخروج منها، لذلك بالموقف الوطني الموحد الجامع، وبالصبر والهدوء والتشاور المفتوح، كما جرى منذ بداية هذه المحنة بين مكوِنات البلاد الأساسية، والمواقف التي صدرت عن رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب والمرجعيات الوطنية السياسية الأساسية، والهيئات الروحية وعلى رأسها المفتي دريان بما يمثل من خصوصية في موقع المسؤولية، وما له من دور في مواجهة هذه المحنة، يمكن الخروج من هذه المحنة». وأضاف: «ما سمعته من المفتي يؤكد النهج الذي سار عليه والذي يعبّر عن قناعة بأهمية الوحدة الوطنية، وعدم الانجرار في مواقف سياسية تصعيدية أو متهورة أو في رهانات خاطئة، والتشاور المفتوح، وهذا كله يتلاقى مع ما أطلقه الزعيم الوطني وليد جنبلاط أمس، بموقفه المؤيد للرئيسين عون وبري». وقال: «المطلوب الاحتكام إلى العقل والحكمة والهدوء والتبصر في قول كل كلمة». وعندما قيل له: هل تم التواصل من جهة فريقكم مع الرئيس الحريري أو مع أحد من السعودية؟ أجاب: «لن أدخل في تفاصيل ما قمنا به من واجب أخلاقي وسياسي ووطني، لكن نحن نعرف كيف نتحمّل مسؤولياتنا الوطنية في هذه الظروف». أما رئيس حزب «الاتحاد» الوزير السابق عبد الرحيم مراد فقال من دار الفتوى: «نقدر مواقف المفتي الساعية إلى تهدئة الأمور في هذه الظروف الصعبة، وجميع القيادات السنّية متفقة على وحدة الموقف والتريث». وأضاف: «أتينا لزيارة المفتي لنشد على يديه، مقدرين له هذه المواقف العاقلة والمحترمة التي تسعى إلى تهدئة الأمور. ونتمنى أن يلتزمها الكل». والتقى دريان الوزير السابق وئام وهاب الذي قال: «عند الحوادث الكبيرة تكون هذه الدار صمّام أمان. والمفتي يُشكّل صمّام أمان ضمن مثلث الأمان المتمثل برئيس الجمهورية، والرئيس نبيه بري. لذلك نحن متمسكون ببقاء الرئيس سعد الحريري في رئاسة الحكومة، وننتظر عودته لتوضيح كل ما حصل. والآن لا نرى أي بديل منه في رئاسة الحكومة». ورداً على سؤال قال: «نحن أمام أزمة وطنية وليس أمام أزمة حكومية لتكون استشارات تقليدية، هناك استشارات وطنية، وفي رأيي ما يجريه رئيس الجمهورية هو الأهم، لذلك كما قال الرئيس بري بقاء الوزراء قد يكون مديداً في هذا الوقت، وقبل مجيء الرئيس الحريري كما أعتقد لن يتم الإقدام على أي خطوة». ومن زوّار دار الفتوى أيضاً السفير المصري نزيه النجاري ثم مجلس نقابة الصحافة في لبنان برئاسة النقيب عوني الكعكي الذي نقل عن المفتي تأكيده «أن عودة الرئيس الحريري أولوية تتقدم على أي شيء. ونثمّن مواقف رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس النواب في التريث والتشاور والتواصل، وانتظار عودة الرئيس إلى الوطن». وأضاف: «كما أكد لنا مفتي الجمهورية أن الأزمة التي أصابت لبنان باستقالة الرئيس الحريري، ينبغي أن نفهم ظروفها، وأن نعالجها ضمن إطار الوحدة الوطنية». ودعا كذلك إلى «ضرورة التشاور والتلاقي والتواصل لما فيه مصلحة لبنان واللبنانيين»، وشدد على أن أي موقف يصدر عن أي جهة سياسية، لا بد من أن يكون «في إطار تعزيز التلاحم بين أبناء لبنان». والتقى دريان الوزير السابق فيصل كرامي الذي أشار إلى «أننا نمرّ اليوم في أزمة وطنية، والمفتي عوّدنا دائماً على مواقفه الحكيمة وقراره الصائب في ما يتعلق بكل الأزمات، وما سمعته منه يطمئن إلى أن كل الاتصالات التي يجريها تؤدي إلى الوحدة الوطنية، وبالتالي إلى وحدة الطائفة السنّية. ونحن اليوم في لبنان نشعر بإرباك كبير نتيجة استقالة الحريري». بعد ذلك التقى دريان وفد «حركة حماس» وضم رئيس مكتب العلاقات العربية والإسلامية عزت الرشى وممثل الحركة في لبنان علي بركة. وقال الرشى: «عبرنا عن وقوفنا وتضامننا مع لبنان دائما، وثقتنا بأن لبنان بحكمة المسؤولين قادر على تجاوز كل الأزمات التي يمكن أن يمر بها». كذلك التقى المفتي وفداً من صيدا برئاسة عبدالرحمن البزري الذي قال: «نتطلع إلى دور وطني كبير من دار الفتوى جامع لكل اللبنانيين ونقول ان هذه المرحلة حرجة جداً وعلينا جميعا أن نزن مواقفنا، لأننا نعيش في ظرف استثنائي يحتاج إلى تضامن اللبنانيين». بكركي: زيارة الراعي السعودية قائمة اعتبر رئيس الرابطة المارونية النقيب أنطوان قليموس الذي زار بكركي أمس، «أن كل ما يُحكى عن تمني الرابطة على البطريرك الماروني بشارة الراعي عدم زيارة المملكة العربية السعودية الإثنين المقبل (تلبية للدعوة التي تلقاها أخيراً) تذاكٍ وبعيد كل البعد من اللياقة الكلامية»، وتمنى على وسائل الإعلام «توخي الدقة في نقل الأخبار، لأنه على رغم أهمية التطورات الراهنة إلا أن الزيارة إلى بكركي محدّدة سابقاً ونحن نحمل ملفاً شائكاً يتضمن كل الأمور، وأضفنا إليه التطورات الأخيرة التي لها علاقة باستقالة الرئيس الحريري، وهو كان مدار بحث بيننا وبين البطريرك الراعي». وفيما أوضح أن قرار «القيام بالزيارة أو أرجاءها يتعلق بالبطريرك الراعي وحده». أكدت مصادر بكركي ل «المركزية» أن طالما لم يصدر أي بيان رسمي عن البطريركية المارونية ينفي أو يؤكّد القيام بالزيارة فإنها «لا تزال قائمة». ولفت النائب نديم الجميل ، عقب لقائه الراعي إلى أنّ « السعودية دولة عزيزة وصديقة وتحتضن الكثير من اللبنانيين، ومن المهمّ أنّه إذا قرّر البطريرك أن يزورها، أن يحمل معه المشروع الوطني اللبناني، مشروع الانفتاح والتواصل والتفاهم بين الأديان، والظرف اليوم مناسبة ليذهب لزيارة السعودية». بري: لا استقالة دستورية جنبلاط: الوحدة فوق كل اعتبار أكد رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري في لقاء الأربعاء النيابي أن «اللبنانيين على رغم كل الأزمات التي واجهتهم استطاعوا أن يتجاوزوا كل الصعاب متسلحين بوحدتهم وتحصين ساحتهم الداخلية». وشدد على أن «ما يواجهنا اليوم يفترض منا جميعاً أن نحصن هذه الوحدة»، مكرراً القول إن «الحكومة ما زالت قائمة، وإعلان الرئيس سعد الحريري استقالته في هذا الشكل لن يغير من كامل أوصافها». وقال بري وفق النواب: «إننا نعتبر أنه لا توجد استقالة دستورية للحكومة في لبنان وفق النصوص والأعراف والآليات»، مشيراً إلى «أننا بانتظار أن يأتي الرئيس الحريري ليبنى على الشيء مقتضاه، وكل المسار الدستوري مترتب على عودته». إلى ذلك، غرّد رئيس «اللقاء الديموقراطي» النيابي وليد جنبلاط عبر حسابه على موقع «تويتر» قائلاً: «إنني أؤيد كامل التأييد موقف رئيس الجمهورية ميشال عون وموقف رئيس مجلس النواب نبيه بري في أن الوحدة الوطنية فوق كل اعتبار».